تخطط الصين لرفع نسبة الغاز الطبيعي فى مصادر الطاقة المستهلكة فيها؛ بسبب التلوث الذي يسببه كثرة استخدام الفحم الحجرى الضار للبيئة. وتأمل الصين ان ترتفع نسبة الغاز الطبيعي فى اجمالى استهلاكها للطاقة الى 10% فى عام 2017م، وان تقلل نسبة الفحم الحجرى الى 65% من حوالي 75%. ويبدو ان الصينين ادركوا مخاطر الاستمرار فى حرق الفحم على صحتهم وعلى اجوائهم وعلى مستقبلهم، ولذلك نجد ان الغاز الطبيعي هو اسرع مصدر للطاقة من حيث النمو فى الصين. ولكن احتياطيات الصين من الغاز الطبيعي التقليدى ضئيلة وتستهلك بسرعة فائقة. وتقدر احتياطيات الصين من الغاز الطبيعي التقليدى بحوالي 3.1 تريليون متر مكعب مقابل 33 تريليوناً لكل من روسيا وايران. ولذلك يتوجب على الصين ان تبدأ باستغلال الاحتياطيات الهائلة من الغازات غير التقليدية.
وللتقليل من حرق الفحم الحجرى، رفعت الصين الكميات التى تستوردها من الغاز الطبيعي المسال ووقعت مؤخراً عقداً طويل الامد بقيمة 400 بليون دولار لاستيراد الغاز من روسيا. وفى نفس الوقت تسعى الصين جاهدة الى اللحاق بالولايات المتحدة فى انتاج الغاز الصخري الذي بات عنصراً رئيسياً فى مصادر الطاقة الامريكية. ويعلم الجميع اثر نهضة الغاز الصخري على اقتصاد الولايات المتحدة التى اصبحت مصدرة للغاز الطبيعي ولسوائل الغاز الطبيعي بفضل تطوير تقنيات الحفر الافقى التى تسهل استخراج الثروات من باطن الصخور.
ولقد استهلكت الصين فى عام 2003م حوالي 34 بليون متر مكعب من الغاز، وارتفع هذا الاستهلاك فى عام 2013م الى حوالي 162 بليون متر مكعب، وهذا يدل ان الاستهلاك الصينى للغاز الطبيعي تضاعف اربع مرات فى عشر سنوات. وهى من ناحية الاستهلاك تأتى فى المركز الثالث عالمياً بعد الولايات المتحدة وروسيا وتتساوى مع ايران. وتتوقع وكالة الطاقة العالمية ان ينمو الاستهلاك الصينى للغاز الطبيعي بحلول 2019م بحوالي 90% ليصل الى 315 بليون متر مكعب. وسيكون نصف هذه الكميات المستهلكة من الانتاج المحلى، والذي سيَنتج جزء كبير منه من الغاز الصخري. واما ادارة معلومات الطاقة الامريكية فتتوقع ان تستهلك الصين حوالي 400 بليون متر مكعب من الغاز الطبيعي فى عام 2020م، وسيكون حوالي 80 بليون متر مكعب من المصادر غير التقليدية.
اذاً لا يوجد دولة فى العالم تضاهي الصين من حيث النمو فى الاستهلاك المحلى للغاز الطبيعي. ولقد تضاعف الانتاج الصينى للغاز الطبيعي ما بين 2003-2013م بحوالي 200% ليصل الى حوالي 70% من الكميات المستهلكة وبذلك تستورد الصين حوالي 30% من حاجتها للغاز الطبيعي اما عن طريق انابيب الغاز الطبيعي او عن طريق ناقلات الغاز الطبيعي المسال. ولقد استوردت الصين فى عام 2013م حوالي 20 بليون متر مكعب من الغاز المسال وحوالي 30 بليون متر مكعب سنوياً من تركمانستان عبر الانابيب. وبذلك تكون الصين قد مدت أنابيب لاستيراد الغاز من تركمانستان وستمد أنابيب اطول واكبر مع روسيا. وسترفع قدرتها على استيراد الغاز المسال من كل انحاء العالم. والجدير بالذكر ان انتاج الغاز الطبيعي فى الصين منوط بشركتين وطنيتين هما بتروتشاينا وتنتج حوالي 75% وسينوبك وتنتج حوالي 15% من انتاج الصين من الغاز الطبيعي والذي معظمه تقليدى.
ويبقى مخزون الصين الهائل من الغاز الصخري مصدر امل لها، فبحسب ادارة معلومات الطاقة الامريكية فإن احتياطيات الصين المثبتة من الغاز الصخري تقارب 36 تريليون متر مكعب اى اكبر من الاحتياطى الروسى من الغاز الطبيعي. وهذا يعنى ان احتياطيات الصين من الغاز الصخري اكثر من ضعف احتياطيات الولايات المتحدة. ولكن تبقى الصين متأخرة عن الولايات المتحدة فى استغلال الموارد الصخرية بحوالي عقد من الزمن، وهى بحاجة لانفاق مليارات من الدولارات للوصول الى الوضع الذي يسمح لها بالنهل من هذه الثروات واللحاق بالولايات المتحدة وبالتقنيات التى اكتسبتها وطورتها امريكا لاستخراج هذه الغازات. ولذلك تم ادراج استغلال هذه الغازات كأولوية للحكومة الصينية، وتأمل شركة سينوبك الصينية أن تتميز بامتلاك التقنيات والشراكات التى تسمح لها بالاستفادة من الصخور الصينية الغنية بالثروات الهيدروكربونية. وتقدر سينوبك كلفة حفر بئر فى الصين بحوالي 10 ملايين دولار مقابل 2.6 مليون دولار كلفة حفر البئر فى الولايات المتحدة. وتقدر المصادر المختصة ان سينوبك ستنتج 6.5 بليون متر مكعب بنهاية 2015م. وفى هذا العام، تم حفر حوالي 400 بئر انتجت حوالي 1.6 بليون متر مكعب من الغاز الصخري. وللمقارنة فإن الولايات المتحدة انتجت حوالي 300 بليون متر مكعب من الغاز الصخري فى عام 2012م بحسب وكالة الطاقة الامريكية.
لا شك ان طفرة الغاز الصخري فى الولايات المتحدة قد غيرت خارطة الطاقة فى امريكا، فلقد وصلت حصة الغاز الصخري من اجمالى الانتاج الامريكي للغاز الطبيعي الى حوالي 40%. ولو استطاعت الصين اطلاق غازها الصخري من عقاله لانخفضت تكاليف الطاقة لصناعتها ولبرزت صناعة الغاز الطبيعي الصينية كأحد اهم مصادر الغاز فى العالم، ولنافست الولايات المتحدة على انتاج الغاز الصخري. ولأجل ذلك، نرى كثيراً من الشركات العالمية تهتم بالصين وترصد وتراقب الثروة الهائلة الكامنة فى اعماقها. وفى هذا الاطار وقعت الشركات الامريكية الكبرى مثل اكسون موبيل وشيفرون وكونكوفيليبس والاوروبية مثل شل وتوتال واينى عقوداً واتفاقيات مع الصين لاستكشاف وانتاج الغاز الصخري الصيني. واما شركات خدمات النفط والغاز الكبرى فى العالم مثل شلمبرجير وهاليبرتون وبيكر هيوز ووذرفورد فهم يمضون قدماً لإيجاد موطئ قدم لهم فى الصين. ولكن رغم كل هذه المميزات الا ان هذه الصناعة ما زالت تسير ببطء شديد فى الصين مقارنة بالفورة الامريكية. ولا شك ان هنالك تحديات كبيرة تواجه الصين لاستغلال الغاز الصخري، ومن اهمها وجود الغاز الصخري فى اماكن عميقة مقارنة بقارة امريكا الشمالية. وهذا ما يرفع كلفة انتاجه بالصين، بالاضافة الى وجود الطين فى اماكن وجود هذا الغاز مما يعيق عمليات فصل واستخراج الغاز الصخري.
ولكن يبقى عدم وجود مصادر مياه وبنى تحتية اهم عوائق استغلال الغاز الصخري. ويوجد فارق أخير وكبير بين الصين وامريكا، ما حصل بأمريكا من نهضة فى صناعة الغاز الصخري بدأت بأيدي الشركات الصغرى، اذ يقدر المختصون وجود حوالي 10000 شركة صغيرة ومتوسطة فى هذا المجال فى امريكا، هذا التنوع الكبير والمنافسة اعطت صناعة الغاز الصخري الامريكي الكثير من المميزات يصعب ان نجد مثلها بالصين، حيث يهيمن على صناعة الغاز شركتان حكوميتان هما سينوبك وبتروتشاينا.