ربما يوافقني الكثيرون في أن هناك حالة تراكمية عامة وشائعة لتورط الأفراد في أقساط وقروض متنوعة تستمر معهم لسنوات طويلة قبل أن يكملوا سدادها أو قد تستغرق العمر بأكمله، وهي أيضا حالة توجد في كثير من المجتمعات الرأسمالية، ولكن السؤال الذي يتبادر الى الذهن: لماذا نستمر في هذه السلسلة المتواصلة من الديون رغم أننا نتمتع بمستوى متقدم من الرفاهية؟ هل لأننا مجتمع استهلاكي بامتياز؟ هل نحن مسرفون ومتطلبون بما يفوق ميزانياتنا ودخولنا؟ هل لا توجد معالجات مهنية واحترافية من المؤسسات المالية لدينا في تطوير وتحسين الوضع المعيشي لشريحة الفقراء ومتوسطي الدخل؟ هل تفتقر الجمعيات الخيرية والمنظمات المدنية للأدوات التي تصنع مجتمع كفاية أكثر وعيا وسدا لثغراته واحتياجاته؟
في الواقع انحاز وأميل لتفسيرين، أولهما الطبيعة الاستهلاكية المفرطة للمجتمع، والثاني سوء أو ضعف دور المؤسسات المالية في تطوير أدوات الانتاج الاجتماعي بما يجعل المجتمع أكثر اعتمادا على نفسه ومنتجا بما يوفر له مطلوباته ويحقق كفايته، وذلك يجعلني اتناول هذا الدور من خلال خبر عن توجه البنك السعودي للتسليف والادخار لربط القروض الاجتماعية الثلاثة (الزواج، والأسرة، والترميم) ببرامج الادخار التي يعمل على صياغتها البنك ضمن الخطة الاستراتيجية العامة الجديدة التي ستتم ترسية مشروعها على إحدى الشركات المتخصصة قريبا، وذلك في خطوة تهدف لتفعيل الفكر الاستثماري لدى المواطنين بدلا من الفكر الاستهلاكي للقروض الاجتماعية حاليا.
وهنا اتمدد بأسئلتي حول الرؤية المتأخرة لتفسير المفسر، فنحن مجتمع استهلاكي بالفعل فماذا كان يفعل البنك طوال هذا الوقت وسلاسل القروض تلتف حول عنق المواطن سواء بجهل منه أو ضغط الحاجة؟ إنه حضور متأخر للبنك نلمسه في تصريح المتحدث الرسمي باسمه أحمد الجبرين بأن البنك يهدف خلال الفترة المقبلة إلى تشجيع الفكر الاستثماري لدى المواطنين في القروض بدلا من الفكر الاستهلاكي، وأشار إلى أن الخطة الاستراتيجية تعمل على عدد من الخطوط العريضة الهامة لعمل البنك، من بينها القروض الاجتماعية الثلاثة، وكشف عن توجه لربطها ببرامج الادخار التي يعمل البنك على إعداد دراسات متخصصة حولها، لتكون أفضل من البرامج الادخارية المطبقة حاليا في بعض الجهات العاملة بالمملكة، وسيكون هناك تعاون كبير مع جهات أخرى لإيجاد برامج ادخارية عن طريقها أيضا.
الفكر الاستهلاكي الذي يدرسه البنك أصبح ممارسة سلوكية في معاش الناس، وكان بالإمكان السيطرة عليه منذ تأسيس البنك ولكن ذلك لم يحدث، ولذلك فإن الخلاصة في هذا السياق تنتهي الى أن الدراسة تحصيل حاصل وجهد نظري لا يمكن أن نتوقع معه تطوير وعي المجتمع في سلوكه الاستهلاكي لأن البنك لم يبادر الى تحسين ذلك السلوك وترك الحبل على الغارب، ولذلك فإن الفكرة الاستهلاكية ترتبط بصورة حاسمة بتواضع أداء المؤسسات المالية، وبينهما نسبة وتناسب، ولن نقطع بأن البنك وغيره من المؤسسات ستكون أضعف من أن تقدم لنا حلولا جذرية لسيطرة القروض على اقتصاديات الأفراد، ولكن الحل يأتي من الأفراد أنفسهم بأن يعيدوا النظر في فكرتهم الاستهلاكية وضبط مطلوباتهم وفقا لأولوياتهم، لأننا بالتجربة أصبحنا على يقين بأن المؤسسات المعنية تأتي متأخرة وقد لا تأتي أبدا في دعم توجهات الأفراد ومساعدتهم في الخروج من أعناق الزجاجات التي يدخلونها.