DAMMAM
الخميس
34°C
weather-icon
الجمعة
icon-weather
34°C
السبت
icon-weather
37°C
الأحد
icon-weather
33°C
الاثنين
icon-weather
34°C
الثلاثاء
icon-weather
36°C

الإثم ما حاك في صدرك.. حياء لا سلطة

الإثم ما حاك في صدرك.. حياء لا سلطة

الإثم ما حاك في صدرك.. حياء لا سلطة
لو كنت في بلد لا يسمح لك فيه باعتناق الإسلام، ولا بالجهر باعتقادك، ولا بإقامة صلاتك ولا صيامك، ولا للمرأة بارتداء حجابها، فقد تجد في نفسك شيئا إن فعلت ذلك سرا خوفا من أن يكشف الناس أمرك، خاصة إذا كان المجتمع- فضلا عن الحكومة وقوانينها- يضعك موضع التهمة، وينظر لك نظرة دونية متخلفة، ولو كان العقاب على فعلك مكلفا ومؤلما فإنك إن أقمت صلاتك وقرأت كتاب ربك، ستكون خائفا، وقد تمشي بين الناس وتخالطهم وتتعامل معهم وتبتسم في وجوههم وأنت لا تعلم هل كشفوا أمرك أم لا، إنه أمر تفعله سرا بينك وبين ربك.. وبسبب خوفك منهم يحيك في نفسك وتكره أن يطلع عليه الناس!. حسنا، هذا معنى من معاني هذه العبارة، لكنه حتما ليس المقصود من قول النبي صلى الله عليه وسلم: "الإثم ما حاك في نفسك وكرهت أن يطلع عليه الناس"، فحين يكون سبب الحرج الذي تجده في نفسك والخوف من الناس هو السلطة، حينها لا يكون هذا المعنى هو المقصود، ليس كل حرج تجده في نفسك يعني أنك تقترف إثما، ولا كل ما تكره أن يطلع عليه الناس يعد إثما كذلك، هناك معنى يريده النبي صلى الله عليه وسلم غير ذلك بقوله هذا. لكل مجتمع سلطته الثقافية، سواء كان على حق أم على باطل، ولكل دولة وحكومة وقانون سلطة، سواء كان حقا أم باطلا، وقليل من الناس من يود مواجهة مجتمعه أو حكومته، ويقدر على تحمّل كُلفة ذلك فيما بعد، ومن الطبيعي أن يجد المرء خوفا وتوجسا وقلقا في نفسه من كل مخالفة للسائد أو للقانون. تحرص الثقافة السائدة في أي مجتمع، والأيديولوجيا في أي جماعة، أن تخيف الناس والأتباع من مخالفة السائد والمتفق عليه ومن المعلوم بالضرورة داخل هذه الثقافة أو الجماعة، ويتم توظيف هذا الحديث النبوي لهذه الغاية، فكل ما كرهت أن يطلع عليه الناس هو إثم، مع أننا نجد في المثال السابق أن المسلم قد يكره أن يطلع الناس على ممارسته لدينه خوفا وبعدا عن الأذى المتوقع منهم. الدين في أصله حالة فردية بين العبد وربه، ليس بالضرورة أن يتفق المرء مع نسقه الثقافي حتى يكون مؤمنا ولا بالضرورة أيضا أن يختلف معهم حتى يكون كذلك، الحرية هي أن تفعل ما تريد، وقبل ذلك أن تعرف ما تريد. كل سلطة قانونية أو اجتماعية أو ثقافية تؤثر على حرية الفرد، وطالما أن الإنسان ليس بإمكانه أن يعيش وحيدا، كما أنه ليس مطلوبا منه ذلك، فعليه أن يخفف هذه السلطات إلى الحد الأدنى الممكن ليحقق حريته، وليحقق احد مفاهيم القرآن الرئيسة (لا إكراه في الدين). وسط نسق المجتمع هناك نسق فردي لكل منا، صنعته التجربة الفردية، اختلطت فيه العادات والتقاليد والثقافة والدين، وصنعت نسقا من الخطأ والصواب، ومفاهيم للحلال والحرام، وتكييفات واقعية تخبرنا كيف نتصرف في مختلف المواقف التي نواجهها في حياتنا، لذلك صرنا ندرك دون تأثير السلطة ما هو الإثم، وفي هذا الحديث النبوي الذي يضع النبي صلى الله عليه وسلم معيارا فرديا ذاتيا، (ما حاك في نفسك وكرهت أن يطلع عليه الناس). هناك صورة للكمال والجمال الإنساني كامنة في عقولنا، حين نخالفها ونقترف الخطأ نحن نعي ذلك تماما، لا نحب أن يطلع الناس على حماقاتنا حتى لو كانت في أعينهم صوابا، لأننا نصغر في عين أنفسنا، الحديث هنا يلغي الرقابة الخارجية ويحيل المرء إلى ذاته، وهو قريب جدا من معنى الحياء، لذلك كان فعلا (إذا لم تستح فاصنع ماشئت)، إذا لم يمنعك الحياء من نفسك وربك، ومن الناس أيضا أن تترك القبيح فحينها اصنع ما شئت، لأن ما يمنعك سيجعل منك منافقا اجتماعيا أو دينيا. حين تفعل ما تعتقده خطأ، ستكسر ذاتك، وتهين نفسك، ليس كل الأخطاء بالفعل، لكل منا تقييمه لدرجات الأخطاء، هناك ما هو قبيح، وهناك اللَّمَم التي تَجبرها الحياة، والتي نعدها من طبيعتنا البشرية، لكن القبائح تجرح القلب وتجعله كسيرا أمام الناس حتى لو كان الإثم سرا لا يعلمونه. الإثم بهذا المعنى قيد، حِملٌ ثقيل يلصقك بالأرض ويمنعك عن الحركة، كلما أردت أن تمضي قدما، وجدته يذكرك بدناءتك، ولن تمضي حتى تتحرر منه، إنك هنا لست حرا، ولست تفعل ما تريد، لست ذلك الإنسان الذي تراه روحك في أعلى درجات الجمال والكمال، حياء من نفسك ومن ربك ومن الناس ومن الوجود بأسره. هناك إثم تقع فيه فجأة، دون تخطيط سابق، وهناك إثم تتمرغ فيه باستمرار يشعرك بالإهانة أكثر، وهناك ما تدمن عليه ليخبرك في كل لحظة أنك ملك له، المدهش أن كمية الطموحات التي تعيقنا عنها الآثام أكبر مما نتوقع، أعني الطموحات الروحية والإنسانية، المعاني العميقة التي ترغب بالوصول إليها لكنك بت تعتقد أنك لا تستحقها. كمية الشجاعة والمواقف الصلبة التي صرت تفر منها بسبب هذه الأخطاء التافهة التي تحيك يوميا في صدرك وتملؤك بالقلق والحسرة. أنا على قناعة تامة أن الصلاة تنهى عن الفحشاء، لأنك بين خيارين لا ثالث لهما، إما أن تقف أمام الله وأمام نفسك في الصلاة في حالة من الصمت والمواجهة الحقيقية، فيمنعك حياؤك أن تمضي مجددا في آثامك، وإما أن تقف أمامه وتصرف قلبك عنه، هروبا من المواجهة، وهنا تصبح الصلاة حركات بالجوارح لا أكثر.