DAMMAM
الخميس
34°C
weather-icon
الجمعة
icon-weather
34°C
السبت
icon-weather
37°C
الأحد
icon-weather
33°C
الاثنين
icon-weather
34°C
الثلاثاء
icon-weather
36°C

تشغل الأقليات المسلمة مساحة كبيرة ولها مراكزها و مراكز الفتوى

القرارات الفردية تزيد من الخلاف بين الأمة المتعلقة بقضاياهم الكبرى

تشغل الأقليات المسلمة مساحة كبيرة ولها مراكزها و مراكز الفتوى
 تشغل الأقليات المسلمة مساحة كبيرة ولها مراكزها و مراكز الفتوى
أخبار متعلقة
 
في ظل تزايد الحاجة إلى إعادة دراسة كثير من الأحكام الفقهية، والتي يصطدم بها المسلم أثناء ممارسته لحياته اليومية في الخارج، وتعامله مع عادات وتقاليد الشعوب الأخرى، الأمر الذي يؤدي إلى وقوعه في الحرج وعدم قدرته على التعاطي مع الواقع الجديد، والسبب في ذلك - بحسب ادعاء البعض - يعود إلى تكبيل بأحكام فقهية غير محكمة وقطعية الثبوت، من دون مراعاتها للمحيط الذي يعيشون فيه، وبالتالي يتحتم على ذلك إعادة دراسة كثير من الأحكام الفقهية الفرعية من قبل المجامع والهيئات الفقهية، وتبني فقه شرعي يعرف بـ«فقه الأقليات»، ويكثف من الاهتمام به، فهل تدخل مثل هذه الأحكام ضمن إطار فقه الواقع أو فقه المآلات أو ما بات يعرف بـ«فقه المقاصد»، وأيهم أقرب إلى ذلك؟ تساؤلات مطروحة على عدد من الفقهاء والإعلاميين والمثقفين في ظل التحقيق التالي. المجامع لها دور بداية يؤكدّ عميد كلية الشريعة بجامعة نجران الدكتور عابد السفياني، أنّ المجامع الفقهية تقوم بالاهتمام في هذا المجال، وأنّ الفقه الإسلامي يراعي حاجات كثير من المسلمين في مختلف أنحاء العالم، وفقه الأقليات يصب في هذا الجانب، والذي خدم كثيرا من الأقليات الإسلامية في مختلف دول العالم وخصوصاً فيما يتعلق بالمسائل الفقهية الجديدة، والتي قد توقع كثير من المسلمين في حرج خارج بلدانهم الأصلية وتحتاج إلى البت والنظر فيها، مشيراً إلى أنّ المجامع الفقهية قدمت فتاوى وأحكاما فيما يتعلق بفقه العبادات والسلوك والنواحي الاقتصادية والاجتماعية وسائر القضايا الضرورية التي تهم المسلمين هناك، وتدخل ضمن الأحكام العامة، منوهاً إلى أنّ الأحكام الشرعية لها ضوابط معينة من أجل رفع الحرج، ومن المهم أن يكون هناك آراء متجددة في المسائل الفقهية المختلفة، مطالباً في نفس الوقت المراكز والهيئات الإسلامية في الدول غير الإسلامية بضرورة التواصل مع العلماء والفقهاء والمجامع الفقهية للبت والنظر في الأحكام الفقهية، حيث إنّه إذا ما تمّ هذا التواصل فإنّه سيعمل على مراعاة حاجات ومتطلبات الناس الحياتية في الخارج. ويرى السفياني أنّ كثيرا من الأحكام الفقهية التي تصادف الأقليات في الخارج لا بدّ أن ينظر فيها بحسب دلالة المقصد عليها، والتي تدخل ضمن ما يعرف بفقه المقاصد، وأنّ مثل هذا الأمر لا يعرف إلاّ من خلال العلماء والهيئات العلمية والمجامع الفقهية المتخصصة في مثل هذه القضايا، والتي تعقد بشكل دوري الندوات والمؤتمرات واللقاءات المختلفة من أجل النظر في كثير من القضايا الشرعية التي تهم الأقليات الإسلامية ومناقشتها فيما بينهم، لكن من الضروري - بحسب السفياني - أن تتواصل المراكز والهيئات الإسلامية مع علماء الشريعة والمجامع الفقهية الموجودة في العالم الإسلامي لأجل نقل الأحكام الفقهية المستجدة والتي تدخل في الواقع الحياتي للمسلمين هناك، مشيراً إلى أنّ الأحكام الفقهية التي نظرت فيها المجامع وناقشتها كثيرة جداً ولا حصر لها. جانب مهم من جانبه، يعتبر الأستاذ المساعد بقسم أصول الفقه بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الدكتور أكرم أوزيقان، أنّ مثل هذا الأمر مهم لأنّ كثيرا من الأقليات تختلف ظروفهم الزمانية والمكانية عن البلاد الإسلامية الأخرى، مؤكداً أهمية أن يكون هناك جمع من العلماء ينظرون في أوضاع الأقليات وواقعهم الذي يعيشون فيه، ويدرسونه بشكل عميق، ومن ثمّ يصدرون أحكاماً بما يتناسب مع واقعهم، وأن يكون ذلك في المسائل الفرعية الفقهية، أما فيما يتعلق باهتمام المجامع والهيئات الفقهية لتبني «فقه الأقليات»، من أجل إعادة دراسة كثير من الأحكام الفقهية التي يصطدم بها المسلم هناك أثناء ممارسته حياته اليومية، فإنّ أوزيقان لا يرى أنّ هناك اهتماما كافيا بمثل هذا الأمر، معتبراً أنّ القرارات الجماعية في الأحكام الفقهية المتجددة للأقليات أفضل من القرارات الفردية، وينبغي على المجامع الفقهية الاهتمام بهذا الجانب. ويرى أوزيقان أنّ كثيرا من الأحكام الفقهية التي تهم الأقليات في الخارج تدخل ضمن إطار فقه الواقع، والذي يقصد به أهمية أن يقدر الفقهاء والعلماء أوضاع الأقليات وما يتعرضون له، ويدرسون أوضاعهم وطبيعة البلاد التي يعيشون فيها، ومن ثمّ يفتون في الأحكام الفقهية المستجدة والمبنية على الأدلة الشرعية، مضيفاً: إنّ تلك الأحكام تدخل كذلك ضمن فقه النوازل التي لم يسبق للعلماء أن تكلموا فيها، مؤكداً أنّ العلماء والفقهاء لا بدّ أولاً أن يفتوا بالواقع الذي يعيشون فيه، وينزلوا الأحكام الشرعية عليها، وثانياً لا بدّ أن يفتوا ويتكلموا في قضايا جديدة نازلة على المجتمع ولم يسبق للعلماء في السابق أن تكلموا فيها أو أبدوا رأيهم فيها. إشكاليات قائمة من جهته، يرى المفكر الاستراتيجي والباحث الإسلامي الدكتور جاسم سلطان أنّ هذا الأمر يتعلق بثقافة المسلم ووعيه في البيئة التي سوف يذهب إليها من جانب، وجزء آخر يتعلق بالأحكام الشرعية التي اقتبسها وتربى عليها في مجتمعه والتي لا تصلح للبيئة الجديدة التي انتقل إليها، ملمحاً إلى وجود كثير من الرسائل التي تصله متعلقة بمثل هذه الظاهرة والإشكاليات التي يواجهها المسلم في البيئة الجديدة التي انتقل إليها، مرجعاً سبب كثير من هذه الإشكاليات المطروحة إلى أنّ الشخص يذهب وفي ذهنه شحنة من الفتاوى المتعلقة بالطرف الآخر، والتي تدعوه إلى اتخاذ سلوك عدائي أو انسحابي، فربما ينعزل عن المجتمع ويخسر كثيرا من الفوائد التي من المفترض أن يكتسبها من المجتمع الجديد لينقلها إلى مجتمعه، منوهاً إلى أنّ مثل هذا الأمر يتعلق بالإنسان الذي يحمل القيم والمبادئ التي قد اكتسبها من بيئة الفتاوى الشرعية، فتكون عنده في كثير من الأحيان نظرة ضيقة وسلبية. ويهيب سلطان بضرورة الاستفادة من تجارب المجتمعات الشرقية الآسيوية مثل: إندونيسيا وماليزيا والتي تقوم بإصدار الأدلة والنشرات الإرشادية لمواطنيها قبل التوجه إلى أي دولة معينة، حيث تحمل هذه الإرشادات كل ما يحتاجه الشخص عن المجتمع الجديد الذي سوف يعيش فيه، مؤكداً أنّ المجتمعات العربية يذهب مواطنوها ومبعوثوها إلى الخارج وهم متواكلون فقط، وليس بطرق منظمة ومرتبة، حتى يضمن للطالب أو الطالبة كيفية التعامل مع المشكلات ومواجهتها، وطرق التغلب عليها بأفضل الوسائل التي يمكن التعاطي من خلالها مع المجتمع، منوهاً إلى أنّ هناك مشكلة تواجه الفقه الإسلامي فيما يتعلق بالطرف الآخر، والتي تتمثل في قضايا الولاء والبراء تجاه الشعوب غير المسلمة، والمعاهدة مع أهل الذمة، حيث يتم فهمهما من قبل الكثيرين على أنّها علاقة إذلال وأنّ المجتمعات الكافرة هي مجتمعات فاجرة وفاسقة ومعادية للمسلمين، وأن هذه المجتمعات تعدّ عند البعض فتنة للذين آمنوا، مشيراً إلى أنّ مثل هذا الفهم يعود إلى فقه القرنين الخامس والسادس الهجريين، خصوصاً في العلاقة مع أهل الذمة، ويترتب على مثل هذا الفهم أمران، إما أن ينعزل هناك عن العالم الخارجي، وإما أن يذوب وينصهر ويتحلل بشكل كامل مع هذه المجتمعات الجديدة. يجب متابعة المبتعثين أما عميد الدراسات العليا في جامعة الإمام محمد بن سعود سابقًا الدكتور سعود الفنيسان، فإنّه يؤكدّ أنّ السفر للخارج يعدّ لحاجة الإنسان لذاته، ومن هنا فإنّه ينتقل من بيئة لبيئة جديدة مغايرة سواء في طريقة التعامل أو في السلوكيات والعادات وفي طريقة التعليم، ومن أهمها تلك المتعلقة بسلوكه وأخلاقه، ومن هنا فإنّه من المتعين على المسلم في البلاد الأوروبية والخارجية - بحسب الفنيسان - أن يختار الرفقاء والأصدقاء الصالحين، أو أولئك الذين سبقوه من أهل الصلاح والخير وعادوا إلى بلادهم وكانوا ذوي سلوك حسن، وذلك بهدف التعرف على البيئة التي سيقدم إليها ذلك الشخص، مشدداً على أهمية ملازمة الطاعة والمحافظة على الصلوات خصوصاً وأنّه ليس لدى المسلم هناك من يعنيه على أمور دينه، مشدداً في نفس الوقت على أهمية الإقبال على المراكز الإسلامية من قبلهم والتي يلتقي فيها الشباب المسلم والأقليات الإسلامية لتكون بمثابة الحصانة الأخلاقية والسلوكية والثقافية للطالب، محذراً من الدخول في قضايا ومهاترات أخلاقية تخالف الشريعة الإسلامية أو في توجهات سياسية، ومؤكداً أنّه من الواجب على الملحقيات الثقافية بالخارج متابعة مواطنيها في جميع شؤونهم. ويرى الفنيسان أهمية أن يتزود الشخص بالأحكام الفقهية التي تهمه هناك وبما يعرف بفقه الأقليات، إذ انّه من المهم أن ينضم إلى الأقلية المسلمة هناك، ويعرف الأحكام الفقهية المتعلقة بهم، فهي مدونة لدى المجمعات الفقهية ومتداولة في الكتيبات والنشرات، منوهاً إلى أنّه إذا ما اعترضته أو صادفته مستجدات فعليه أن يبادر بسؤال أهل العلم، حيث إنّ وسائل الاتصال باتت متاحة بشكل واسع سواء كانت في الخارج أو داخل بلاده. ويعتبر الفنيسان أنّ الأحكام الفقهية التي تهم المسلمين بالخارج لا شكّ أنها تدخل في إطار فقه الواقع والمتغيرات، والذي هو أصل من الأصول التي تحتاجها المجتمعات، لأنّ الأحكام تتغير بتغير الزمان والمكان، مثل: قضية جمع الصلاة، وأحكام الصيام، والأطعمة من أهل الكتاب والمشركين والذبح الشرعي، وقضايا الاختلاط في التعليم، أو كيفية تعامل المرأة المسلمة مع الرجل الأجنبي هناك، وما هي الحدود الجائزة لها في التعامل مع الآخرين، وعمل المسلم في الأماكن التجارية وغيرها من الأحكام الفقهية التي تهم المسلمين في أمورهم الحياتية هناك. فقه يراعي المبتعثين وعلى الصعيد نفسه، يرى الأستاذ بجامعة الملك سعود الشيخ الدكتور محمد الخضيري أهمية مراعاة فقه إسلامي يناسب تلك الأقليات من قبل المجامع الفقهية والمؤسسات الشرعية التي يجب أن تراعي الفقه المناسب لهؤلاء، لأنّ البيئة التي يعيشون فيها تختلف عن التي عاشوا فيها من قبل، مؤكداً أهمية أن تراعي الأحكام والفتاوى الفقهية الواقع الجديد الذي يعيش فيها المسلمون، مستندة في ذلك إلى الأدلة الشرعية الصحيحة، حيث إنّ تلك الأحكام الفقهية يدخل بعضها ضمن فقه النوازل التي لم يسبق للعلماء أن أشاروا إليه من قبل أو نظروا فيه، والبعض الآخر من فقه الواقع الذي يراعي في ذلك واقع ومتطلبات المجتمع، مشددًا على أنّ مثل هذه القضايا تحتاج إلى أن يستشار فيها العلماء والفقهاء الراسخون في العلم، وينظروا ويبتوا في قضية ما بات يعرف بفقه الأقليات، مستندين في ذلك على الأدلة الشرعية الصحيحة ومراعين في نفس الوقت الواقع الذي ينزلون فيه الحكم الشرعي أو الفتوى. إخضاعهم لدورات تأهيلية وفي سياق متصل، يعتبر المدير العام لقناة اقرأ محمد سلام، أنّ إيجاد أحكام أو فتاوى شرعية جديدة تدخل ضمن تخصص واهتمام الشرعيين، مشيراً إلى أنّ الدين الإسلامي على مدى التاريخ يوجد فيه كثير من الأحكام الشرعية التي تراعي الظروف الزمانية والمكانية، إذ إنّ تطور ظروف الحياة قد دفع بكثير من العلماء والفقهاء إلى إيجاد كثير من الأحكام الشرعية وإعادة دراستها، منوهاً إلى أنّ الظروف الحالية تحتاج إلى أن يراعي أهل العلم ظروف المسلمين الجديدة التي يعيشون فيها، لكن الأهم من ذلك هو إخضاعهم قبل السفر لدورات تأهيلية وندوات إرشادية لا تقل مدتها عن الشهر، فهناك أخطاء وتجاوزات شرعية تحدث نتيجة الجهل بالأحكام الشرعية وعدم معرفتها من قبل الكثير منهم. ويشير سلام إلى وجود كثير من الأحكام الشرعية التي لا تقبل التبديل أو إعادة النظر فيها، وهناك في المقابل أحكام فقهية قابلة للاجتهاد والتغيير والقياس، والدليل على ذلك أنّه وجد بعد عهد الصحابة «رضوان الله عليهم» 4 مذاهب فقهية كانت لكل منها آراء فقهية مختلفة عن الأخرى، ولكن في قضية الثوابت والقطعيات كانوا مجمعين عليها، منوهاً إلى أنّ معظم المشكلات التي يصطدم بها المسلمون في الخارج ويقعون في الحرج فيها هي من الأصول التي لا خلاف عليها، وليست الفروع التي يتسع فيها الخلاف بين الفقهاء والعلماء، ويبقى من الضروري توعية وإرشاد الإنسان المسلم لفترة زمنية كافية في مثل هذا الجانب. الفقه موجود من جانبه، يؤكدّ الداعية والباحث الشرعي الدكتور سعد السبر أنّ الفقه الشرعي موجود منذ 1433 سنة، والدين مكتمل ولسنا بحاجة لفقه جديد، وهذا الأمر المشكلة فيه هي أننا نحتاج لمن لديه فقه شرعي وأصول فقه وتعمق في الألفاظ ودلالاتها، وفهم لأحوال المبتعثين، وينزل القضايا المستجدة لهم على القواعد الأصولية الفقهية، ومعلوم أنّ الفقه ممتلئ برخص للسفر والمسافرين للمبتعثين وغيرهم، ولكنّها بضوابط تحتاج فقيها ينزل نوازلهم على هذه الرخص، منوهاً إلى أنّ المجامع الفقهية من أعظم النعم علينا في عصرنا، بل إنّها تمثل أفضل فترة للتاريخ لتكاملها وتكامل التباحث فيها، وجمع الفقهاء من أكثر البلدان ليدرسوا أي قضية تُطرح عليهم، مشدداً على أنّ من يقول إنّ فتاوى هؤلاء الفقهاء تُكبل الأقليات ولا تراعيهم يؤكدّ أنّ واقع المجامع الفقهية يُخالف ذلك، بل إنّ من أعظم ما يميز المجامع أنّ فتاواهم لا بدّ لصدورها أن يأخذوا قول المختصين من غير الفقهاء في أي مسألة، كالأطباء والمهندسين وغيرهم، مشيراً إلى أنّ الأحكام الفقهية التي تهم الأقليات تدخل ضمن فقه الواقع الذي لا بد فيه من معرفة المآلات قبل إصدار الفتوى، ويستحيل أن يُفتي من لم يفقه واقع السائل والمسألة والمجتمع، كما من المستحيل أن يُفتي من لم يعرف المآل، وهذه أسس في الفتوى ليست موجود عند الكثيرين ممن يسمون أنفسهم «فقهاء ومفتون»، وهم ليس لديهم أي علم بالأصول والقواعد الفقهية والأصولية والدلالات، ولاشك أنّه لا يوجد فتوى مبينة على غير معرفة قصد الشارع، بل يستحيل ذلك؛ لأنّ الشريعة كلها وضعت بقصد إيجاد المنفعة للناس ودفع المضرة، حتى قرر الشاطبي في كتابه «الموافقات» بأنّ دفع المضرة يرجع في الحقيقة لإيجاد المنفعة، وعلى أثر ذلك فإنّ الشريعة كلها وضعت لإيجاد المصلحة للناس في حياتهم ومآلهم. بحاجة لتعامل جديد أما رئيس مبادرة المسلمين والمسلمات النمساويين المهندس طرفه بغجاتي، فيؤكدّ أنّ المسلمين في أوروبا لم يعودوا مبتعثين أو مغتربين يقضون فترة في بلاد الغربة ويعودون بعدها إلى بلادهم، بل أصبحوا جزءا لا يتجزأ من مقومات المجتمع الأوروبي، وبهذا نحتاج إلى إصلاحات جذرية في طريقة النظر إلى الفقه الإسلامي مراعين في الفتوى الشرعية عوامل الزمان والمكان والإنسان، منوهاً إلى أننا لا نحتاج إلى فقه جديد بل إلى تعامل جديد مع الفقه بعيداً عن التعصب المذهبي وعن التشبث بتقاليد موروثة لا علاقة لها بالدين أصلاً، فالمسؤولية كبيرة والانفتاح واجب، فمثلاً جميع أبناء الأتراك والبوسنة وكثير من العرب وغيرهم من أتباع مذهب أبي حنيفة، ومعروف عن الأحناف عدم تقبلهم الجمع بين الصلوات حتى في حالات السفر والمرض والمطر وغيرها، فيؤدي ذلك من ناحية الوقت وقصر المسافة بين الظهر والعصر في الشتاء إلى إضاعة صلاة الفريضة في كثير من الأحوال وخاصة في السفر، ومن هنا يقول يشير بغجاتي: إنّ مشايخ الأحناف بدأوا يفتون بإمكانية الأخذ برخصة الجمع دونما أي حرج، معتمدين بذلك على الأقوال المعتمدة عند المذاهب الأخرى، ومثال آخر وهو موضوع النقاب وتغطية الوجه، فهو من ناحية شرعية موضوع فيه سعة لا يحبذ أن يتشبث البعض به في حين انعدام المبرر، كما هو الحال هنا في أوروبا، منوهاً إلى أنّ من أهم القضايا الفقهية في الخارج تلك المتعلقة بالمرأة وأحكامها وعملها وسفرها إلى غير ذلك. ويضيف بغجاتي قائلاً: «هناك موضوع حساس أيضاً مثلاً، هو ختان الأنثى وما أجمع عليه من ضرر وبعد عن الإسلام، فالحمد لله نرى أنّ الغالبية العظمى من العائلات المسلمة القادمة من البلاد التي ما زالت مجتمعاتها تمارس هذه العادة قد تخلت عن هذه العادة، بل أيضاً قامت بنشاطات لمكافحة هذه العادة في بلادهم الأصلية، وهذا ليس لتأثير غربي عليهم، ولكن من منطلق إسلامي مبني على أقوال العلماء وبعيداً عن موروثات الماضي»، معتقداً بأنّ التحديات الحالية تواجه الجميع أقليات وأغلبيات، فليست المشكلة كامنة في الفقه فقط، بل الأهم هو تعريف جديد وعميق لمقاصد الشريعة السمحة، مؤكداً أنّه عندما نتحدث عن الدين كمقصد أول يجب علينا أن نفهم أيضاً الحرية الدينية والحرية المذهبية واحترام الآخر ولو خالفناه، وعندما نتحدث عن النفس فليس الموضوع فقط هو تحريم قتل النفس التي حرم الله، بل احترام هذه النفس وكرامتها وحريتها، وعندما نتكلم عن العقل فحمايته تكمن في حرية إبداء الرأي والسؤال والتساؤل وحرية الإعلام وحرية المعارضة، وتكافؤ الفرص، وحرية المال، فهو ليس فقط للفرد بل للمجتمعات، وكذلك فيما يتعلق بتوزيع الثروات ومكافحة الرشوة، مشدداً على أنّه عندما نتفهم هذه المواضيع سنجد أنفسنا تلقائياً أمام فقه متجدد وفي نفس الوقت مبني على أسس الشريعة السمحة دونما أي تمييع أو مغالطات تناقض مقاصد هذا الدين.