DAMMAM
الخميس
34°C
weather-icon
الجمعة
icon-weather
34°C
السبت
icon-weather
37°C
الأحد
icon-weather
33°C
الاثنين
icon-weather
34°C
الثلاثاء
icon-weather
36°C

حتى لا يلدغنا الحزن مرتين

حتى لا يلدغنا الحزن مرتين

حتى لا يلدغنا الحزن مرتين
أخبار متعلقة
 
نحزن، وفي أحيان كثيرة، ينبغي أن لا نلوم إلا أنفسنا، فهذه الأحزان كان من الممكن أن نتقيها، لكننا لم نفعل. فنحن نتعامل مع الأحزان، كما لو أنها ضربة لازب لا محيد ولا مناص عنها. وليس الأمر كذلك، فهي جزءٌ من أقدار الله التي أراد الله - سبحانه وتعالى - لها أن تكون مرتبطة بالأسباب. لم يرد الله لنا أن نكون سلبيين، وأن يقتصر دورنا على ترقب المصائب بخوف وقلق، ثم إذا ما وقعت كان دورنا ترقب رحيلها بحزنٍ وأسى. ومن كان هذا حاله، توشك أحزانه أن لا تتوقف. للحزن سببه الذي يأتي به، وله سببه الذي يرفعه إذا وقع. فإذا ما نظرنا في حياتنا وتجاربنا السابقة أو تجارب غيرنا، وعين البصيرة والعبرة منّا مفتوحة، فسنفلح في التعرف على هذه الأسباب، وبالتالي سنتجنبها، وهذا يعني أننا سنكون أقلُّ عرضة للأحزان. فالأحزان في حياتنا، لا ينبغي أن تكون علاقتنا بها علاقة الكره فقط، بل والمقاومة أيضاً. كما أننا نعرف أن بمقدور أي إنسان أن يرفع أو على الأقل أن يبعد عن نفسه آفة الفقر أو الجهل أو المرض، وينعم بنقيضها من الثراء والعلم والصحة. فكذلك الحال بالنسبة للحزن والسعادة، فالسعادة ستأتي لمن يتلمس طريقها ويطرق أبوابها. جاء في الأثر: (السعيد من وعظ بغيره). (أخرجه مسلم موقوفاً عن ابن مسعود). بمعنى أنه نظر في غيره نظر المعتبر، فاجتنب ما كان سبباً في هلاكهم فكان بذلك سعيداً. ولا يقتصر ذلك على من نظر في غيره، بل ومن نظر في نفسه نظر المعتبر، وبما مر به من تجارب سابقة في حياته، واتعظ بها، فسيكون بذلك سعيداً فيما يستقبل من عمره. تجاربنا السابقة تعلمنا أن الأخطاء والاخفاقات وحالات الفشل التي مرت بنا في حياتنا ومنينا بها، وكانت سبباً في كثيرٍ من الآلام والجروح، التي ربما بعضها لا يزال مفتوحاً، من غير المنطقي أبداً أن نكرر الوقوع فيها؛ لأن هذا يعني أننا سنجتر ذات الآلام والأحزان من جديد. وكذلك تعلمنا هذه التجارب أن الأشخاص الذين أدنيناهم من أنفسنا يوماً ما، واستغلوا هذا القرب، ليلحقوا بنا ضرراً لا يتمكن منه غيرهم، فكان قربهم بؤساً والماً، من المفترض أن لا نلوم إلا أنفسنا، إذا سمحنا لهم بالدخول إلى حياتنا مرة أخرى. أفهم أن يصيبنا الحزن، ما لا يُفهم، أن يلدغنا ذات الحزن مرتين. وهذا ما لا ينبغي أن يقع فيه المؤمن، فقد حذره النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك: (لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين). تجاربنا السابقة تعلمنا أن البكاء على اللبن المسكوب لا يفيد شيئاً، وأن البكاء على ما فرطنا فيه من فرص كان بإمكان حياتنا أن تكون أفضل لو استثمرناها - كأن نتحسر على تعليمٍ لم نكمله، أو وظيفة لم نحصل عليها، أو مال لم نجنه، أو غير ذلك - لا يفيد شيئاً في تحسين واقعنا، وإنما نزداد بهذا التحسر ألماً وحزناً. وانشغالنا بتذكر الماضي والبكاء عليه، يجعلنا مهيئين لأن نبكي مرة أخرى، في قادم أيامنا؛ لأنه من الواضح جداً أننا لم نتعلم. ففرص مستقبلنا القادم عشناها ونحن نبكي على ما أضعناه، فضاعت هي الأخرى. تعاملنا مع ما ضاع من فرص، كما لو كانت هي الفرص الوحيدة في حياتنا ولن يكون غيرها، ويا ليتنا إذ اصررنا أن نجعلها الوحيدة، جعلناها الوحيدة التي ضاعت، بدل أن نعتقد أنها الوحيدة التي وجدت. الإسلام لا يريد لنا أن نكون أسرى أحزان الماضي؛ ولذلك جاء التوجيه بعدم البكاء على ما مضى والوقوف عنده، بل يستقبل الواحد منا حياته بعد ما يصيبه ما يحزنه كأنما حياته بدت للتو (إذا أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كذا لكان كذا وكذا، ولكن قل قدّر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان). رواه مسلم. تجاربنا السابقة تعلمنا أن لا نُفرِط في الحزن والألم؛ لأنه ولا بد زائلٌ وذاهب (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا). كم من الهموم والأحزان أصابتنا وضاقت الدنيا بنا، حتى كان الموت وقتها أحب إلينا من تجرع غصص الهم ومراراته؟! أين هي الآن؟! ذهبت ورحلت وتركت خلفها أثراً في الذاكرة، كجرحٍ زال وجعه وألمه وبقي أثره. كل ذلك من المفترض أن يجعلنا نحافظ على توازننا وهدوئنا أثناء نزول الهموم بنا، ونذكر النفس بأنه سيلحق بغيره وليس له بقاء، وأن المسألة مسألة وقت ليس أكثر. نحن إذا ما قررنا أن نعيش حياتنا وعين البصيرة منا مفتوحة، فلن يزيدنا مرور الأيام إلا بهجة وسروراً، وسيكون ما نستقبل من حياتنا أفضل مما نستدبر.