نظرا لانقطاع التيار الكهربائي المتكرر في الهند، وشوارعها المنهارة، بالإضافة إلى المشاكل في بنيتها التحتية، فإن من المتوقع ألا تكون جذابة في عيني جيناسكول. جيناسكول، نائب الرئيس السابق لمختبرات أبوت، مسؤول عن ضمان سير عمل مصانع المنتجات الغذائية التابعة للشركة بسلاسة في كل أنحاء العالم. لا يستطيع جيناسكول تحمل المفاجآت فيما يتعلق بالكهرباء، والماء والضروريات الأخرى. يقول جون: «يحلم الناس أمثالي بالحصول على بنية تحتية موجودة وجيدة وموثوقة».
مع ذلك، افتتحت مختبرات أبوت للتو أول مصنع لها في الهند، ويقول جيناسكول إنه لم تحدث أية كوابيس حتى الآن. بدأت الشركة بالإنتاج في أكتوبر الماضي من خلال مصنعها برأس مال قدره 75 مليون دولار في منطقة صناعية واقعة في ولاية غوجارات في غرب الهند. ينتج المصنع حليب الأطفال سيميلاك والمكملات الغذائية بيدياشور والتي تعتزم مختبرات أبوت بيعها للطبقة الاجتماعية الهندية المتوسطة النامية. سوف يوظف المصنع حوالي 400 عامل عندما يبدأ التشغيل التام في العام المقبل. بالنسبة للبنية التحتية للهند، لا يعرب جيناسكول عن أية شكاوى. يقول جيناسكول: «كان المسؤولون عن المنطقة الصناعية قادرين على تقديم طاقة جيدة للغاية، وموثوق بها للغاية، وكذلك الماء والغاز الطبيعي والطرق. من الناحية الأساسية، كانت البنية التحتية مناسبة».
يأمل رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي أن يعجب التنفيذيون الآخرون أيضا بسلاسة وسهولة عمليات التصنيع في بلاده. قبل توليه السلطة في نيودلهي، كان مودي رئيس الوزراء في حكومة الولاية في غوجارات، وخلال فترة سلطته التي امتدت 13 عاما هناك قام بجعل الولاية قيادية صناعيا. يستأثر قطاع التصنيع بنسبة 28% من اقتصاد الولاية، مقارنة بنسبة 13% بالنسبة لكامل الهند، ونسبة أقل بقليل من 30% بالنسبة لعملاقة التصنيع، وهي الصين.
في محاولة الهند بناء قاعدة صناعية على الصعيد الوطني، يدعم مودي حملة «صنع في الهند»، التي تم تصميمها لجذب الاستثمارات الأجنبية عن طريق تسليط الضوء على التغييرات الجارية. ذكر مودي في إحدى تغريداته بعد تقديم المبادرة في 25 من سبتمبر: «علينا زيادة التصنيع والتأكد من أن المنافع والعوائد تصل إلى شباب أمتنا». قام مودي حتى الآن بتخفيف القيود المفروضة على الاستثمارات الأجنبية في مشاريع العقارات وبدأ بعملية إصلاح لنظام السكك الحديدية.
قد تحظى حملة رئيس الوزراء بالمزيد من الزخم العام المقبل بفضل تغير حظوظ كل من الهند والصين. سوف ينتعش الاقتصاد الهندي الذي هبط بشكل حاد في عامي 2012 و2013 بنسبة 6.3% العام القادم، جزئيا بسبب ثقة المستثمرين في مودي. مع حلول عام 2016، فإن معدل النمو في الهند البالغ 7.2% سوف يتجاوز معدل النمو في الصين البالغ 7.1% بحسب راجيف مالك، اقتصادي أول في سي ال اس ايه.
قبل وصول مودي بفترة طويلة، كان القادة الهنود يتحدثون حول تعزيز وتطوير التصنيع. على أية حال، قد يؤدي التباطؤ الحاصل في الصين إلى إحداث فرق كبير هذه المرة. أصبحت الصين قوة مصدرة بسبب الكم الهائل من العمال ذوي الأجور المتدنية، ولكن لم يعد الوضع رخيصا جدا للتصنيع هناك. بسبب ارتفاع الحد الأدنى للأجور في الصين بشكل مضاعف، تبحث العديد من الشركات عن بدائل بتكلفة أقل. تعد بلدان جنوب شرق آسيا جذابة كفيتنام وإندونيسيا، ولكنها تفتقر للكم الهائل من العمال المتوافر في الهند. يقول فريدريك نيومان، وهو اقتصادي أول في بنك اتش اس بي سي: «إنها الدولة الوحيدة التي تمتلك المقومات لاستلام المهمة عند تخلي الصين عنها». وماذا عن فيتنام وإندونيسيا؟ يقول فريدريك: «ليست أي منهما كبيرة بما فيه الكفاية لمواجهة الركود، وهذا يُبقي للهند فرصة ذهبية».
يبلغ متوسط تكلفة العمالة للتصنيع كل ساعة في الهند 92 روبية، مقارنة بمبلغ 3.52 دولارا في الصين بحسب مجموعة بوسطن الاستشارية. ولكن أنيل جوبتا، الأستاذ في كلية الأعمال في جامعة ميريلاند، يقول إن الهند لم تقترب بعد لتكون متطابقة مع الصين في استثماراتها في الطرق، والموانئ، وشبكات الطاقة التي تريدها الشركات: «إن البنية التحتية الرديئة تقضي على أية فائدة قد تجنيها الدولة على صعيد اليد العاملة».
يحاول القادة المحليون المتحالفون مع مودي تغيير ذلك. في ماديا براديش، تقوم حكومة الولاية بإنشاء 27 منطقة صناعية وتعد بتحسين البنية التحتية وجعل قوانين العمل وتعليمات امتلاك الأراضي أكثر سهولة وملاءمة للمستثمر. من المهم جدا إصدار قوانين عمل جديدة تسهل عملية توظيف وتسريح الموظفين.
على الصعيد الدبلوماسي، استغل مودي بدهاء الخلاف الحاصل بين الصين واليابان: بعد الاجتماعات الأخيرة مع رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي والرئيس الصيني تشي ينبينج، حصل على التزامات لحوالي 57 مليار دولار كاستثمارات في الهند. تعهدت الصين بمبلغ 20 مليار دولار، وتعهدت اليابان بحوالي 4 تريليونات يَن (35.5 مليار دولار). سوف تستخدم الكثير من هذه المبالغ في بناء ممر صناعي ضخم بين دلهي ومومباي تميزه القطارات السريعة جدا والطرق الرئيسية. يقول جوبتا، الأستاذ في جامعة ميريلاند، إن الهدف هو تحويل المنطقة إلى منطقة مماثلة لمقاطعة جوانجدونج في جنوب الصين التي قامت ببناء مناطق اقتصادية خاصة لتحويل الصين إلى قوة مصدرة. ويقول أيضا إن قادة الهند لديهم الحنكة السياسية ليتحقق هذا الشيء.
أدى ذلك إلى جعل بعض التنفيذيين متحمسين حول الامكانيات المحتملة. يقول أجيت جولابتشاند، مدير شركة هندوستان للإنشاءات: «تمتلك الهند الأرض، وتمتلك الناس، الهند تمتلك كل شيء. فما الذي يحول دون أن تأتيها شركات التصنيع العالمية؟»
شركة فورد موتور هي واحدة من الذين أبدوا التزامهم، والتي تمتلك مصنعا واحدا في الولاية الجنوبية (تاميل نادو) وسوف تفتتح المصنع الثاني بتكلفة مليار دولار في غوجارات في عام 2015. كذلك أعلنت نيديك، صانعة قطع السيارات اليابانية، في شهر يونيو عن خطتها لاستثمار 10 مليارات يَن في مصنع للسيارات في الولاية الشمالية (راجاستان). في نهاية نوفمبر، من المقرر أن تفتتح ياماها موتورز مصنعا بكلفة 244 مليون دولار لإنتاج دراجات نارية بالقرب من تشيناي في تاميل نادو، الاستثمار الذي جذب كلا من «كي واي بي» صانع الأجهزة ممتصة الصدمات والموردين اليابانيين الآخرين. وفي الأول من أكتوبر أعلنت باناسونيك أنها شكلت مشروعاً مشتركا مع «ميندا للصناعات»، وهي شركة لتصنيع قطع غيار السيارات مقرها في دلهي، ومن المقرر أن ينتج المصنع مليوني بطارية للسيارات في السنة، ابتداء من عام 2018.
يقول بابا كالياني، رئيس مجلس إدارة «بهارات فورج»، وهي واحدة من أكبر شركات الهند لتصنيع قطع غيار السيارات. حكومات الولايات المؤيدة للإصلاح، مثل حكومتي ماديا براديش وغوجارات، وكلاهما خاضعان لسيطرة حزب مودي، «سوف تتمكن من اجتذاب أكبر قدر ممكن من الاستثمارات»، كما يقول كالياني.
هناك عدد كبير من الأسباب التي تدعو الشركات إلى أن تأخذ حذرها من الهند. الصين هي الآن الموقع التصنيعي رقم 1 بالنسبة لمجموعة تال، وهي واحدة من أكبر الشركات في العالم لإنتاج القمصان للرجال. وحيث إن الصين أخذت تصبح مكلفة، فإن روجر لي، الرئيس التنفيذي للشركة، يقول إنها ستتوسع في فييتنام. قبل بضع سنوات، درست تال فكرة الانتقال إلى الهند ولكنها في النهاية ألغت الفكرة. يقول روجر: «من الممكن أن تجد في كل مصنع عدداً كبيراً للغاية من اتحادات العمال. وحين يكون لديك هذا العدد الكبير، يصبح من الصعب عليك إدارة المصنع». ومن أجل التصدي لمخاوف الشركات من قوانين اليد العاملة، أعلن مودي في 16 أكتوبر عن إصلاحات من شأنها السماح لصاحب العمل بتقديم تقرير واحد حول الالتزام بخصوص 16 قانونا مختلفا لليد العاملة. مثل هذا التنظيم وترتيب الأوضاع «سوف يساعد إلى حد كبير في تخفيف عبء الالتزام الواقع على عاتق الشركات»، وفقا لما يقوله اتحاد الصناعات الهندية.
مايكروماكس هي أبرز علامة تجارية محلية للهواتف الذكية في الهند، وتأتي في المرتبة الثانية من حيث الحصة السوقية بعد سامسونج. تستفيد الشركة من جذورها الهندية لاجتذاب الزبائن، لكن حين يتعلق الأمر بتجميع هواتفها، فإنها تتطلع إلى المصانع في الصين. إذا أرات شركة مثل مايكروماكس الإنتاج محليا، فإنها سوف تحتاج إلى أن يكون لديها عدد كبير من شركات التوريد القريبة منها. وهذا الوضع موجود في الصين وليس في الهند. يقول سانجاي كابور، رئيس مجلس إدارة مايكروماكس: «نحن بحاجة إلى كاميرات، وشاشات، ولوحات لمس، ومجموعات الرقائق. نحن بحاجة إلى أن تكون هذه الأشياء جميعا قريبة منا. حين يكون بمقدورك بناء النظام البيئي، عندها تصبح حكاية ’صنع في الهند‘ صحيحة بكاملها».