اختتم في البحرين نهاية الأسبوع الماضي الملتقى الثاني لصاحبات الأعمال الخليجيات، حيث خرج بعدد من التوصيات المهمة المرتبطة بدعم وتشجيع هذا القطاع الحيوي من المجتمع، خاصة أن الأغلبية الساحقة من أعمال صاحبات الأعمال الخليجيات يصنف ضمن المنشآت الصغيرة والمتوسطة التي تعاني بدورها من تحديات ومشاكل كثيرة.
ويمكن القول إجمالا ان دول الخليج العربية تمتاز بمشاركة واسعة للنساء في الحياة الاقتصادية، حيث تدير بعض السيدات أو يمتلكن شركات ورؤوس أموال يستثمرنها في المنطقة. فقد قدّرت دراسة أجرتها مؤسسة «مايفير لإدارة الثروات» حجم الثروة التي تستثمرها سيدات الأعمال الخليجيات بحوالي 40 مليار دولار في 2012، وهي ظاهرة تمثل امتدادا لتراكم الثروات لدى القطاع الخاص في دول المنطقة.
فعلى سبيل المثال، بلغ حجم ما تملكه سيدات الأعمال في المملكة العربية السعودية 2500 شركة، تشكِّل ما نسبته 3.4% من إجمالي المشاريع المسجَّلة في المملكة، وذلك في مجالات عديدة، وهناك نحو 7000 سجل تجاري بنسبة 20% لمشاريع تجارية نسائية في قطاعات تجارة التجزئة والمقاولات والبيع بالجملة والصناعات التحويلية، وتبلغ مساهمة المرأة السعودية نحو 20% من قوة العمل السعودية.
أما في دولة الإمارات، فقد وصلت النسبة الإجمالية لمشاركة المرأة في القطاع الخاص إلى أكثر من 33% ووصل عدد سيدات الأعمال لحوالي عشرة آلاف سيدة أعمال. ووصل عدد سيدات الأعمال القطريات إلى ما يقرب من 500 سيدة أعمال، يسعين بدأب للبرهنة على قدرتهن على منافسة رجال الأعمال في السوق المحلية القطرية، وبلغ عدد الشركات التي تساهم فيها نحو800 شركة، كما انهن يساهمن بنحو 28% من قوة العمل القطرية.
ومنحت البحرين أول سجل تجاري لامرأة عام 1952 لتصل نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل إلى 44% من إجمالي المواطنين العاملين، ونسبة تملكها للسجلات التجارية إلى 30% من مجموع السجلات وتركزت أهم النشاطات التجارية للمرأة البحرينية في الصناعات التحويلية وتجارة الجملة والتجزئة والفنادق والمطاعم والأنشطة العقارية والمهنية.
تبرز هذه الأرقام بما لا يقبل الشك وجود بنية استثمارية نسائية خليجية جيدة وخصبة. وفي ضوء أن دول التعاون الخليجي في حاجة ماسة إلى تعاون اقتصادي أوسع تستطيع من خلاله الوقوف ضد تيارات العولمة والتكتلات الاقتصادية القائمة، يبرز دور سيدات الأعمال بحضورهن المتنامي على الساحة الاقتصادية، خصوصًا أن هناك تطورًا بالفعل في حركتهن ونموًا متزايدًا ومتنوعًا في كافة المجالات والأنشطة التجارية المختلفة التي اخترقنها، وهو ما يتبين من خلال مجمل اللقاءات والمؤتمرات المحلية والإقليمية والعالمية التي يشاركن فيها إلى جانب بنائهن أسسا مؤسسية لخدمة أغراضهن كمجالس سيدات الأعمال، وكذلك اجتيازهن انتخابات الغرف التجارية.
وعلى ذلك فإنه بالتنسيق وتوحيد الجهود فيما بينهن يمكن أن يحققن ما يطمحن في الوصول إليه وما تطمح في الوصول إليه دول مجلس التعاون. ومن المهم أن تكون ركيزة الانطلاق بالنسبة لهن في ذلك، هي توسيع الأنشطة التي يعملن فيها، خصوصًا والواضح أن أغلب أموال سيدات الأعمال تنحصر في مجالات معينة كالصناعات الخفيفة وتجارة الجملة والتجزئة ومجال العقارات والمطاعم والفنادق على الرغم من أن إمكاناتهن المالية أكبر من ذلك بكثير.
وقد لعبت الحكومات الخليجية دورًا في تمكين سيدات الأعمال وتهيئة المناخ الاستثماري المناسب لهن حتى يخضن المجال الاقتصادي بنوع من الحرية، وكانت البداية عبر الإصلاح التربوي الذي ساعد في خلق السيدات المتعلّمات ممن يتمتعن بدرجة عالية من الكفاءة التي تمكنهن من لعب دورهن الطبيعي، كما تم تدشين قوانين العمل الجديدة التي تسمح لهن بالحصول على الرخص التجارية التي تشجّعهن على استثمار أموالهن وأصولهن في المشاريع الصناعية والتجارية.
ورغم هذه النجاحات المتحققة على أرض الواقع إلا أن سيدات الأعمال الخليجيات مازلن يعانين من صعوبات وعقبات تحول بينهن وبين تحقيق ما يتطلعن إليه من طموحات تمكنهن من المساهمة الفعالة في مسيرة التنمية الاقتصادية في دول التعاون الخليجي، ولعل من أهم هذه العقبات قلة وأحياناً عدم وجودهن بالشكل المأمول في أغلب مجالس إدارات الغرف التجارية وإدماجها بصورة كاملة في هذه المجالس، إذ إن الوجود الحالي لا يتناسب مع حجم أعمالهن وقدراتهن.
ومن الصعوبات القائمة أيضًا أن التشريعات وبيئة العمل الحالية تشجع المشاريع التجارية الضخمة بصورة أكبر من المشاريع التجارية الصغيرة، والتي من الصعب أن تستمر في ظل هذه الظروف الاقتصادية المحيطة، فالتجار الكبار أقوياء يستطيعون الصمود بعكس أصحاب المشاريع الصغيرة.
ولا ينبغي في الوقت ذاته، أن نتجاهل غياب الترابط بين سيدات الأعمال في الدولة الواحدة وسيدات الأعمال في دول العالم الأخرى، وهو أمر ضروري من أجل تبادل الخبرات والاستفادة من التجارب في القطاعات التجارية والاقتصادية، خصوصًا أن سيدات الأعمال الخليجيات حديثات العهد بهذه الأعمال، ناهيك عن قلة الدعم الاقتصادي الموجه من الحكومات إلى مشاريعهن الاقتصادية الصغيرة، الأمر الذي يفرض التنسيق بين الحكومة والبنوك لدعم مشاريعهن، بحيث تخفف البنوك من تشددها تجاه تقديم قروض للمشاريع التجارية الصغيرة أو العمل على انشاء صناديق خاصة لتمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة لسيدات الأعمال.
كما تفتقر سيدات الأعمال الخليجيات الى منظومة عمل موحدة تؤطر لمناقشة هموم وعقبات وخطط المستقبل أمامهن، ما من شأنه أن يساعد المرأة ويعزز من دورها في الحياة الاقتصادية.
ولابد من الإشارة أخيرا إلى أن سيدات الأعمال الخليجيات شأنهن شأن زملائهن من رجال الأعمال في القطاع الخاص الخليجي، الذي يواصل دعواته لوجود شراكة حقيقية مع الحكومات الخليجية في اتخاذ القرار الاقتصادي ورسم مسيرة التنمية الاقتصادية، وتحسين بيئة الاستثمار والأعمال وإيجاد أيدي العمل الوطنية المدربة والكفأة وتخليص أسواق الأعمال من شوائبها ومضارها مثل الروتين والبيروقراطية والمحسوبية، والعمل على تحقيق المزيد من الشفافية وترسيح قواعد الحوكمة في إدارات الشركات التي تساهمن فيها وغيرها من المطالب المعروفة.
الملتقى شهد تمثيلاً من كافة دول مجلس التعاون الخليجي