اتهم الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، ما اعتبره «دعمًا خارجيًا» للعمليات الإرهابية في بلاده، خاصة عقب الحادث الإجرامي الذي وقع الجمعة. ناعيًا في ذات الوقت شهداء الجريمة النكراء، وقال: إن المعركة في سيناء ممتدة، ولن تنتهي في يوم أو شهر أو شهرين.
وفيما بدا الرئيس السيسي وسط مجموعة من كبار القادة العسكريين غاضبًا بشدة، تحدث بلهجة صارمة في كلمة قصيرة بثها التليفزيون المصري، بعد ظهر أمس عن خوض مصر «حرب وجود» داعيًا شعبه أن يكون على قلب رجل واحد، ويعرف أبعاد المؤامرة ضد بلاده، متحديًا جميع محاولات إسقاط الدولة المصرية.
وشدد الرئيس المصري على إعادة الدولة المصرية إلى مكانتها وما هو أكثر، رغم «المعاناة والألم والدم»، وأكد أنه لولا الجهود الأخيرة لأصبحت سيناء «كتلة من الإرهاب»، وفي إشارة غير معلنة لإنشاء منطقة عازلة، على الحدود مع قطاع غزة، كشف السيسي عن عزمه اتخاذ إجراءات صارمة لإنهاء مشكلة المنطقة الحدودية، داعيًا شعبه أن يطمئن تمامًا، بشأن ما سيجري، وقال: «إن الغد سيكون أفضل».
وقدم السيسي التعازي لأهالي الشهداء وللشعب كله في أبنائه الذين سقطوا «من أجل أن تبقى مصر»، واختتم كلمته بترديد: «تحيا مصر» ثلاث مرات.
إعلان حرب وطوارئ
من جهة أخرى وفي خطوة غير مسبوقة هي الأولى في مرحلة ما بعد ثورة 30 يونيو، وتعني «رسميًا» إعلان الحرب على الإرهاب بانتظار إجراءات أخرى في غضون أيام قررت الرئاسة المصرية فرض حالة الطوارئ في محافظة شمال سيناء لثلاثة أشهر عقب الحادث الإجرامي الذي أودى الجمعة بحياة 30 جنديًا وأصاب 29 آخرين في أعنف حوادث الإرهاب التي ضربت البلاد منذ حادث مماثل قبل أكثر من عام. حيث استهدف إرهابيون كمينًا عسكريًا بمنطقة الشيخ زويد بسيارة مفخخة، وقذائف أر بي جيه، أعاد للأذهان حادث الفرافرة المأساوي.
وعقب اجتماع دام لثلاث ساعات واستمر حتى منتصف الليلة قبل الماضية لمجلس الدفاع الوطني برئاسة الرئيس عبدالفتاح السيسي، وحضور رئيس الوزراء، ووزراء الدفاع والداخلية والمالية، ومديري أجهزة المخابرات صدر بيان جمهوري بفرض الطوارئ اعتبارًا من أمس السبت فى المنطقة المحددة: شرقًا من تل رفح مارًا بخط الحدود الدولية وحتى العوجة، وغربًا من غرب العريش وحتى جبل الحلال، وشمالًا من غرب العريش مارًا بساحل البحر وحتى خط الحدود الدولية فى رفح، وجنوبًا من جبل الحلال وحتى العوجة على خط الحدود الدولية لمدة ثلاثة أشهر.
وبينما تعهد المجلس بـ«الثأر للشهداء» نص البيان على حظر التجوال في المنطقة من الخامسة مساءً وحتى السابعة من صباح اليوم التالي مع تولى القوات المسلحة وهيئة الشرطة اتخاذ ما يلزم لمواجهة أخطار الإرهاب وتمويله وحفظ الأمن بالمنطقة وحماية الممتلكات العامة والخاصة وحفظ أرواح المواطنين.
استراتيجيات أخرى
وفي تطور لاحق عقد المجلس الأعلى للقوات المسلحة جلسة طارئة بكامل هيئته برئاسة الرئيس المصري فى ساعة مبكرة من صباح السبت، واستعرض على مدار 4 ساعات تداعيات الإحداث الإرهابية الأخيرة بسيناء.
وفي بيان للمجلس -حصلت (اليوم) على نسخة منه- أعلن التصديق على خطة القوات المسلحة لمجابهة الإرهاب فى سيناء وعلى الاتجاهات الاستراتيجية الأخرى، مجددًا عزمه على «استئصال الإرهاب الغاشم»، وتكليف لجنة من كبار قادة القوات المسلحة لدراسة ملابسات الأحداث الإرهابية الأخيرة بسيناء واستخلاص الدروس المستفادة والتى من شأنها تعزيز جهود مكافحة الإرهاب بكافة صوره فى سائر أنحاء الجمهورية.
تهديد حكومي
من جهته أكد رئيس الوزراء المصري أن حكومته ستتخذ «إجراءات حاسمة في هذه الفترة في مواجهة هذه الحرب القذرة»، وشدّد على أنه «لا مهادنة مع أعداء الأديان وخائني الأوطان»، وأضاف في بيان له: «إن هذه الممارسات الإرهابية الحقيرة» لن توقف استكمال خارطة الطريق التي اختارها جموع الشعب المصري العظيم منهجًا له، وحذر: «سنضرب بيد من حديد، بل سنقطع كل يد تحاول تعطيل مسيرة الوطن وطموحات أبنائه في دولة وطنية تراعي المصالح العليا لأبناء شعبها».
وبينما دعا محلب شعبه «إلى مواصلة الالتفاف خلف قيادته السياسية وجيشه وشرطته، وشحذ الهمم في حربهم ضد الإرهاب، وكل أشكال العنف والتطرف»، أكد «أن التاريخ يدلل على أنه لم يستطع يومًا أن يهزم الإرهاب شعبًا أو يثبط هممه».
حداد وتشييع
وفيما تصاعدت الإدانة الدولية للحادث، قضت مصر ليلة حزينة الجمعة، وأعلنت الحداد الرسمي لثلاثة أيام تصاعد الغضب الشعبي العارم تنديدًا بالجريمة الإرهابية، التي تزامنت مع بدء العام الهجري الجديد، وطالبت قوي سياسية وشعبية بمحاكمة المتورطين أمام محاكم عسكرية لا مدنية.
وشوهدت مروحيات عسكرية وهي تنقل جثامين الشهداء إلى قاعدة مطار ألماظة العسكري -القريب من مكتب (اليوم)- استعدادًا لتشييعهم في مراسم عسكرية حضرها الرئيس المصري وكبار مسؤوليه قبل نقل جثامينهم لمحل إقاماتهم لتشييعهم.
غلق ومطالبات
بالسياق أعلنت القاهرة غلق معبر رفح مع قطاع غزة تمهيدًا لإجراءات عسكرية تزامنت مع معلومات تواترت حتى ساعة مبكرة من صباح أمس باعتماد السلطات المصرية خطوات «تصعيدية» صارمة وأكثر قسوة ضد الإرهاب، وتصاعد مطالبات بإخلاء الشريط الحدودي مع قطاع غزة من المدنيين، وفرض منطقة عازلة تمتد لخمسة كيلو مترات، وإجلاء المدنيين منها لإحكام السيطرة على المنطقة.
ووفق خبير عسكري رفض ذكر اسمه فإن تفكيرًا يجري دراسته بشكل جدي يتلخص في منح مساكن بديلة مؤمنة جيدًا لأهالي الشريط الحدودي بديلة عن مساكنهم الحالية، خاصة بعد تمركز العناصر الإرهابية وسط المدنيين، ما يصعب مهمة استهدافهم.
قصف واستهداف
وميدانيًا بدأت مروحيات عسكرية بقصف مواقع إرهابية محيطة بمكان الحادث، فيما انتشرت عناصر عسكرية وشرطية لضبط المتهمين بالتزامن مع حملة برية موسعة في العريش والشيخ زويّد، تمهيدًا لتطبيق حظر التجوال في المنطقة، ونقلت تقارير صحفية أن طائرات أباتشي حربية تواصل شن غارات جوية على أوكار الإرهابيين جنوب مدينتي رفح والشيخ زويد.
ووفق التقارير فإن الطائرات الحربية تقوم بالتحليق المكثف في نطاق مدينتي الشيخ زويد ورفح، كما تقوم بقصف عدة مواقع خاصة بجماعة «أنصار بيت المقدس»، وأن قوات الأمن تشن هجومًا شرسًا منذ صباح السبت بالتزامن مع بدء عملية عسكرية موسعة لملاحقة التكفيريين والعناصر المسلحة في المناطق الصحراوية المتاخمة لمدن رفح والشيخ زويد وشرق العريش.
تصفية وإصابة
وأيضًا، وفيما أعلن الأمن المصري في ساعة متأخرة من الليلة قبل الماضية تصفية 4 تكفيريين على طريق المطار بسيناء أصيب أمين شرطة صباح السبت برصاص مجهولين أثناء سيره بمنطقة جسر الوادي بقرية عاطف السادات بالعريش، وقالت مصادر أمنية: إن مسلحين أطلقوا النار على أمين شرطة من قوة قسم ثالث العريش ما أسفر عن إصابته بطلق ناري بالساق اليسرى نقل على إثره إلى مستشفى العريش العسكري، وأخطرت النيابة العامة للتحقيق.