نشر موقع (وفاء لحقوق المرأة) تقريراً عن (النساء المُعَلقات.. مشكلات وهموم ومعاناة) كشف فيه كيف تمتلئ ساحات المحاكم السعودية بقضايا كثيرة لنساء شاءت ظروفهن أن يوصفن بـالمُعَلَّقات، يمضين سنوات عديدة من أعمارهن بانتظار القول الفصل من القاضي، في صورة ترسم ملامحها المعاناة والقهر والحرمان لنساء لا حول لهن ولا قوة، في ظل تعنت الكثير من الأزواج ورفضهم تطليق زوجاتهم وتسريحهن بإحسان، وللأسف الشديد يسيء بعض الأزواج استخدام مفهوم القوامة، ويعتبرونه حقاً مطلقاً وسيفاً مسلطاً على رقبة الزوجة التي لا تريد استكمال الحياة الزوجية، نتيجة هجره لها وعدم مراعاته لحقوقها الشرعية، أو رغبة منه في الانتقام منها بسبب أو بدونه، لتصبح المحصلة النهائية والضريبة الغالية هي من نصيب المرأة، عليها أن تدفعها شاءت ذلك أم أبت.
تحريم عضل الزوجة :
أوضح الدكتور محمد العقيل، المستشار المعتمد للحوار الأسري بمركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني، أن الله تعالى أعطى الزوج حقوقاً، ولكن يجب عليه أن يستعمل الحق بوجهٍ مشروع، وفقاً لما أمر به الشرع وأذن به، مشيراً إلى أن الرجل ليس له ممارسة حقه على نحو يترتب عليه الإضرار بالزوجة، سواء قصد الإضرار أم لا. وأضاف: إن الشريعة الإسلامية حرمت التعسف، ونهى الشرع عن استعمال حق المراجعة بقصد الإضرار كما كان يفعل في الجاهلية، حيث يُطلق الرجل زوجته ثم إذا قاربت عدتها على الانتهاء راجعها، ثم طلقها، فنهى الشرع عنه، والنهي يفيد التحريم، فيكون تعليقها حراماً، ولا يحرم الله شيئاً إلا وفيه مضرة.
تزايد مستمر :
و جاء في التقرير الذي أعده الموقع، أن عشرات النساء اللاتي وقعن أسيرات سجن «المُعَلَّقات» وهو سجن نفسي ومعنوي يجعلها أسيرة حالة «لا زواج .. لا طلاق»، وهو السجن الأول من نوعه الذي لا يحكمه سجانون أو حُراس أو قضبان، والزوج وحده هو من يمتلك كلمة السر في إخراج المرأة من هذه الحالة المهينة التي لا تتناسب بأي حال من الأحوال مع حريتها وكرامتها التي شددت عليها الشريعة الإسلامية.
الظاهرة أصبحت في تزايد مستمر، حيث تستدعي ضرورة النظر في أسبابها وآثارها السلبية الوخيمة على المرأة، إذ أصبحت المحاكم تعج بتلك القضايا التي تستمر سنوات طويلة، في ظل مماطلة وعناد الأزواج عن تطليق زوجاتهم.
وفي هذا الصدد يوضح المحامي والمستشار القانوني هادي بن علي اليامي، أن ما يقارب 10% من القضايا التي توكل إلى المحامين متعلقة بقضايا المرأة من الطلاق والخلع والحضانة، لافتا إلى أن الإجراء المتخذ في قضايا المُعَلَّقات، أو الراغبات في تطليقهن من أزواجهن، هو محاولة الوصول إلى حل ودي في البداية، يرضي جميع الأطراف، وإذا لم يكن هنالك نتيجة، تُرفع القضية للمحكمة، ويحيلها القاضي إلى لجنة الإصلاح للمحاولة مجدداً في إيجاد حل وسط يرضي كافة الأطراف، وبشكل ودي، وفي حال عدم التوصل إلى هذا الحل، تُرفع القضية للقاضي، للنظر فيها، ومن جلسة إلى أربع جلسات وقد تزيد، ينظر القاضي في القضية من كافة جوانبها، وبالتالي يحكم فيها، مشيراً إلى أن طلب المرأة الطلاق من الرجل في حال كونها معلقة، حق قانوني شرعي لها. آثار سلبية:
وذكر الدكتور العقيل عدة آثار سلبية مترتبة على تعليق المرأة، منها: تفويت حقوقها الزوجية، وعدم استقرار وضعها الاجتماعي إذا كانت زوجة فتطالب بحقوق الزوجات، أو مُطلقة فتعتد للطلاق، مشيراً إلى أن بعض السلف فسّر المعلقة بالمسجونة من شدة ما هي فيه من الإيذاء والإضرار، والأهم من ذلك تفويت فرصة الزواج من غير الزوج المعلق؛ لأنها لم تطلق فتعتد عدة المطلقة ثم تنتظر الخطَّاب.
وعلاوة على المعاناة النفسية للمرأة المُعَلَّقة، تواجه معاناة أشد وأكبر هي نظرة المجتمع التي تتراوح بين العطف من البعض واتهامها بالتقصير ومسؤوليتها عن هجر زوجها لها، وتربص البعض لها، والتدقيق في حركاتها وسكناتها، مما قد يجعلها هدفاً لبعض ضعاف النفوس، الذين يجحدون حقها في طلب الطلاق أو الخُلع من زوجها، ومما لا شك فيه أن تعليق المرأة ينتج عنه أيضاً بعض الاضطرابات النفسية والسيكولوجية للأبناء مما يؤدي إلى الانحراف، جراء غياب الاستقرار الأسري، وهجر الزوج لأسرته وأبنائه، سعياً وراء ملذاته وشهواته، مما يضاعف المهام الملقاة على عاتق الزوجة.
وفي ذات السياق، يؤكد الدكتور محمد الوهيد أستاذ علم الاجتماع والجريمة بجامعة الملك سعود، أن القضاء يتضامن مع الرجل في أن الزوجة تخطئ إذا طلبت الطلاق، وخلال ذلك قد تلجأ المرأة إلى التسول، وامتهان بعض المهن التي لا تليق بها أو بمكانتها الاجتماعية، أو طرق أبواب أخرى مثل ممارسة الرزيلة من أجل جني المال بطريقة سريعة للإنفاق على نفسها، وإدمان المخدرات والاتجار بها والسرقة، لافتاً إلى أن المرأة لم تُؤهل للإجراءات القانونية التي تطلب منها، بسبب عدم أهليتها قانونياً لتتبع ذلك، فتصل إلى وضعية زواج مع وقف التنفيذ.
ويرجع الدكتور الوهيد أسباب ذلك إلى عدم تكيفها مع ظروفها الزوجية، وبالتالي عقابها بالتعليق أو تغيير تصرفات الزوج مع زوجته بسبب كبر سنها. وتعاني المُعَلَّقات نفسيا وجنسيا وماديا، ووضعهن في السعودية يخضع لمزاجية الزوج، وعادة إسقاط الحقوق، معتبراً أن تعليق المرأة مؤشراً لتفسير الانحرافات الأخلاقية في المجتمع بجانب عوامل أخرى، مطالباً بوضع حد أقصى لإنهاء إجراءات الطلاق لا تتجاوز 6 أشهر.
مقترحات وحلول :
وفي ختام التقرير تعرض لأهم الحلول التي تخفف من وطأة آثار هذه السلبية المجتمعية فترى الدكتورة لطيفة عبد العزيز العبد اللطيف بقسم الدراسات الاجتماعية بجامعة الملك سعود أن نسبة العنف الأسري والطلاق والهجر وتضييع حقوق المرأة تزداد؛ مما يتطلب وضع برامج لمواجهة هذه المشاكل والتعامل معها وطرق الوقاية منها، إلى جانب الفهم والتطبيق للحقوق الشرعية في التعامل بين أفراد الأسرة. وأضافت: إن الإشكالية التي يواجهها المجتمع تتمثل في الفهم الخاطئ لتشريعات الحقوق والقوانين، والقصور في تطبيقها؛ مما يخلق فجوة بين الجانب النظري والتطبيقي، داعيةً إلى تشجيع المؤسسات الدينية والمدنية على أداء دور فعال يساهم في معالجة المشاكل الأسرية، وعدم هضم حقوق المرأة، وإدخال مادة التربية السلوكية والحقوق الزوجية في المناهج الدراسية، إلى جانب العمل على منح المرأة حقها الاجتماعي والثقافي والتأكيد على أهميتها في حقوقها المالية والقانونية.