قد تكون أصعب تحديات المرحلة المقبلة في التعليم العالي: معالجة سياسة القبول، وإدارة ضعف مخرجات التعليم العام من خلال السنة التحضيرية، باعتبارها سنة ضائعة من عمر طلاب التعليم العالي تديرها شركات غير متخصصة في المعارف الأكاديمية، وبالتالي لا تعمل كما هو مأمول، ولن تعمل وإن أدارتها الجامعات طالما غلب التنظير على التخطيط الواقعي، وتغلب التطوير الزائف على مخرجاتها، واستمرت الفجوة بين التحضير والتخصيص، وأثرت بشكل مباشر على الخريجين وفقدت الجامعات توازنها بين ضعف التعليم العام وضعف التحضيري كمرحلة تجسيرية، واستمرت في استنزاف خطط علاجية دون تقديم حلول مباشرة وجوهرية.
ولأننا ندرك أن معالجة سياسة القبول هي من أهم محاور تطوير أداء السنة التحضيرية، فلا بد من استحداث مسارات جديدة للقبول، تضم (طلاب موهبة، وطلاب ريادة الأعمال والعمل الحر، وطلاب التوظيف المشروط للشركات، والطلاب فئة الباحثين والمبتكرين) ممن يتخبطون في أروقة جامعاتنا ولربما يتسربون للشارع.
ولتكون الأمثلة قريبة على أرض الواقع، فلننظر أولاً لسياسية القبول في الجامعات، والتي ينبغي حسب خطط وزارة التعليم العالي (مشروع آفاق 1450هـ - 2029م)، والذي من المفترض له أن يصل بمعدلات القيد في الجامعات إلى70% (55% في المرحلة الجامعية و15% في كليات المجتمع، بما في ذلك الانتظام والانتساب). على أن تؤهل المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني 25% على الأقل، بينما تستوعب بقية مؤسسات التعليم العالي ومن يتجه من خريجي الثانوية إلى العمل مباشرة بحوالي 5% من إجمالي خريجي التعليم العام، وأن يكون إجمالي الطلبة المقيدين في برامج العلوم والتقنية 40% إلى إجمالي الطلبة المقيدين في التعليم العالي.
ومن الملاحظ أن على وزارة التعليم العالي عبء تلبية التوسع في القبول بالمواءمة مع المتطلبات المستقبلية لإنتاج المعرفة وحاجة سوق العمل وتنمية المجتمع، وزيادة الكفاءة، ومراقبة وتصحيح مسار تطبيق خطة التوسع، أمام ضغط مجتمعي مهول ومتكرر سنوياً.
ملفات تمكين المرأة هي أحد أهم أكبر التحديات المقبلة، لا سيما مع انفتاح المجتمع، وحاجتهن للمساهمة في الاقتصاد الوطني، ويكفي أن نستحضر أن نسب التعليم التقني المهني لرأس المال البشري في العنصر النسائي من خريجي المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني لاجمالي الخريجين يقارب 2400 طالبة فقط، أي ما نسبته 12.4% من إجمالي الخريجين منذ التأسيس، وأقل من ذلك بكثير في إجمالي الخريجات لخريجي الهيئة الملكية في الجبيل وينبع بما نسبته 11.5%. وطالما ذكرنا الضعف فالمشكلة هي ضعف مخرجات القطاع المهني التعليمي في التعليم العالي؛ لأسباب يصعب حصرها في مقال واحد. والحقيقة، أن الطريقة التي تدير بها مؤسسات التعليم العالي هذه الملفات المتقاطعة، تدور بمبادرات خجولة للتطوير، أو عملاقة لكنها نظرية، أو ما زالت في سبات يضر، والكل بحاجة إما للإفاقة أو (للإفاقة).