عندما تتحدث عن إنجازات الملك عبدالله، تبدأ استعراضها بذهنك، ثم تأتي تباعا كانفجارات ضوئية كما في محفل المصورين الصحفيين حين تبرق وتلمع تباعا الفلاشات من الكاميرات.
ثم تقرر أن يهدأ دماغك، فتفكر بشيء جامع ما أمكنك لاحتواء صفات هذا الراحل العظيم، هنا لابد من اللجوء والاستناد إلى ما يقوله علم النفس .. وتقع على أمر يريحك وهو اصطلاح "مفتاح الشخصية".
متى ما ملكت هذا المفتاح لتفتح القفل الكبير في الباب الكبير فسينفتح لك وأمامك بعض أسرار شخصية هذا الزعيم الذي كان ينظر له العالم كافة، ولقد كان أستاذنا الكبير عباس محمود العقاد من المحلقين المبدعين في استخدام "المفاتيح الشخصية" للحديث عن شخصيات الإسلام التاريخية الكبيرة، وكانت تلك المفاتيح هي أسُّ وارتكاز دخوله لكل شخصيةٍ تناولها في سلسلة عبقرياته الشهيرة.
بما أراه من متابعتي لشخصية الملك عبدالله - يرحمه الله - أجد أن مفتاح شخصيته "الحلم والطموح والعزم الذي لا يلين لتحقيق ذاك الطموح وذاك الحلم..".
أريد لفت النظر لشيءٍ مهم جدا، ربما يعتقد بعضٌ الناس أن صاحب القوة والسلطة من السهل عليه اتخاذ القرارات الكبرى التي نقلتنا من مقام لمقام آخر وأعلى، وهذا البتة غير صحيح.
عندما اتخذ الملك عبدالله قراراته الكبرى في ابتعاث البنات والشباب، وقراراته في إشراك النساء في مجلس الشورى، وغيرها من القرارات التي كانت تحتاج لشجاعة وجسارة والتزام وصرامة، لم تكن أبدا سهلة. إنها كشق الطرق الجبلية، حيث نجد الطريق سالكا حريريا، ولو رجعنا لقصة شقه وتمهيده لوقعنا على واحد من مشاهد التراجيديا الإنسانية الكبرى فيها عناصر الدم والدموع والجهد والأمل والرجاء في ضخ الصخور وتكسير الأحجار ، ولفح الشمس، وزمهرير البرد، لنأتي - أنت وأنا - بعد كل هذه المشاهد الدرامية وننعم بطريق سهل ممتع.
هذا ما كان من قرارات الملك عبدالله، لم تكن سهلة لأن المسألة فوق السلطة، فهناك مسائل شرعية وكان لابد للملك عبدالله أن يكون عالما بها بحصيلته المعرفية الشرعية ليحاور فيها العلماء الشرعيين لأخذ موافقتهم فهو من أول من يتحذر الخروج عن نطاق أي نص ومحذور شرعي.
ثم هناك أمر صعب آخر وهو مواجهة الذائقة الاجتماعية العامة التي هي حصيلة العادات والتقاليد والأعراف متجنبا بحذق المواجهة والمصادمة، ثم وضع خطط التنفيذ ووضع الميزانيات الضخمة، وأيضاً معالجة تبعات هذه القرارات. ورزق الله الملك عبدالله مواهب خلقية ساعدت في توظيف طموحه وأحلامه وتنفيذها على الواقع وهي الجمالية الشخصية "الكاريزما" ومنَّ الله عليه بكميات وافرة منها، هذه الجمالية والقبول الكبير ما ساهم في فتح قلوب من يحاورهم ليس لفرض الاقناع. بل حتى تتقبل قلوب من يحاورهم الرأي بسهولة فيعالجونها بعقولهم بسهولة ويخرجون بالنتائج بسهولة، من لا يتمتع بالقبول والجمالية الشخصية ينشأ عادة سدٌ بينه وبين محاوره فلا تمر الآراء من الجهتين.
لذا ترون الآن الأمور تمر سلسة من الجامعات الى أكبر برنامج ابتعاث في التاريخ لأمة قياسا بعدد السكان، لدور النساء الكبير في ميادين كثيرة أوصلهن لمجلس الشورى. ونأمل - بإذن الله - أن تستمر هذه المشاريع التطويرية سهلة ميسرة.
ولم يكن هذا ممكنا - لولا فضل الله - ثم ملك عظيم أراد أن يقدم لأمته الاستدامة المستقبلية وهو يعلم مسبقا أن دونه خرط القتاد، لأنه سيشق دروبا صعبة.
عاهلٌ تكتب عنه الديلي تايم البريطانية : "قبر بسيط، نام براحةٍ فيه واحدٌ من أعظم رجال العالم تأثيرا".. وهذه المرة صدقوا.