بات واضحا للجميع، أن الإرهاب الذي استفحلت جرائمه مؤخرا، بالبلدان العربية والعالم أجمع، لا يستهدف بلدا بعينه، وإنما يستهدف أولا وبشكل خاص، الأمن والاستقرار في هذه المنطقة .
وقد اتضح أن تمكنه من احتلال مساحات في بعض البلدان العربية، فأدى إلى تفتتها وسقوط كياناتها وفقدانها هوياتها الوطنية .
وليس من شك في أن انهيار الدولة الوطنية في الوطن العربي، من شأنه أن يغرق المنطقة بأسرها، في فوضى عارمة وعدم استقرار ، ويضر بمصالح الناس وأمنهم ومستقبلهم، ويحجب عن المجتمع حقه في التنمية والبناء والتقدم .
وقد ثبت بالدليل أن انهيار الدولة، في السنوات الأربع الأخيرة، في بعض البلدان العربية، قد عاد بمجتمعاتها إلى الخلف، وبعث مجددا الهويات المنقرضة السحيقة، التي تجاوزها التاريخ .
في الأيام الأخيرة، شهدنا تصاعدا غير مسبوق لعمليات الإرهاب، في عدد كبير من البلدان العربية، في العراق وسوريا واليمن ولبنان ومصر وتونس، وطرقت أعمال الإرهاب واحدة من بواباتنا الشمالية في منطقة عرعر ، خسرنا فيها ثلاثة من الشهداء، نحتسبهم عند الله تعالى .
إن هذا التصاعد في أعمال الإرهاب، يطرح أسئلة حول فاعلية الحرب العالمية المعلنة على الإرهاب، لقد بدأت إدارة الرئيس جورج بوش الابن هذه الحرب، إثر حوادث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001، وقد مضى على هذه الحرب ما ينوف على الثلاثة عشر عاما .
وخلال الأشهر الأربعة الأخيرة، تشكل تحالف دولي، للحرب على الإرهاب، اقتصر عمله على الساحتين العراقية والسورية، حيث ينشط تنظيم الدولة الإسلامية، وتحتل مناطق تتجاوز المائة وخمسين ألف كيلومتر من أراضي البلدين .
لكن هذا التنظيم لا يزال يتقدم في كثير من المناطق بالبلدين، وما تم تحريره من الإرهاب لا يتعدى بلدات صغيرة، لا تتمتع بأي أهمية استراتيجية .
لقد مارس تنظيم الدولة "داعش" سياسة الهروب إلى الأمام والعمل بمسميات مختلفة، وتوسعت أنشطته لتشمل بلدانا أخرى، كان آخرها ما حدث في الأيام الأخيرة بالعاصمة الفرنسية باريس، وبلجيكا وليس بعيدا أن تحمل الأيام المقبلة مفاجآت إرهابية أخرى لهذا التنظيم .
إن ذلك يعني أن ليس هناك بين البلدان العربية، من هو في مأمن من مخاطر الإرهاب، وهو يعني أيضا أننا أمام خطر هائل يتهدد أمننا واستقرارنا ومستقبلنا، وأن سياسة الهروب إلى الأمام التي يمارسها الإرهاب، ينبغي أن تواجه بعمل عربي جماعي مشترك، لمحاصرته والقضاء عليه، في مهده، قبل أن يتمكن من ترويع أمن المواطنين، وتهديد أرواحهم وأعراضهم .
لقد تراكمت لدى عدد من البلدان العربية - التي ابتليت بمواجهة الإرهاب لعدة عقود - خبرات طويلة، من شأنها إذا ما تضافرت الجهود، وحسنت النوايا أن تساعد في إلحاق الهزيمة النهائية بالإرهاب . وفي هذا المنعطف الخطير من الحرب على الإرهاب هناك حاجة ملحة لتشكيل خلية عربية مشتركة للتنسيق العربي، وتبادل الخبرات والمعلومات، من أجل تحقيق النصر في هذه الحرب .
ويبقى أن نؤكد أن شرط الانتصار في هذه الحرب، هو النهوض بمستوى العمل العربي المشترك، وتحقيق تضامن حقيقي، وعبور مرحلة الصراعات بين البلدان العربية، كي تسير السفينة إلى بر الأمان، بعيدا عن الرياح والأعاصير ، فذلك هو السبيل لتحقيق الأمن والاستقرار في كل الأرض العربية .