من المرجح أن تستمر القوى التي تدفع الدولار على المدى القصير. من هذه القوى التخفيضات المتعمدة لقيمة كل من اليورو واليَن، وضعف في العملات التي تعتمد على السلع الأساسية، والنمو البطيء في الصين، وتجارة المناقلة (التي تستفيد من الفرق في أسعار الفائدة المختلفة بين البلدان)، وجاذبية الملاذ الآمن للدولار، والمتاعب الاقتصادية في بلدان العالم النامي.
من المرجح أيضا أن يبقى الدولار قويا على المدى الطويل. حتى نضع الأمور في منظورها الصحيح، وصل الدولار إلى الذروة مقابل العملات الرئيسية في عام 1985، ومن ثم هبط بنسبة 52 نقطة مئوية على مدى السنوات الـ 25 التي تلت. سجل الدولار ارتفاعا منذ أغسطس 2011، لكنه تعافى حتى الآن فقط بنسبة 8 نقاط مئوية من ذلك الانخفاض الذي بلغ 52 نقطة مئوية. بالطبع، لا يوجد أي ضمان بأن يستعيد الدولار ذروته التي سجلها في عام 1985، إلا أنه هنالك أسبابا ملموسة تتوقع أن يبقى قويا على المدى الطويل.
تريد الصين أن يكون اليوان عملة عالمية ولكن ليس على حساب السيطرة المتشددة من الحكومة. الاقتراحات السابقة بأن اليورو قد ينافس الدولار حل محلها المخاوف حول ما إذا كان الشمال الألماني ونادي بلدان أوروبا الجنوبية على البحر الأبيض المتوسط يستطيعان البقاء في ظل عملة واحدة. لا توجد سياسة مشتركة في المالية العامة في منطقة اليورو، وليس من المرجح أن تكون هنالك واحدة، آخذين بعين الاعتبار الاختلافات الاقتصادية والثقافية الهائلة في المنطقة. تتخذ الحكومة اليابانية خطوات متواضعة نحو عولمة اليَن، ولكنها أساسا لا تريد أن يصبح اليَن عملة دولية أو عالمية.
يمكن التوقع بأن الدولار القوي قد يخفض النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة الأمريكية عن طريق تشجيع الواردات الأرخص والحد من الصادرات الأكثر كلفة، لكن الآثار الفعلية ضئيلة كالضغوط الانكماشية الناتجة. عندما تقوى العملة، لا يمرر المصدرون التكلفة للمشترين لكنهم يقلصون هامش ربحهم لتجنب فقدان المبيعات.
على العكس من ذلك، لا يحمِل المستوردون كل الارتفاع في العملة على العملاء، وبدلا من ذلك يزيدون من هامش ربحهم. تفسر تلك الإجراءات لماذا يكون تقلب سعر الاستيراد هو فقط حوالي ثلث تقلب العملة.
وبدلا من ذلك، القوة الرئيسية التي تؤثر على الصادرات والواردات هي النمو الاقتصادي. عندما يكون الاقتصاد في طور النمو، يقوم المستهلكون والشركات بشراء المزيد من كل شيء، خاصة المنتجات المستوردة. إن العلاقة بين واردات الولايات المتحدة الأمريكية والدولار ضعيفة، لكن العلاقة بين الواردات والناتج المحلي الإجمالي قوية. تظهر النماذج الإحصائية لشركتنا أن الواردات ترتفع بنسبة 2.8 في المائة لكل زيادة 1 في المائة في الناتج المحلي الإجمالي، ولكنها تنخفض بنسبة فقط 0.1 في المائة لكل 1 في المائة زيادة في الدولار.
ومع ذلك، قد يخفض الدولار المرتفع أرباح الشركات الأمريكية. وحيث إن نسبة 46 في المائة من عائدات الشركات المدرجة على مؤشر ستاندرد أند بورز 500 تأتي من الخارج، يعتبر الدولار المنقذ سلبيا بطريقتين، أولهما: أنه بقدر ما يعزى سبب قوة الدولار إلى الاقتصادات الأجنبية الضعيفة فإن المبيعات الخارجية والأرباح سوف تكون أقل. وثانيهما: أن الايرادات الخارجية تتحول إلى دولارات أقل عندما يكون الدولار قويا. أما الشركات الأمريكية التي لديها ايرادات من الخارج فتشمل ألكوا وفورد وجنرال موتورز وكوكا كولا وماكدونالدز ووول مارت وبروكتر أند جامبل.
بطبيعة الحال، تقوم العديد من الشركات بحماية تعاملاتها الخارجية، لكن حجم الحماية يختلف ولا يتم الكشف عنه عموما. وعلى أية حال، اتخذ المستثمرون مؤخرا نظرة قاتمة لأسهم الشركات الأمريكية الكبرى التي تعتمد بشكل كبير على العمليات الخارجية والصادرات.
في نفس الوقت، يجذب الدولار المرتفع الاستثمارات الأجنبية، وهو ما يعزز النمو الاقتصادي المحلي والعملة الأقوى. يستمر ارتفاع الدولار واستقرار الولايات المتحدة باجتذاب الأجانب الأثرياء إلى أسواق العقارات في مدينة نيويورك وفي أماكن أخرى، حتى مع احتمال الحصول على عوائد منخفضة جدا.
يشجع الدولار المتصاعد الاستثمار من قبل الأجانب في الأصول الأمريكية بسبب مكاسب العملة التي تأتي على رأس ارتفاع العملة المحلية والدخل في الولايات المتحدة. أيضا الأموال الأجنبية المتدفقة إلى سندات الخزانة الأمريكية، بما تتمتع به من جاذبية الملاذ الآمن التي تنافس جابية الدولار، تساعد على إبقاء أسعار الفائدة متدنية لمصلحة الاقتصاد الأمريكي.
من المؤكد أن كل هذا يفترض أن الاستثمارات العقارية واستثمارات المحافظ هي بخلاف ذلك جذابة. إن عملة مرتفعة في خضم سوق هابطة ليس من المرجح أن تجذب العديد من المشترين من الأسهم الأجنبية.
بطبيعة الحال، يتيح الدولار المتصاعد إمكانية جني الأرباح في تجارة العملات. إن إدارة المحافظ التي أتولى إدارتها تشتري الدولار على أساس التوقعات بارتفاع سعره، مقابل التوقعات بانخفاض سعر اليَن واليورو، بالإضافة إلى الجنيه الاسترليني البريطاني وعملات السلع في كندا وأستراليا ونيوزيلندا.
كان الدولار هو العملة الرئيسية للتجارة والاحتياطي منذ الحرب العالمية الثانية، ومن المرجح له أن يبقى كذلك لعدة عقود قادمة. النمو السريع في الاقتصاد وحصة الفرد من الناتج تلقي بثقلها لصالح الدولار. الأسواق المالية الأمريكية واسعة ومليئة بالمال وشفافة، مثلما هي حال الاقتصاد. وعلى الرغم من تراجع الدولار منذ عام 1985، إلا أن مصداقيته لا يستهان بها. ولا يوجد بديل حقيقي للدولار كعملة عالمية.