وتتوالى كلمات الرثاء والدعاء والأمل في غد مشرق أسس له الراحل الذي أحبه الجميع وها هم مثقفو المملكة والعالم العربي يملأون بكلماتهم الحزينة مواقع التواصل الاجتماعي دون توقف. كان الجميع يحبه ويقدره وها هم يدعون له بالرحمة والمغفرة.
الإصلاح والانفتاح
في البداية يقول الشاعر جاسم الصحيح: أرفع أحرَّ التعازي إلى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وإلى الأسرة المالكة والشعب السعودي في رحيل الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود - رحمه الله تعالى -.
لم يكن المَلك عبدالله بن عبدالعزيز عنوانا لوطنه فقط، وإنما كان عنوانا للعالم في كلِّ طريقٍ يقود إلى منجزات الخير، ويدلُّ على معاني الحبِّ والسلام. قضى عشرة أعوام على عرش الحكم وسوف يبقى ما بقيَ الدهر على عرش القلوب من فرط ما تولَّع به شعبه، وتألَّق به تاريخه، وتفتَّحت به مرحلته حتَّى اختصرت عشرات المراحل.
لا شكَّ أنَّ مآثر الملك عبدالله بن عبدالعزيز جمَّة، ولا يمكن أن نختزلها في مقال مهما كبرت مساحته، خصوصا أنَّ كلَّ هذه المآثر تصبُّ في متن الحقيقة الوطنية وليس في هامشها. لذلك، سأكتفي بالوقوف على صعيدٍ واحد من بين الصُّعُدِ العديدة الممتدّة على مساحةِ منجزات الملك عبدالله، وهو علاقته بالحضارة.
كان الملك عبدالله يرفع في كلِّ يومٍ منارةً جديدةً تضاف إلى منائر هذا الوطن، ويؤذِّن في التاريخ بأنَّ إقامة الحضارة على الأرض هي ذاتها إقامة الصلاة عليها. وكانت الحضارة تطلُّ شاهقةً على صهوةِ الحياة.
ويضيف: إذا كان بوسعنا أن نضع عنوانا لعلاقة الملك عبدالله بن عبدالعزيز بالحضارة، فإنَّ العنوان الأدقَّ توصيفا لهذه العلاقة هو (الإصلاح والانفتاح على الآخر). والحديث عن الآخر هنا يبدأ من الداخل ويتَّسع حتى يشمل العالم كله. أعتقد أنّ الشوط الذي قطعه الملك عبدالله في هذا المضمار وصل إلى مرحلة متقدمة من الطريق بحيث يستحيل الرجوع إلى الوراء.
في الداخل، يتمثَّل (الآخر) بالأطياف المتعدِّدة التي توحَّدت تحت مظلَّةِ المنجز الكبير المتمثِّل في الحوار الوطني، الذي جمع على طاولته أبناء الوطن الواحد تحت سقف الوطن الواحد، وحاول أن يناقش قضاياهم بكامل الحريَّة.
أما في الخارج فيتمثَّل (الآخرُ) في الحضارات الأخرى وإعادة صياغة العلاقات معها على أسس إنسانية صرفة، إذ قام الملك عبدالله - رحمه الله - بإعادةِ صياغةٍ لعلاقاتنا الوطنية وعلاقات العالم الإسلامي مع بقيَّة أقطار العالم، وأطلق البرامج المختلفة في بناء هذه العلاقات مثل (برنامج الملك عبدالله للابتعاث الخارجي)، وإقامة (حوار الأديان) الذي نظَّمته الأمم المتحدة تحت رعايته. وتشييد (جامعة الملك عبدالله العالمية للعلوم والتقنية)، وإقامة (مسابقة الترجمة الدولية)، وغير ذلك من مشاريع كونية تستقطب الاهتمام العالمي وتعكس إيمان الملك عبدالله - رحمه الله - بالانفتاح على العالم انفتاحا إيجابيا.
سوار حب حقيقي
الشاعر جاسم عساكر في مشاركته يقول: رحيل كرحيلك يحتاج إلى نبرة أعلى شجناً من صوتي. حيث تضيق بمثل رحيلك كل الحناجر وتختنق النايات وتنسى الأصابع مهنتها في ابتكار العزف.
ـ تتحدث عمن؟؟
ـ عن البدويّ ذي الفطرة البكر المتوائم بالطبيعة الحالمة التي لم يلوثها الدخان.
ـ من ؟
ـ صاحب العصا التي يتوكؤها، فتنبت في كل موقع تمرُّ به خميلة إنجاز تفوح بعطر الوفاء لهذه الأرض، وأريج عطاء ينتشر في كل الأرجاء.
ـ من؟
ـ الذي إذا طوّح أو لوّح بتلك العصا ينهض الوطن ويهب الورد، فتزهر حضارة ويعلو شموخ.
ـ من؟!!
- ذو (السابعة والثمانين) رحل وهو لم يلامس أهداب الكهولة، حيث كانت هذه الأعوام تتفتح سنابل من الأحلام على أفق حياته وحياتنا معه.
وكأطفال صغار نفيق نحن صباحا فزعين على أخبار موت الأب، فنروح نحلم أن ننسج له من أهدابنا التي تترقب عودته عباءة لا تليق إلا بأكتافه؛ مكافأة للمرات العديدة التي ربت فيها على أكتافنا وأهدانا خبز الأمان وطبق الاطمئنان.
ها نحن عدنا و(عبدالله) لم يعد ليطمئن على غراسه التي أثمرت حبا وكرما ولطفا في نفوس أبنائه.
يا (عبدالله) أنت لست اسما نهتف به في ساحة مهرجان ونطلقه في أفق حفل حزين لرثائك، ولسنا هنا لنخط رقاع التعازي أو لنقيم نصبا تذكاريا لعظيم مثلك، إنما أنت سوار حب حقيقي حول معاصم أعمارنا. ويضيف: ولكن حتماً سأحدثهم عن رجل متواضع بشموخ الفارس العربي المسلم الشهم، كان هنا حارساً لأفراح اليتامى باعثاً نشيد المسرة مع النسيم إلى أعلى شرفات الفقراء. وينهي قائلا: رحمك الله يا عبدالله بن عبدالعزيز، فمثلك، مثلك فقط من إذا هبت رياح الخريف وانتزعته من القلب فإنها تزرعه شجرة وجع في الذاكرة. إن القلب لمكلوم
وتقول التشكيلية علا حجازي بعفوية وحزن:
إحساس مؤلم، لم أحب في حياتي ملكا كما أحببتك. كنت أبا إنسانا رحيما رؤوفا مع الجميع. وإن القلب لمكلوم، وإن العين لتبكيك يا مليكنا الراحل عبدالله.. «إنا لله وإنا إليه راجعون».
اللهم اغفر لعبدك عبدالله بن عبدالعزيز وأدخله جنة الفردوس، إنه كان يحب شعبه كثيرا، وكان شعبه يحبه كثيرا، وكنا في عهده نعيش في أمن ورخاء. الرخاء والعدل والأمن ويكتب الاديب عواض شاهر العصيمي على صفحته في "فيس بوك": رحم الله الملك عبدالله.. رحل والفوضى المجنونة تعصف باليمن، والعراق تحتله إيران، وسوريا تتفتت.. وإيران تفغر فاها باتجاه الخليج، وتسعى ليلاً ونهاراً لإحداث زعزعة عارمة في المنطقة.. مات الملك عبدالله والمنطقة والعرب أجمعون، في أمس الحاجة إلى قائد قوي مثله في عروبته وحكمته رغم المتاعب الصحية التي عانى منها في سنواته الأخيرة.
رحمه الله وغفر له وأعان الملك سلمان على القيام بمهامه على الوجه الذي يعود على الشعب والوطن بالنفع والخير والإصلاح، ولدينا أمل كبير في أن يستكمل مسيرة الإصلاح التي دشنها الملك عبدالله - رحمه الله -، وأن يتجه الوطن في عهده إلى آفاق واسعة وحيوية من الرخاء والعدل والأمن ومحاربة الفساد وضرب الإرهاب وتجنيب البلاد شر التطرف الأعمى. عزاؤنا لخادم الحرمين القاص عبدالجليل الحافظ يقول: يا ترى ماذا يقول الابن في أبيه... ويا ترى ما حاله وهو يستقبل خبر فاجعته به... ويرحل ملك القلوب والإنسانية الملك عبدالله، حمل هموم أمته في قلبه، وحمل عنفوان الوطن بساعديه، فهو بحق وضع في مملكتنا أسس نهضة جديدة في شتى المجالات. ليس ابتداء بالنهضة العلمية وتأسيس برنامج الملك عبدالله للابتعاث العلمي والتوسع في افتتاح الجامعات.. وكذلك اهتمامه بالشباب ورعايتهم وبناؤه مدنا رياضية عديدة. وأخص هنا بالذكر محافظة الأحساء والتي سيكون فيها قرابة خمس مدن رياضية. كذلك لا أنسى أمره بتأسيس نادي الأحساء الأدبي والذي هو النادي الوحيد الذي أسس بأمر ملكي، وكذلك اهتمامه بالأنشطة الثقافية ورعايته مؤتمرات الأدباء السعوديين ودعمه الأندية الأدبية. لو أردنا ان نسطر إنجازات هذا الرجل العظيم لما استطعنا أن تعدد أفعاله ومكارمه. ولا أستطيع أن أقول في الأخير ودمعي يغرق العينين، إلا أن أقول رحل من كان يحتذي في أخلاقه وسلوكه بديننا الحنيف.
وعزاؤنا لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، الذي كان عضده ورفيق دربه، وفي ولي العهد الأمين صاحب السمو الملكي الأمير مقرن بن عبدالعزيز، الذي كان ثقة الملك عبدالله بن عبدالعزيز - رحمه الله - ومستشاره الخاص.. وفي القيادة الحكيمة لبلادنا - حفظها الله - من كل سوء.
الملك عبدالله يرعى احدى حفلات العرضة
الملك عبدالله يستقبل الفائزين بجائزة الترجمة عام 1429هـ