في الطريق للقائه، انتابني تناقض كثير، وماذا سأقول للرجل الذي يُعتبر الأخطر في مرحلة ما بعد ثورة 30 يونيو، والذي تعددت حوله الآراء، صحيح أنني كثيراً ما هاتفته، ولكنها المرة الأولى التي ألتقيه وجهاً لوجه.
صحيح أننا تواعدنا على اللقاء في بيته القريب من مكتب (اليوم)، بمصر الجديدة، ولكن ظرفاً طارئاً، أجّل الموعد، لنلتقي في مكتبه بمركز الدراسات الاقتصادية، في حي الدقي العريق، كنت أتصور أنني سأجده في مكتب فخم، يليق بمنصبه السابق على الأقل، ولكن عندما دخلت حجرته، وجدت نفسي فجأة في حضرة الدكتور حازم الببلاوي، رئيس وزراء مصر السابق، هالني بساطة المكان، جدران خالية تماماً حتى من أي لوحة فنية، وأرضية عادية دون سجادة، ومكتب بسيط متواضع للغاية، وإن كان لا يخلو من عراقة.. والأهم ترحيبه الشديد، وحرارة الاستقبال.
استغربت عندما تساءل: أليست (اليوم) هذه التي تصدر من الخُبر؟ فأومأت برأسي إيجاباً. بنفس التواضع، أجاب عن كل سؤال، وبنفس الروح المتفائلة، كان ينظر للمستقبل، لم يرفض أي إجابة، بالعكس، حاول قدر الإمكان ممارسة دور "المعلم" أو "الوصي"، وبدا شديد الاعتزاز بدوره الذي أداه بأمانة كما يقول، وبشجاعة كما لم يقل، مهما اختلفت الآراء والتقييمات لفترة رئاسته للحكومة. ردّ على اتهامات "الأيدي المرتعشة" والتردد، من دون عصبية، وحاول قدر الإمكان رسم صورة إنسانية للمشهد الأخطر، وهو قرار فض اعتصامي رابعة والنهضة، وبدا أكثر تفاؤلاً بالمستقبل، داعياً لأن نعمل بدلاً من الثرثرة والانتقاد، وقال: إن التقدم ليس منحة إلهية، ولكنه ثمرة عمل وجهد وعلم وابتكار. وشدّد على الدور الخليجي الكبير الذي قادته المملكة العربية السعودية ومعها الإمارات، في الوقوف لجانب مصر، في ثورتها، ودعمها اقتصادياً, سياسياً ومعنوياً، واصفاً ذلك بـ"الموقف المسؤول".. باختصار، كان هذا هو الحوار:
مرّت بسلام
كنت أول رئيس وزراء بعد ثورة 30 يونيو.. كيف تقيّم مرحلة رئاستك للحكومة في هذه الفترة؟
ـ من الادعاء أن أزعم أني أستطيع تقييمها، أترك ذلك للتاريخ، وإن كنت أعترف بأنها كانت فترة هامة ودقيقة وحساسة، ومن فضل الله أنها مرّت بسلام.
تعرّضت أنت شخصياً، لهجوم كبير جداً، ونالتك سهام ربما بحكم طبيعة المرحلة.. البعض حسبك على تيار معين، وبذات الوقت التزمت أنت الصمت.. ألم تؤثر هذه الانتقادات عليك أو على مهمتك؟
ـ في أول الأمر، شعرت أنها طبيعية، ولما زادت، لا أحد يسعد بالهجوم، خاصة وأنه لم يكن مبنياً على أسباب حقيقية، لكن في نفس الوقت أدرك تماماً أن هذه هي طبيعة العمل السياسي، وعلى من يقبل أي مسؤولية في هذا المجال، أن يتمتع بصدر رحب، ويتوقع ما هو أكثر، لأن أي قرار سياسي هو عملية اختبار بين بدائل، وهذه البدائل ليست بين الصواب والخطأ، لأن لكل بديل جوانبه، وعليك أن تختار البديل الأقل سوءاً.
لم أتخيل
باعتبارك رئيساً لحكومة الثورة، هل كنت تتصور أن الأحداث يمكن أن تتطور لما شهدناه في مصر؟
ـ بصراحة لا.. لكني كنت أدرك أنه ترتب على السنة التي تولى فيها الإخوان، شعور شعبي متزايد بالاستياء، طبعا كانت هناك عملية استعداد لـ30 يونيو، عبر حملة تمرد وغيرها، كنت أدرك أنه سيحدث شيء، لكن الحقيقة أن النتيجة التي وصلنا إليها جاوزت كل التوقعات. صحيح كنت متأكداً من نزول جماهير عديدة، لأن حالة التوتر تصاعدت، مع رغبة هائلة في التغيير، لكني لم أكن أتخيل نزول حوالي 30 مليون شخص، مطالبين بالتغيير.
موقف خليجي مشرف
توليت المسؤولية في ظرف صعب، ما حقيقة الدور العربي في دعم مصر الذي جاء في ظل شلل أظهركم كحكومة معونات؟
ـ لسنا حكومة معونات، لا دولة في العالم إلا وتمر بظروف تقدم لها دول أخرى مساعدات، لتجاوز أزمتها.. حدث هذا في أوروبا، وغيرها.
الحقيقة، إن الدور العربي وعلى رأسه المملكة العربية السعودية، ودولة الإمارات الشقيقة، قدمتا دعماً هائلاً للشعب المصري، من منطلق الأخوة والعروبة، والمصلحة السياسية أيضاً.. لذا فإن حديث المعونات يكون منافياً للذوق وقليل اللياقة.
كوننا تعرضنا لظروف خارجة، ووقف معنا أشقاء، فهذا طبيعي، ومن حسن الحظ أن دول الخليج تصرفت بمسؤولية كاملة من خلال إدراكهم للرؤية المستقبلية، في وقت كانت فيه مصر تحتاج لمثل هذا الدعم. وهذا كان شيئاً مشرفاً لأشقائنا في الخليج.
القرار الأخطر
أثناء رئاستك للوزراء، حدث الحادث الأخطر في تاريخ مصر، حكومتك اتخذت قراراً بفض بؤرتي رابعة والنهضة، اختلف حوله كثيرون اعتبروه شجاعة، وآخرون انتقدوا البطء والتردد، وهناك، الإخوان طبعاً، وصفوه بالمجزرة.. هل تعتقد أن عملية فض رابعة والنهضة كانت ضرورية؟
ـ بالطبع.. إذ لا يمكن لأي دولة أن تقبل وجود مجموعة تعلن جهاراً نهاراً عصياناً لها، ويستخدمون السلاح، ويقطعون الطرق، ويمنعون السكان من ممارسة حياتهم، عنوان أي دولة هو احترام قانونها، والخضوع لسلطتها، وإذا أعلن البعض بالصوت العالي عبر الميكروفونات والفضائيات، تحدّيهم لهذه الدولة ولا يؤمنون بها، أو يخضعون لها، لا يعترفون بها، وأنهم يقاومونها.. إذا المسألة هي مسألة وجود الدولة، لا توجد دولة تقبل أن البعض فقط لا يقبلونها، وإنما يعرقلون الحياة، ويهددون بأنه "اللي ح يقرب لنا ح نرشه بالدم".
السؤال كان لا بد من منح فرصة، لأن الفض ستترب عليه خسائر وضحايا، ولا يوجد عاقل يرى أن الدم المصري يمكن أن يراق بسهولة، بلا ثمن، كان التروي قليلاً في اتخاذ القرار، لكن، لكل شيء حدود.
مسؤولية العنف
رغم ما نُسب إليك، من أنك مع الفض السلمي، لكن ما حدث..
ـ (مقاطعاً): أنا لم أقل "فض سلمي أو فض عسكري"، قلت احترام القانون، وأنه لا يمكن قبول تحدي سلطة الدولة، وينبغي أن يكون الفض بالوسائل السلمية إن أمكن، والدولة هي صاحبة السلطة، وإذا تم الرفض، فيجب اللجوء للقانون، فماذا نفعل أمام جماعة ترفض القانون؟ فلتتحمل مسؤولية استدعاء العنف، خاصة أنها ـ أي الجماعة ـ تحرم الناس من حياتهم، وتروعهم، وتهدد الناس، وتعلن جهاراً نهاراً أنها لا تقبل السلطة، بالخروج على القانون.
لا يقل لي أحد، أن هذا "رأي"، لأن هذا الرأي، ارتبط بسلوك عدواني وتهديدي وترويعي، لم يكن صاحب هذا الرأي يجلس في بيته مثلاً، وتم الاعتداء عليه.
البرادعي ورابعة
ولكن ماذا عن تداعيات القرار الأخيرة، التي أوصلت لانسحاب الدكتور البرادعي من المشهد السياسي، وهو كان نائب رئيس الجمهورية، هل تعتقد أن انسحاب البرادعي كان "خيانة" كما يقولون؟
ـ لا لا.. أعتقد أنه اختلاف طبيعي في الرأي، ومن حق كل شخص أن يبدي رأيه. والبرادعي أبدى رأيه أكثر من مرة في كل اجتماعات المجلس الأعلى، وهو أنه لم يكن موافقاً على استمرار وجود الاعتصام، كان يرى إيجاد حل، الخلاف الوحيد، أننا بدأنا في البحث عن وسائل سلمية، بلغت فترة معينة، كان يعتقد أنه كان ينبغي إعطاء فترة أطول، وأعتقد أنه لم يكن مدركاً أن الناس بدأت تفقد الثقة في الدولة.
نحن متفقون على أنه لا دولة تحترم نفسها وشعبها، يمكن أن تقبل إسقاط هيبتها أو إهانة سلطتها، لكن الخلاف الوحيد، كان هل نحن أعطينا فرصة كافية أم لا؟ الحقيقة أنه كان هناك وساطات من الداخل والخارج، ولم تنجح، فكان الأمر إما الاستمرار في وساطات دون نتيجة، بالتزامن مع تحدي وإزدراء للدولة، وهنا كان من الضروري حسم المسألة، بعد استنفاد كل الطرق.. غالبية الحكومة كانت ترى أنها أعطت الفرصة كاملة، لكن البرادعي كان مع منح فرصة أخرى. وهنا أعتقد أن الخلاف كان في التقييم.
هيبة دولة
كلامك الأخير يثير تساؤلاً.. كيف تحدثني عن هيبة دولة، وبنفس الوقت تقبل وساطات بينها وبين جماعة تقول إنها خرجت على القانون والدولة ذاتها؟
ـ لا ليس بهذه الصورة، لأنك لو اختلفت مع أبنائك، قبل أي إجراء تحاول أن تحل الأمور. اننا نتعامل مع أبناء مصر، وعملية الفض ليست سهلة لأنه سيترتب عليها ضحايا. لا أقل من إعطاء الفرصة، للتفكير قبل الجزاء.
أختلف معك
اسمح لي أختلف معك.. لأن هذا كلام إنساني، والقانون يتجاوز العواطف.
ـ (يبتسم): وماله.. اختلف زي مانت عايز. القانون يسمح بالإنسانية، السياسة تفرض حتى في الحرب، أن تعطي إنذاراً قبل أن تستخدم القوة.
وساطات وتداعيات
لكن الوساطات وصلت حد التدخل في الشأن الداخلي.!
ـ انت تتحدث عن أسبوعين أو ثلاثة، الحقيقة ليس هذا هو الكلام، لأن الدولة التي تتحدث عنها، لم تقل: نصل إلى حل وسط "انتو النص واحنا النص" لا.. الطبيعي أنك عندما ترى أن مواطنا أخطأ لا بدّ أن تحرص عليه أيضاً ولا تلجأ لاستخدام القوة بالدرجة الأولى. ولا تنس أن هذا الموقف كان بالتزامن مع تداعيات خارجية لا ننكرها.. ولا تنس أنك تتعامل مع دول، ومؤسسات حقوقية وإنسانية، وممثلي مجتمع مدني، العاقل يقول إنه استنفد كل الوسائل.
مأزق الإخوان
برأيك، ما الذي أوصل الإخوان إلى هذا المأزق؟
ـ هم الذين أوصلوا أنفسهم بأيديهم لهذا الوضع. لسببن.. الأول: الإفراط في الثقة في أنفسهم وقوتهم. ولم يقرأوا الواقع جيداً، بحيث لم يتوقعوا خروج هذه الكتلة الكبيرة ضدهم، والأخطر عملية الإنكار لكل شيء، لأنهم اعتقدوا أن مجرد وصولهم الحكم كافٍ لبسط سيطرتهم، والثاني: احتمال اعتقادهم بوجود قوى خارجية تؤيدهم لذا شعروا بأن ما حدث لا يمكن أن يستمر، وعملية الإنكار هذه لا تزال مستمرة حتى الآن.. والنتيجة تفاقم خسائرهم.
حكومة مرتعشة؟
وماذا عن اتهامك إعلامياً، بالتردد وأنك رئيس حكومة مرتعشة؟
ـ كيف أكون رئيس حكومة مرتعشة، وأتخذ قرار فض بهذه الخطورة؟ أليس هذا تناقضاً؟ لقد بحثنا عن حل وسط، لا يفرط في احترام القانون ولا يتعسف أيضاً في تطبيقه.. ثم عندما تفكر بعقلانية، الحكومة تشكلت في أواخر يوليو، والفض كان في 14 أغسطس، يعني الفترة كلها أسبوعان أو ثلاثة، وفي ثاني اجتماع مجلس وزراء، في 30 يوليو، اتخذنا قراراً بتكليف وزير الداخلية بالفض وإعادة الانتظام للشارع، والفض حدث بعدها بأسبوعين، ولم يكن ممكنا فضه قبل هذا التوقيت، خاصة وأن هذه الفترة كان فيها شهر رمضان المبارك، ,لا يمكن أبداً تنفيذ قرار يحتمل إراقة دماء.. لذا.. كيف تصف الحكومة بأنها مرتعشة على أداء 15 يوماً؟
اتهامات غير منصفة
ولكن سيدي كان هذا توصيفاً لمجمل أداء حكومتك؟
ـ للأسف هذا تعميم غير منصف، لكن عندما تصف بناء على أسباب فنية، ونقط محددة، فأنا أرحب بذلك، اضرب لي مثلاً واحداً، كانت فيه الحكومة مرتعشة، هذا نوع من الهجوم الذي تعرضت له، ويكشف أن لا أشياء محددة.
لا تنس أنني كنت أول رئيس وزراء يضع على الإنترنت بيان ذمته المالية، في سابقة هي الأول، ولم تحدث بعد ذلك، هذه الحكومة هي التي وضعت الحد الأدنى للأجور، وهي أيضاً حددت الحد الأقصى، الذي أقر لاحقاً، وهي ذات الحكومة التي طرحت مشروع قناة السويس، وأعدت كراسة الشروط والمناقصة وعرضت على المستشارين.. وهكذا. عندما تقول اتهاماً غير محدد، فهذا يدعو للاستغراب، كل الاتهامات لم تكن منصفة أو عادلة. اذكر لي قراراً واحداً خطأ.
حقيقة نفوذ السيسي
قيل كثيراً إن الفريق السيسي، وقتها، كان صاحب النفوذ الأول داخل مجلس الوزراء.. ما صحّة ذلك؟
ـ (يبتسم قليلاً): يُقال.. ولكن ما أعرفه عندما كلفت بتشكيل الحكومة، التي كان السيسي سيوضع فيها نائباً لرئيس الوزراء، لم أره من قبل، وأثناء حلفه اليمين، جلسنا في حجرة قبل أداء اليمين، سأله حسام عيسى، نائب رئيس الوزراء: هو انت معانا؟. وكانت هذه أول مرة نتقابل وجهاً لوجه. لم يقل لي خذ فلانا أو فلانا.
في مجلس الوزراء، كان يتحدث مثل أي وزير، لا يفرض رأيه، ولم أشعر في أي لحظة أنه بعيد عن المشاركة أو يفرض رأيه.
أزمة تركيا
كيف ترى الموقف التركي مما حدث في مصر؟
ـ هناك حقائق جيوبولوتيكية، تركيا دولة مهمة إقليمياً، وذات الشيء لإيران، والسعودية، كون تأتي حكومة لها رؤية مختلفة، فهذا وارد، برأيي أن تركيا في ظل أردوغان، لها رؤية استثمرتها أكثر مما ينبغي في الاتجاهات الإسلامية، ومن الصعب عليها أن ترى فشل مشروعها، خاصة وأن قيمة تركيا ومشكلتها في ذات الوقت، إنها تعتبر نفسها حلقة وصل بين أوروبا، وبين الشرق الإسلامي.. ربما لأنها دولة تعيش على ظلال ماضي الخلافة، حاولت أن تعيد هذا الماضي، متناسية أن لديها مشكلة داخلية، تحاول تجاوزها بتحقيق طموحات خارجية.
ثورات وأخطاء
باعتبارك رئيس حكومة أخطر مرحلة مرّت بها مصر في ظل ما يوصف بـ"الربيع العربي" هل تعتقد أنه ربيع عربي فعلاً؟ وكيف ترى نتائجه؟
ـ ينبغي أن نضع الأمور في نصابها، ثورتا 25 يناير و30 يونيو، عمل جبار وتطور هائل في تاريخ مصر، لكن ليس معنى ذلك أن الثورات تحقق نتائجها دون تكلفة أو أخطاء.
الثورة الفرنسية قامت 1789 ولم تستقر إلا بعد هزيمة نابليون 1815، وكذا الثورة البلشفية، السؤال الحقيقي هو كون أن تحدث ثورة، فهذا مهم، وكذلك حدوث مشاكل، وهذا أشبه ما يكون بمرحلة المراهقة للطفل، التي يعلن فيها أنه لم يعد طفلاً، ولأنه ليس ناضجاً فيرتكب أخطاء ويحاول تصحيح سلوكياته.
ولأننا انتقلنا بعد الثورة إلى هذه المرحلة، فهذا طبيعي من وجهة نظري، والإنسان لا يتعلم من أخطائه.
مراهقة ثورية
هل أفهم من ذلك أننا نعيش مرحلة مراهقة ثورية؟
ـ لا لهذه الدرجة.. ما أريد قوله، إن عملية الانتقال من مرحلة لأخرى جديدة، تحتاج في إدارتها لخبرة، وهذه الخبرة لا تكتسب إلا من خلال الخطأ والصواب.
المهم أننا ونحن ننتقل من مرحلة لمرحلة جديدة، دخلنا في فوضى ومرحلة شديدة القلق والاضطراب والغموض والتشويش، ومن الطبيعي أن توجد أخطاء ومشاكل نواجهها لأول مرة، الفارق فقط، أن هناك بعض المجتمعات كان لديها أسس واضحة، مثل مصر، لذا تجنبت ما حدث مما يشبه حروباً أهلية في الدول الأخرى (سوريا/ ليبيا/ اليمن).
أخطاء وضحايا
كلنا رأينا ما حدث في عدة عواصم عربية، آخرها سقوط العاصمة اليمنية بيد جماعة الحوثي؟
ـ اليمن بلد تاريخي، وله طبيعته الجبلية والقبلية، والوضع هناك ليس سهلاً، لأن هناك عناصر من الداخل والخارج "تلعب"، ولكني في كل الأحوال أسجل أن الربيع العربي مرحلة تاريخية مؤقتة، لها أخطاؤها وضحاياها، التي ندفع ثمنها.. وهذا أراه مخاضاً طبيعياً، كخطوة تقدمية للمستقبل الذي لا يتم بالتمني.
عهد السيسي
كيف ترى 100 يوم من عهد السيسي؟
ـ قياساً بالظروف التي نواجهها، أعتقد أنه أدى بنجاح. كان لديه من الشجاعة ألا يخفي صعوبة الموقف على الشعب، وبنفس الوقت لم يطلق وعوداً لا يقدر عليها. هناك بعض الأشياء التي فعلها كانت بمثابة رهان كبير نجح فيه، مثل مواجهة إشكالية الدعم، مثلما وفق في طرح مشروع تمويل قناة السويس شعبياً، لأنه زاد شعور الناس بأن هذه بلدهم، إضافة إلى زيارته للأمم المتحدة ونجاحه اللافت.
متفائل بالمستقبل
كيف ترى مستقبل مصر والشرق الأوسط؟
ـ أرى أن المستقبل يبعث على التفاؤل، مهما كانت التجارب، والشيء الوحيد الذي أعرفه أن مستقبلنا كعرب بيد أبنائنا، الذين يجب عليهم أن يعملوا، ولا يفتعلوا المشاكل والخصومات. وبقدر ما يعملون سينجحون، أما حديث المؤامرات فلا آخذه بجدية.
ومع أنه ليست هناك مؤامرة واحدة، بل آلاف المؤامرات ليست كلها على قلب رجل واحد، إلا أن السؤال هو: ماذا سيفعل كل واحد منّا؟ كل يتحدث على ما ينبغي أن يفعله الآخر، ليس ما سيفعله هو.! وهنا المشكلة.
بلادنا ستتحسن عندما نبدأ بأنفسنا ونتوقف عن الكلام، ونعمل بكفاءة وجدية، وبقدر شعورنا بالمصلحة والمسؤولية، وبأن هذه البلد هي بلده، ليس الرئيس ولا الحكومة ولا الوزير، وعندما نحس أن البلد تستحق أن يعمل بادئاً بنفسه.
ليس منحة إلهية
ما دعوتك للمواطن المصري أو العربي؟
ـ أقول إن الظروف بالغة الصعوبة، لكن الآمال موجودة ومعقودة على كل شخص. وأرى أن هناك قضايا أساسية نختلف حولها، يعني كل ما يتحدث الناس مثلاً عن برنامج السيسي؟ أقول: إن البرنامج هو مجرد روشتة علاج، لكن الأهم هو الاتفاق على تشخيص المرض أولاً.
لدينا قطاع غير قليل، يعتقد أنه في صراع مع بقية العالم، وأن الغرب هو العدو، وينبغي محاربته، وهذا خطأ لأنه يجب أن ندرك أننا جزء من بقية العالم، علينا أن نتعايش لا أن ننغلق، هناك من يفهم أن التقدم إنما يكون منحة إلهية، ولكن هناك من يرى أن التقدم هو نتاج للعلم والعمل الجيد والإخلاص والاحترام.
لذا ليس لدينا في التاريخ الإسلامي، رجل دين، وإنما رجل علم، في الدين والحياة والطبيعة والكيمياء وغيرهم.. وهذا ما نحتاجه بشدة.
الببلاوي يتحدث للمحرر