اعتبرت السلطة الفلسطينية اعتراف البرلمان البريطاني بدولة فلسطين "تصحيحاً للظلم التاريخي" الذي ألحقه وعد بلفور بالفلسطينيين، فيما أعلنت إسرائيل أمس، أن اعتراف البرلمان البريطاني بدولة فلسطين يسيء إلى عملية السلام ويقوضها، فيما أكدت منظمة التحرير الفلسطينية أن "حقنا في تقرير المصير ليس موضوع تفاوض"، وكان النواب البريطانيون أيدوا في وقت متأخر من الإثنين، بغالبية ساحقة الاعتراف بدولة فلسطين في تصويت غير ملزم لن يؤثر في موقف الحكومة على هذا الصعيد.
غالبية ساحقة
وتبنى النواب بغالبية 274 صوتاً مقابل رفض 12 المذكرة التي تدعو الحكومة البريطانية إلى "الاعتراف بدولة فلسطين إلى جانب دولة إسرائيل" كـ"مساهمة في تأمين حل تفاوضي يكرّس قيام دولتين" في المنطقة. وجاء هذا التصويت بعد عشرة أيام على إعلان السويد اعترافها بفلسطين، ما أثار انتقاد إسرائيل على الفور.
"رسالة قلقة "
وجاء في بيان لوزارة الخارجية الإسرائيلية، أمس، أن "اعترافاً دولياً سابقاً لأوانه سيوجه رسالة مقلقة إلى القادة الفلسطينيين بأن بإمكانهم تفادي الخيارات الصعبة المفروضة على الجانبين، وهذا من شأنه أن يقوض فرص تحقيق سلام فعلي".
"خطوة بالاتجاه الصحيح"
واعتبرت الرئاسة الفلسطينية، أن تصويت البرلمان البريطاني لصالح الاعتراف بالدولة الفلسطينية "خطوة بالاتجاه الصحيح تعزز فرص السلام". وأعرب الناطق باسم الرئاسة نبيل أبو ردينة، في بيان عن التقدير الكبير لهذه الخطوة "وسط الاعتراف الدولي المتزايد بالدولة الفلسطينية، وبعد التصويت التاريخي للجمعية العامة للأمم المتحدة على الاعتراف بدولة فلسطين" في تشرين ثان/ نوفمبر 2012.
وحث أبو ردينة الحكومة البريطانية على سرعة الاعتراف بدولة فلسطين "لأن حل الدولتين هو وفق قرارات الشرعية الدولية".
من جانبها، قالت عضو اللجنة التنفيذية في منظمة التحرير الفلسطينية حنان عشراوي، في بيان باسم السلطة: إن "حقنا في تقرير المصير ليس موضوع تفاوض"، رافضة بذلك ما تقوله إسرائيل بأن الاعتراف بدولة فلسطين يجب أن يتم عبر المفاوضات بين الجانبين.
وتابع البيان: إن "الاعتراف بدولة فلسطين ليس مرتبطاً بمصير المفاوضات مع إسرائيل، ولن يكون موضوع تساوم من جهتنا، ومثل هذا الادعاء ليس فقط غير عادل بل هو غير أخلاقي".
" تصحيح لظلم تاريخي"
من جهته، رحب وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي باعتراف البرلمان البريطاني بدولة فلسطين معتبراً إياه "تصحيحاً للظلم التاريخي" الذي ألحقه وعد بلفور بالفلسطينيين.
وقال المالكي في بيان: "هذا تصحيح الظلم التاريخي الذي أنكر حقوق الشعب الفلسطيني عندما اعتبر أن فلسطين"أرض بلا شعب لشعب بلا أرض" في إشارة إلى وعد وزير الخارجية البريطاني آرثر بلفور عام 1917 الذي تعهد فيه "بإقامة وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين".
واعترفت دول مثل بولندا وبلغاريا بفلسطين في العام 1988 عندما كانتا لا تزالان ضمن الكتلة السوفياتية. وتعترف ما مجمله 134 دولة بفلسطين من بينها البرازيل والأرجنتين.
إجراء رمزي
ولن يؤدي تصويت النواب على هذه المذكرة التي تقدم بها النائب العمالي غراهام موريس إلى أي تغيير على الفور ولا يعدو كونه إجراء رمزياً ليست حكومة ديفيد كاميرون ملزمة التقيد به. وخلال المناقشة، قال الوزير المكلف بالشرق الأوسط توبياس ايلوود: إنه لا يمكن الاعتراف بدولة فلسطين إلا في الوقت المناسب.
وأضاف: إن "تطلعات الشعب الفلسطيني لا يمكن تحقيقها في شكل كامل إلا مع إنهاء الاحتلال (...) ونعتقد أن هذا الأمر سيتم فقط عبر المفاوضات".
وتابع ايلوود: "وحده إنهاء الاحتلال سيضمن أن تصبح دولة فلسطين حقيقة واقعة. وستعترف بريطانيا بدولة فلسطين حين نرى أن هذا الأمر سيساعد في تأمين السلام". وكان متحدث باسم رئاسة الوزراء، أكد الإثنين، أن موقف الحكومة "واضح جداً ولن يتغير" مهما كانت نتيجة عملية التصويت.
والمذكرة التي تقدم بها النائب العمالي غراهام موريس حظيت بدعم العديد من نواب حزب العمال وائتلاف حزبي المحافظين والديموقراطيين الأحرار في الحكم. وأكد الائتلاف، أنه لم يصدر أي تعليمات بينما عارض عدد من النواب العماليين المؤيدين لإسرائيل الأجراء.
"مسؤولية تاريخية ومعنوية"
واعتبر النائب المحافظ الان دنكان وزير الدولة السابق لشؤون التنمية الدولية، أن "بريطانيا لديها مسؤولية تاريخية ومعنوية" بالاعتراف بدولة فلسطين، في إشارة إلى الانتداب البريطاني الذي حكم فلسطين وبلاد ما بين النهرين مطلع القرن الماضي.
وقال الوزير السابق على شبكة سكاي نيوز: "لقد مضى وقت طويل وفلسطين محتلة وسكانها يعيشون حياة بائسة والإسرائيليون يواصلون شيئاً فشيئاً البناء على أراض ليست ملكاً لهم. لقد آن الوقت ليعترف العالم بدولة فلسطين على غرار 134 دولة أمام الأمم المتحدة".
وقال النائب موريس لفرانس برس: إن الاعتراف ولو رمزياً بدولة فلسطين، يمكن أن يحث "دولاً أخرى من الاتحاد الأوروبي" على المضي قدماً في الاتجاه نفسه.
والإثنين الماضي، أكدت وزارة الخارجية الفرنسية مجدداً أنه "سيتعين في وقت ما الاعتراف بدولة فلسطين"، مستعيدة تعبيراً استخدمه وزير الخارجية لوران فابيوس خلال الصيف.
واعتبر موريس أن نتيجة إيجابية للتصويت في البرلمان البريطاني يمكن أن "تشكل ضغطاً كبيراً على الحكومة الحالية والتي ستليها". ومن المفترض أن تشهد بريطانيا انتخاب رئيس وزراء جديد في أيار/مايو 2015.
وتعرضت سياسة كاميرون لانتقادات شديدة خلال الحرب الأخيرة هذا الصيف على قطاع غزة، وحشدت تظاهرات أسبوعية مؤيدة للفلسطينيين عشرات آلاف الأشخاص في لندن.
وفي الخامس من آب/أغسطس، استقالت وزيرة الدولة لشؤون الخارجية سعيدة وارسي من منصبها احتجاجاً على موقف بريطانيا الذي اعتبرت انه "من غير الممكن الدفاع عنه".
كما اعرب عدد من اعضاء حزب العمال عن استيائهم وقال رئيس الحزب ايد ميليباند: ان صمت كاميرون "لا يمكن تبريره" حول مقتل مئات "الفلسطينيين الأبرياء".
وأعلن وقف لإطلاق النار في 26 آب/أغسطس إلا أن عملية السلام عالقة وتبدو الآمال بالتوصل إلى حل للنزاع الفلسطيني الإسرائيلي شبه معدومة.
وقالت وارسي، في مقابلة مع صحيفة "اوبزيرفر" الأحد: إن "المفاوضات أمام حائط مسدود. علينا إيجاد سبيل لإعطاء دفع جديد، والاعتراف بدولة فلسطين هو مثال على ذلك".