نحن في حاجة الى التغير للافضل وتلمس مكمن الخلل والتعرف على الآثار العظيمة للعمل الصالح وكيف يقبل وتستجاب الدعوات والتوفيق والبركة والطمأنينة في القلب والنجاح في الحياة
فلا شيء كاليقينِ «فلم يؤتَ أحدٌ قط بعد اليقين أفضل من العافية» رواه أحمد والترمذي وصححه الألباني
أعجبُ- ولا ينقضي عجبي- من تسامقِ مراتب السلف في العبادة، وتسامي درجاتهم في الإيمان، وغرائب أحوالهم في الزهد، ثم لا ألبثُ إلا أن أردد كما كان إمامُ أهل السنة أحمد بن حنبل يردد: أين نحنُ من هؤلاء!!.
وطفقتُ أبحثُ جاهداً عن مكنون دواخلهم، ومصون طواياهم، ومكتوم ضمائرهم، أفتشُ عن (السر) الذي حوته خزائنُ صدورهم فأوصلهم لهذه المقامات الرفيعة لعلّ قلوبنا تصلحُ بما صلحت به قلوبُ هؤلاء العظماء فنصلُ لبعض ما وصلوا إليه من الأحوالِ الإيمانية السامقة وحينما اتفكر في كلام بكر بن عبدالله المزني عن صدِّيق هذه الأمة: «والله ما سبقهم أبوبكر بكثرةِ صلاةٍ ولا صيامٍ ولكن بشيء وقرَ في قلبه»!!.
فيزداد شغف الانسان للتعرف اكثر على ماوقرَ في قلبه- رضي الله عنه- فـفاقَ به الأمة
ثم تقرأ للإمامِ ابن المبارك- رحمه الله- وهو يقول: ما رأيتُ رجلاً ارتفع مثل مالك بن أنس ليس له كثير صلاة ولا صيام إلا أن تكون له «سريرة»!!.
ولما سئل- رحمه الله- عن إبراهيم بن أدهم فقال: له فضل في نفسه، صاحب «سرائر»!!.
ويزداد الحرص على استبثاث «سر» القوم والسعي في استكشاف (مكنونهم)؛ إذ بي أقرأ حديثاً نبوياً كريماً طار به قلبي فرحاً وطفحتْ لأجله روحي سروراً أظهر لي ما كان خافياً، يقولُ النبي صلى الله عليه وسلم: «صلح أول هذه الأمة بالزهد واليقين، ويهلك آخرها بالبخل والأمل» رواه الطبراني وأحمد في الزهد وصححه الألباني.
هذا ما وقرَ في قلب أبي بكر رضي الله عنه، وهذ هو السرُ الذي ارتفع به أمثال مالك وإبراهيم بن أدهم والحسن البصري وأحمد بن حنبل، إنه اليقينُ الذي قال عنه ابن القيم رحمه الله:
(اليقين من الإيمان بمنزلة الروح من الجسد، وفيه تفاضل العارفون، وفيه تنافس المتنافسون، وإليه شمـّر العاملون) فيا ضيعةَ الأعمار في أعمال كثيرة أجهدنا فيها جوارحنا خلتْ من اليقين فقلّ نفعها، وضعف أثرها.
إنّ اليقينَ هو (روحُ) أعمالِ القلوب، وأساسُ عباداتِ البواطن، لذا كان السلفُ يتعلمونه ويحثـــّون على تعلمه يقولُ خالد بن معدان: «تعلموا اليقين كما تتعلمون القرآن حتى تعرفوه فإني أتعلمه» بل إنه يكفر الكبائر؛ يقول شيخُ الإسلام ابن تيمية: «والحسنةُ الواحدةُ قد يقترن بها من الصدق واليقين مايجعلها تكفر الكبائر».
ويعلمنا أبو ذر رضي الله عنه حقيقةً مهمة: ولَمثقالُ ذرةٍ من برٍّ من صاحب تقوى ويقين، أفضل وأرجح وأعظم من أمثال الجبال عبادةً من المغترين».
وينبهنا الإمام الغزالي- رحمه الله- إلى أن قليلاً من اليقين، خيرٌ من كثيرٍ من العمل، يقول ابن تيمية رحمه الله: «بالصبر واليقين تـُنال الإمامة في الدين»، وصدق- رحمه الله- فالصبر يسدُّ منافذَ الشهوات واليقين يسدُّ أبوابَ الشبهات، ومن أغلق هذين البابين استحقّ مرتبة (الإمامة في الدين)
لنراجع اعمالنا وننظر فيما يصيبنا من لواعج الدنيا وقلة السعادة والطمأنينة، وقبل ذلك وبعده لابد من التأكيد على ان: اليقين يصحّحُ توحيدنا فلا توحيدَ إلا به، «منْ لقيت وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله (مستيقناً) بها قلبه فبشره بالجنة) رواه مسلم.