كيف يمكن القضاء على عمالة الأطفال؟
أعلن في أوائل هذا الشهر عن فوز كل من كيلاش ساتيارثي وملالا يوسافزي بجائزة نوبل للسلام، اعترافاً بجهودهما في حماية حقوق الطفل. كانت الحملة الشجاعة التي قامت بها يوسافزي لتعليم الإناث في الباكستان هي أكثر ما لفت انتباه العالم، ولكن جهود ساتيارثي لإنهاء عمالة الأطفال مهمة بنفس القدر. فقد عمل الائتلاف الذي شكله تحت اسم ائتلاف جنوب آسيا حول عبودية الأطفال على اكتساح مصانع عبر الهند وحرر أكثر من 40 ألف طفل من الأطفال العمال المحتجزين لسداد ديون أعطيت لذويهم، حيث كان الكثير منهم يعمل ويعيش تحت سيطرة حراس مسلحين. كما شن ساتيارثي حملة لتعزيز القوانين التي تمنع هذه الممارسات وبدأ بحملة عالمية ضد عمالة الأطفال تشمل أكثر من2,000 منظمة مدنية اجتماعية حول العالم. وستقوم جائزة نوبل التي مُنحت له بتسليط الضوء على قضية عمالة الأطفال حول العالم.
ليس من السهل إنهاء عمالة الأطفال في الدول الفقيرة. وفي الحقيقة فإن الموافقة على سن قوانين تمنع أي فرد يتراوح عمره ما بين 14 إلى 16 سنة من العمل يمكن أن تفاقم من المشكلة. وإذا أردنا أن نقلل من مستوى العمال الأطفال بصورة دائمة على مستوى العالم فسيكون لزاماً علينا تزويد الوالدين بموارد بحيث يمكنهم اختيار إبقاء أولادهم بعيدين عن المصانع أو الحقول وإرسالهم بدلاً من ذلك إلى المدرسة.
يقدر مكتب العمل الدولي أنه يوجد حوالي 168 مليون طفل عامل في العالم، وهو ما يشكل طفلاً واحداً يعمل من بين كل 10 أطفال في العالم. وهذا يعني انخفاض الأعداد بمقدار الثلث منذ عام 2000، وهو تقدم مشجع. ولحسن الحظ فإن 4 في المائة فقط من أطفال العمالة هم من العمالة الإجبارية أو المحتجزة لسداد ديون أعطيت لذويهم أو لأغراض الدعارة أو القتال في صراعات مسلحة. أما الغالبية العظمى من الباقين فهم يعملون في الحقول أو البيوت القريبة من بيوت آبائهم.
ولكن هذا لا يعني أن غالبية الأطفال لا يعانون من مشكلة في العمالة. وقد وجد أن الأطفال الذين يعملون في مزرعة العائلة أو في أعمال عائلتهم يعملون في المعدل قرابة 27 ساعة في الأسبوع، والكثير منهم يعملون أكثر من ذلك. يعني قضاء مثل هذا الوقت الطويل في العمل أنه من المستبعد جداً أن يكونوا في هذه الأوقات في المدرسة. وحتى الأطفال الذين يجمعون بين الذهاب للمدرسة والعمل لقاء أجر يشهدون انخفاضاً في تحصيلهم الدراسي، والكثير منهم مستنفذة قواهم لدرجة لا يقوون فيها على الدراسة. كما يمكن أن يكونوا عرضة للمواد الكيميائية والمبيدات الحشرية الخطرة، خاصة أثناء عملهم في المزارع. وتبلغ نسبة الإصابات في عمالة الأطفال في الزراعة 12 في المائة، وهي أعلى من النسبة بين الأطفال الذين يعملون في الصناعة والتي تبلغ 9 في المائة.
وهنا يبرز السؤال حول السبب الذي يدفع الكثير من الأبوين على اتخاذ قرار حاسم بإبقاء أطفالهم في العمل. الغالبية العظمى من الآباء والأمهات لا يرغبون بأن يعمل أطفالهم، ولكن يشعر الأهل الفقراء عادة بأنه ليس لديهم خيار يذكر إذا كان عليهم إبقاء عائلتهم مكتفية من حيث الكساء والغذاء. وقد وجد أن ثلث الأطفال في الاقتصادات الأشد فقراً في العالم، مثل تنزانيا وإثيوبيا، منضمون للعمل. ويمكن مقارنة هذا بالنسبة التي تتراوح ما بين الصفر و5 في المائة في الدول التي يزيد فيها دخل الفرد من الناتج المحلي الإجمالي عن 10,000 دولار في السنة.
يُظهر الاقتصاد المعقد لدخل العائلة كم يسبب مجرد سن قوانين مضادة لعمالة الأطفال بنتائج عكسية. ومن الامثلة على ذلك الأثر الذي تركه سن تشريع في الهند ضد عمالة الأطفال في المصانع في عام 1986 والذي اعتبر في حينه معلماً بارزاً في البلاد. درس الاقتصاديان براشانت برادواج ولي لاكدوالا معدلات عمالة الأطفال والأجور التي يتلقونها قبل وبعد الحظر الذي نُفذ في صناعات مختلفة. فوجدا أن تطبيق القانون كانت نتيجته تخفيض أجور الأطفال وزيادة ساعات العمل التي يعملونها. وكان الأثر الأكبر على العائلات الأشد فقراً. كانت هذه العائلات بحاجة لدخل الطفل، ووجدا أنه كلما قل كسب الطفل في زمن معين، كان عليهم قضاء وقت أطول من ذلك الزمن في العمل. وكانت إحدى النتائج الأخرى هي التحاق عدد أقل من الأطفال في المدرسة، بسبب انشغالهم أكثر في العمل.
إحدى الطرق المجربة لتحسين عملية المقايضة بين المدرسة والعمل التي يواجهها الآباء - هي التخلي عن مال اليوم في مقابل الاستثمار في مستقبل أطفالهم - وتعني دعم العائلات التي ترسل أطفالها إلى المدرسة. وقد أدرج عدد من الدول خططاً لنقل أموال يتم بموجبها الدفع للعائلات التي لها أطفال في المدرسة. ومثال على ذلك البرنامج المكسيكي المسمى أوبورتشينيدادز (برنامج الفرص) الذي يتم بموجبه إعطاء الأمهات مالاً لإبقاء بناتهن الملتحقات بالصف التاسع في المدرسة يعادل ثُلثي ما يمكن أن تكسبه وهي في سوق العمل. وقد عمل هذا البرنامج على تخفيض معدلات عمالة الأطفال بمقدار وصل إلى الربع. ولأن إرسال الأطفال إلى العمل هو خيار صعب بالنسبة لأغلب الآباء والأمهات، فقد كان الدفع النقدي غير المشروط -أو ببساطة إعطاء الفقير مالاً دون طلب شيء في المقابل- سبباً في انخفاض معدلات عمالة الأطفال في كل من مالاوي وجنوب إفريقيا. كما أن تقديم وجبات غذائية مجانية في المدرسة هو طريقة أخرى لزيادة الالتحاق بالمدرسة وتحسين التعلم.
يعتبر قانون عمالة الأطفال في الهند واحداً من الأمثلة المحزنة على كيف يمكن أن يؤدي نظام، وُضع بنية حسنة، إلى نتائج معاكسة. وهذا القانون يكاد لا يكون الوحيد في ذلك، فقد سببت قوانين حماية للعمالة أخرى أحياناً في التقليل من عدد الوظائف المتوفرة لأولئك الذين قصد بحمايتهم، وهو يشبه أنظمة السيطرة على الإيجارات الذي يمكن أن تؤدي إلى زيادة الأجرة التي يدفعها المستأجر في المتوسط. وبالنظر إلى مثل هذه الحالات يمكن القول إن الطريقة الأفضل هي ربما التركيز على مكافأة العمل الجيد من خلال تحويل أموال أو دفع دعم نقدي بدلاً من عقاب الخيارات السيئة أو المؤلمة. وهذا يحتاج إلى أموال لتنفيذه. ولكن وكما بين لنا مثال عمالة الأطفال بشكل كاف ما حدث، فإن البديل لن يكون أيضاً بلا كلفة.