من حيث المبدأ، لا بد من امتلاك رؤية طموحة وهادفة. علما بأن كل رؤية تنطوي على تحديات وفرص. وإذا نظرنا إلى أي رؤية من منظور أنها مجرد مجموعة من التحديات، فإننا سنفشل. لكن إذا نظرنا إلى الفرص التي تختزنها الرؤى، فإننا سنكون في وضع أفضل للتغلب على التحديات المتزايدة التي نواجهها الآن أو في المستقبل القريب والبعيد معا.
لذا لا بد من امتلاك رؤية من عدم وجودها على الإطلاق. تمتلك دولة قطر وامارة أبو ظبي وامارة دبي رؤية حتى عام 2030، ومهما كانت الانتقادات الموجهة على تفاصيل الرؤية، إلا أنهما على الأقل يمتلكان واحدة، أما نحن في المملكة فنحتاج الى رؤية كاملة!!
أين نريد أن نكون بعد عشرين عاما من الآن، وكيف يمكننا تحقيق ذلك؟ إن تلك أسئلة ينبغي توجيهها إلى صناع القرار. لا يمكن لاستراتيجية المملكة أن تعتمد ببساطة على كلمات يرددها كل صانع للسياسة: التنويع الاقتصادي، رفع الإنتاجية والاقتصاد المعرفي. تلك كلمات لطيفة وجميلة، لكن ما الأهداف ومتى سيتم تحقيقها؟؟
طالما كانت هنالك رؤية، نحتاج لصياغة أهداف تكون قابلة للتطبيق ويمكن تحقيقها من خلال التخطيط الفعّال وإعداد الموازنات السليمة. ينبغي على المملكة وكافة أجهزتها من أعلى الهرم أن تعمل نحو تحقيق تلك الأهداف الوطنية، وخاصة الوزارات، حيث إن كل وزارة تحتاج إلى أن تكون لديها أهدافها الخاصة بها مع منحها المرونة المالية والادارية ومن ثم محاسبتها.
نحن نفتقر الى الرقابة على أداء الموظفين في القطاع العام ورقابة أداء المسئولين فضلا عن الافتقار إلى الحركة النشطة الفعّالة. هناك القليل من التنسيق بين الوزارات والمؤسسات وذلك بسبب النقص في التعاون الحقيقي، وهو ما يؤدي إلى تخبطات في العمل والتأخر أو التعثر في المشروعات التنموية المشتركة. لذلك، ظهرت الحاجة إلى إعداد أهداف وزارية وتخطيط دقيق قابل للتحقيق مع تخصيص الموارد اللازمة والمراقبة اللصيقة من ثم المحاسبة الشديدة. لا يوجد أي مؤشرات رئيسية لقياس الأداء، على الأقل حتى كتابة هذه الأسطر. وهنالك غياب لمتابعة أداء الوزارات والمؤسسات الحكومية والهيئات الرقابية.
ولا بد من استحداث إدارات أو مراكز قيادة وسيطرة على مستوى الوزارات بالإضافة إلى إدارة الأزمات وإدارة الأداء. هذه الادارات يكون لها الحصانة الوزارية لتتجاوز البيروقراطية المعتادة باستخدامها التفويض والسلطة التامة بدون سابق موافقة.
ليست هنالك حاجة لإعادة اختراع العجلة، حيث ان معجزة تايوان الاقتصادية تعزى جزئيا إلى مجلس التخطيط الاقتصادي والتنمية، الذي كان جهازه الوظيفي في وقت ما يضم 300 من الموظفين المهنيين وغير المهنيين. من بين الـ 250 موظفا من ذوي المؤهلات الجامعية، هنالك 20 بالمائة من المهندسين و40 بالمائة من الخبراء الاقتصاديين، ومعظم من بقي منهم هم خريجون في المالية العامة والمحاسبة والإحصاء. تشتمل مسؤولياتهم على صياغة خطط تنمية الاقتصاد الكلي لسنة واحدة ولأربع سنوات ولعشر سنوات، وتشمل كذلك تحليل الوضع الحالي للاقتصاد وتقييم مشاريع القطاع العام واسعة النطاق. يتوزع الموظفون على 7 أقسام - التخطيط الكلي، والتخطيط القطاعي، والأبحاث الاقتصادية، والتنمية الحضرية، وتقييم الأداء، والإدارة المالية، وإدارة شؤون الموظفين، بالإضافة إلى إدارة فرعية مختصة بتخطيط القوى العاملة.
في العادة، يتم اتخاذ القرارات والإصلاحات الاقتصادية الصعبة عندما تنشب الأزمات. ومع أن المملكة تمكنت من تلافي الأزمات إلى الآن، إلا أنه ينبغي لنا أن تكون قادرة أيضا على تغيير الاتجاهات عند اللزوم.