يقول المفكر والفيلسوف البريطاني جيمس آلان «انت الآن حيث اوصلتك افكارك وستكون غداً حيث تأخذك افكارك»، تذكرت هذه المقولة وانا اشاهد التحليلات والرؤى المقدمة من المتخصصين وغير المتخصصين بخصوص التوقعات بعجز في الميزانية السعودية للعام القادم، والتي صدرت من جهات عدة على رأسها صندوق النقد الدولي.
وبما ان كافة المعطيات الحالية تشير الى حدوث عجز في الموازنة للعام 2015م، والذي سيقود حتما الى السحب من الاحتياطات الخارجية، فإن من الاجدى لذوي الخبرة وصناع القرار التحرك الفعلي لمواجهة هذه الازمة قبل حدوثها حتى لا تأخذنا افكارنا، كما يقول جيمس، الى مرحلة اصعب. فنحن بحاجة ماسة للانتقال من اسلوب (رد الفعل) عند كل أزمة الى اسلوب الاجراء الوقائي المسبق (proactive) قبل حدوث الازمة.
إننا بحاجة الى ان نتجرد من سطوة التكرار في معالجة مثل هذه الازمات والذهاب الى ما هو ابعد من ذلك، من خلال تأسيس فكر العمل الوقائي المسبق لتحاشي تأثيرات اكبر للازمات وخلق اقتصاد متين مبني على اسس، تقاوم التحديات وتكافح الازمات بمناعة التنويع والمهنية وبالتالي لا نفسد على الاجيال القادمة حاضرهم المبني على قراراتنا اليوم.
إننا بحاجة الى حل جذري للمشكلة الاساسية والتي تتمثل في هيمنة النفط المطلقة على الايرادات، من خلال تنويع مصادر الدخل والاعتماد على القوة البشرية والتكنولوجيا وتطوير الصناعات، وليس الحل المؤقت لمشكلة انخفاض اسعار النفط الى ما دون الثمانين دولارا وهو الرقم المحدد لمعادلة الميزانية المتوقعة حسب تقديرات الاقتصاديين. لكي ننجح يجب ان نؤمن ان هناك مشكلة مزمنة وهناك ازمة مؤقتة ولا يمكن ان يكون العلاج هو ذاته في كلتا الحالتين.
وحيث ان كل البوادر والمعطيات الحالية لا تشير الى حدوث ازمة اقتصادية عالمية حادة، على غرار ما حدث في العام 2008م الا ان الدول المصدرة للنفط ستكون تحت وطأة الانخفاض السريع والحاد لاسعار النفط، والذي يعتبر الركيزة الاساسية لاقتصاديات هذه الدول. فيما سيستمتع المستهلكون بهذا الانخفاض لتنتعش اقتصادياتهم. إذاً، نحن اليوم امام مشكلة محصورة في المنتجين ولا تمس العالم أجمع، ولذلك يجب الا نتوقع ان العالم سيتحرك لانقاذنا، بل انه سيسعد بالنفط الرخيص الذي تتقاذف اسعاره السياسة الى جانب عوامل الاقتصاد.
ان المنطقة ككل وبالاخص دول الخليج العربي تواجة تحديات جوهرية على عدة اصعدة، تطل من نافذة المستقبل وعلى رأسها الحاجة لتوفير وظائف لفئة الشباب والتي تمثل الاغلبية من شرائح المجتمع، وكذلك التعامل مع التحديات السياسية المحيطة التي تعصف بدول مجاورة وكأننا نسبح على برميل بارود. المفرح ان حل مشكلة الاقتصاد سيحل تلقائيا غالبية الاشكاليات الاخرى، ولكن يجب ان يكون ذلك الحل بمهنية عالية من خلال خلق بيئة اقتصادية متينة ترتكز على التنوع في مصادر الدخل لتقليل المخاطر، وكذلك على الاستثمار في الانسان الذي يعتبر الركيزة الاساسية بدلا من الانفاق المفرط على البنيان.
نحن بامس الحاجة الى المبادرات لاستيعاب الشباب وتطوير مراكز الابحاث، لنكون قطاعا صانعا ومنتجا لا مستهلكا والعمل على تعزيز متانة الداخل ليصعب على الخارج الولوج واستغلال مكامن الضعف.
كما أننا بحاجة الى تعزيز الاطر الرقابية ومضاعفة الجهد في ادارة العقود والمشتريات، وتوسيع دائرة الطرح في المناقصات والاستثمار الامثل في الانسان، وبذل كافة الجهود لاستقطاب المستثمر الاجنبي المتخصص في الصناعات التي لا يتواجد لها اثر في اقتصاد المملكة، وتذليل كافة العقابات التي تقود الى احجام ذلك المستثمر عن الدخول الى السوق السعودي.
نحن لدينا كافة عناصر النجاح ولله الحمد وبالاخص أننا لا نعاني في الوقت الحالي من السوس الذي ينخر في الاقتصادات، وهو ارتفاع الدين العام بحكم قوة ومتانة الاقتصاد السعودي نظراً للنمو الاستثنائي على مدار العقد الاخير، ولقد حبانا الله سبحانه وتعالى بثروة يجب ان نحسن استغلالها، عملاً بالقول المأثور إن الثروة تأتي كالسلحفاة وتذهب كالغزال، وعليه فإن التعامل السليم مع هذه الازمات يجب ان يكون قدرا لا خيارا حتى لا تتآكل هذه الاموال دون استفادة مثلى.