كنا قد قرأنا تاريخ ايران والدولة الصفوية والشاهنشاهية، وعلاقات رجال الدين والبازار ببريطانيا، بريطانيا التي احتلت ايران، وكيف أنها ساندت رضا خان وساعدته في اسقاط الأسرة القاجارية، وفي العام 1919 عينت «وفوق الدولة» رئيسا للوزراء، ونصت الاتفاقية على ادارة بريطانيا للشؤون المالية والعسكرية في ايران، ونتيجة الاحتجاجات على هذه الاتفاقية استقال وفوق الدولة، وعينت بديلا عنه ضياء الدين الطابطبائي الذي اتفق مع بريطانيا على احتلال طهران، بمساعدة وزير الدفاع رضا شاه، وسجن رموز الاحتجاج.
بعد ثلاثة أشهر استقال الطابطبائي وحل محله وزير الدفاع رضا شاه رئيسا للحكومة والذي بدوره انقلب على الملك القاجاري معلنا نفسه ملكا على ايران عام 1926، منهيا بذلك عهد الأسرة القاجارية ويبدأ عهد الأسرة البهلوية، وفي العام 1941 أجبر رضاه شاه على التخلي عن السلطة لصالح ابنه محمد رضا شاه واحتلت بريطانيا الجنوب من ايران واحتل الاتحاد السوفيتي شمال ايران، وتم على اثر هذا الانقلاب طرد السفير الألماني، لأن بريطانيا والسوفيت كانا يتوقعان دخول ايران لصالح المانيا في الحرب العالمية الثانية.
وفي العام 1987 شجع الانجليز والامريكان الثورة على محمد رضا بهلوي، بعد لقاءات سرية قام بها ابراهيم يزدي مع وزارة الخارجية الأمريكية وبموافقة الخميني، وقبلها حل رئيس هيئة الأركان الأمريكية ضيفا سريا على طهران وطالب قيادة الجيش عدم التدخل ضد الثورة الإيرانية، وانعقد بعد ذلك بقليل المؤتمر الشهير كوادلوب في منتصف كانون أول عام 1979 وضم رؤساء كل من أمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، والذي تقرر فيه التخلي عن الشاه ودعم الخميني.
يقول يزدي في حواراته ومذكراته، إن أول اتصال بين قيادة الثورة وأمريكا تم عبر الرئيس الفرنسي جيسكار ديستان الذي نقل رسالة واشنطن إلى الخميني ومن ثم بدأت اتصالات وزير الخارجية الأمريكية وتبادل الرسائل بينه وبين الخميني، حيث كنت أقوم (يزدي) بترجمة هذه الرسائل إلى الخميني، وكان الخميني يرد عليها، كما انني كنت أترجم الردود وأسلمها إلى مندوب السفارة الأمريكية في باريس وفي أحد هذه الرسائل المتبادلة أعرب الأمريكيون عن قلقهم حيال احتمال قطع ايران امداداتها النفطية عن أمريكا واجاب الخميني، نحن لن نقطع الامدادات النفطية. ويقول يزدي أيضا: في أواخر عام 1978 اقتنع الأمريكان بان الاصرار على بقاء الشاه أمر لا فائدة منه، ولهذا غيروا مواقفهم.
الملفت للانتباه أن واشنطن ومنذ العام 1977 بدأت تطبيق فكرة رئيس مجلس الأمن القومي الأمريكي زبينغيو برجينسكي القائمة على بناء ستار ديني لمواجهة تمدد الاتحاد السوفيتي والخطر الشيوعي ومنع موسكو من الوصول إلى المياه الدافئة، ولهذا السبب تفاهموا مع الثورة الايرانية منذ البداية ومنحوها امكانية النجاح، لا بل ان صناع القرار في واشنطن وباريس دعموا الخميني الذي طلب من العراق ابعاده إلى باريس، وهناك كانت تجري الترتيبات السياسية الخارجية والداخلية.
وكانت نظرية برجينسكي تفيد بان القوى المحركة للثورة في ايران هم حزب تودة ومجموعة من اليساريين والشيوعيين والساخطين والفقراء، ولمواجهة هذه الثورة لابد من دعم دور رجال الدين وتعزيز التفاهم بينهم ورجال المؤسسة العسكرية، حيث بطش الخميني بقيادات حزب تودة بعد اتفاقه معهم على طرد الشاه، مستخدما الجيش للبطش بهم، وفيما بعد قتل أكثر من 1500 من القيادات العسكرية، وقام الجيش الايراني بمهمة التخلي عن الشاه، وبمهمة قتل قيادات تودة، وبسط السيطرة لقدوم الخميني.
لينتقل الخميني بطائرة فرنسية من باريس إلى طهران، ولعل كتاب «رهينة الخميني» لروبرت دريفوس يكشف جانبا مظلما من «الثورة البائسة» كما جاء في كتاب الدكتور موسى الموسوي. في كتابه «يا شيعة العالم استيقظوا» يورد الموسوي ما فعله حاكم مصر امفسيس بشعبه وحروبه المدمرة مع بلاد النوبة، وانه احرق القاهرة، وسام المصريين العذاب، وفي ذات يوم وجد سنوحي طبيب الفرعون، وجد اخناتون مضرجا بدمائه مقطوعا من خلاف مجدوعا انفه، وبعدما اعانه وحمله إلى المشفى علم ان الفرعون صادر جميع املاك اخناتون ولم يبق له شيئا لا بيتا ولا معشار ما طلب من الذهب والفضة، لا بل قطع اطرافه وكان جسمه قد مزق مزقا.
هذا العذاب كان كفيلا بتوليد شحنات من الكراهية ضد الفرعون في نفس اخناتون، غير أن الكهنة اقنعوا اخناتون بانه أخذ جزاء ما فعل عندما رفض أوامر الالهة، ويضيف سنوحي انه وعندما مات الفرعون وجدت اخناتون يبكيه بكاء مرا، فنظرت إلى قدميه ويديه وانفه المجدوع لتذكيره بما فعله به الفرعون، إلا أن اخناتون قال لم أكن أعلم أن الفرعون كان عادلا ويحب مصر ولم أعرف ذلك إلا من كهنة مصر مؤخرا، فاني ابكيه لاني حملت حقدا في قلبي على إنسان عادل لقد كنت على ضلال كبير ، كان علي أن اقتنع بان نيل الجزاء على يد الالهة هو أفضل من نيله على يد آخرين.
في هذا التقديم يقارن الموسوي ما بين موت الفرعون وموت الخميني وبين المشيعين والجنائزيين، ففي عام 1989 كان هناك 6 ملايين يشيعون الولي الفقيه في بكاء لا يقل عن بكاء اخناتون، ويرى الموسوي ان الفوارق بين المناسبتين ليست سوى فوارق في الزمن والمكان وفي تعداد البشر وأن الفرعون كان كبير الالهة والخميني كبير الفقهاء.. في انتخابات أحمدي نجاد عام 2009 والمشكوك فيها خرج المتظاهرون والمحتجون، لكنهم هذه المرة تجاسروا كثيرا، وحطموا المكانة الكبيرة للخميني ولخامئني في الثقافة الايرانية، مزقت صورهم، وبات رحيم مشائي يزاحم المراجع الكبار في التواصل والامام الغائب، محدثا بذلك ارتباكا كبيرا في البنية الهيراركية لرجال الدين باعتبار ذلك من احتكاراتهم وحدهم، ولأن سنوات نجاد كانت عجافا وايران على قلق بسبب الحصار الاقتصادي، وبسبب هدر ثرواتها على اوراق وتنظيمات خارجية.
ملخص الموضوع ان إيران وهي تحارب داعش مازالت تعمل وفقا لأبجديات مؤتمر كوادلوب، في محاصرة التمدد الروسي، فايران منذ حلف السنتو وهي تقوم بذات المهمة، ولكن اضيف اليها العامل الطائفي لقسمة العالم الاسلامي طائفيا ليسهل على امريكا ادارته، فهي دولة تقوم بوظيفة ترفع لواء الدين لخدمة سياساتها، لكن التقارير الاستخباراتية تفيد بان الفشل الاقتصادي والتضخم سيحدثان اضطرابا في ايران.
* باحث سياسي