يقال ان الأرقام لا تكذب بل اننا اذا اردنا ان نُؤكد صدق كَلامنا و نُعززه ليتقبله المستمع وهو مطمئنٌ لصدقه فإننا نستخدمُ لغة الارقام فالكثير منا تُؤثر فيه لغة الارقام اكثر من الكلمات و في مجتمعات الدول المتقدمة تجدهم يحتكِمون الى الارقام عند الاختلاف في اي شيء فالارقام هي القولُ الفصل ولها الكلمةُ الاخيرة، فلذلك تحرص الدول على اصدار احصائيات دورية رقمية عن جميع اوجه الحياة، فكل شيء يتم تحويله الى ارقام ولعل من اهم الأسباب التي تجعلنا نحتكمُ الى الأرقام هي اننا نستطيع ان نُقارن ارقامنا بأرقام دول أخرى لنقيسَ مدى تقدُمنا وإنجازِنا او مدى تأخرِنا وتعثرِنا في اي مجال.
الأرقام التي سأسوقها لكم معظمها مُستقاة من مصلحة الاحصاءات العامة والمعلومات في المملكة العربية السعودية، اي انها من مصدر رسمي وموثوق وتعطي دلالة واضحة لما اريد الوصول اليه مع ان قناعتي الشخصية تقول "ان الارقام هي ليست كل شيء" واضرب مثالا بسيطا على ذلك وهو:
ماذا يعني ارتفاع عدد المراجعين للمراكز الصحية اذا كان عدد من المراجعين يعودون بخفي حنين من مراجعتهم حيث لايجدون الدواء او لا يجدون العلاج لدى الطبيب في المركز الصحي؟؟ اذن العبرة ليست في الكم (وان كان الكم مهما) بل في الكيف وهو الاهم في نظري، لكن دعونا نعد لأرقامنا ونقول ان الحمد لله اولاً واخيراً فلقد بلغ عدد سكان المملكة العربية السعودية في عام 1433 الهجري 29,195895 نسمة وان نسبة الزيادة منذ عام 1425 هي 3.19% لكن الزيادة الرئيسة هي في نسبة غير السعوديين التي بلغت 5.61% بينما السعوديون مظلومون فنسبة زيادتهم هي 2.21% فقط ويعزز نسبة هذه الزيادة الضئيلة وبشكل لافت للنظر اذا عرفنا ان معدل المواليد (لكل 1,000 نسمة) في المملكة العربية السعودية لعام 1433 الهجري هو (22,5) وهذا الرقم اقل من المعدل الاقليمي (31,4)، واقل من الرقم العالمي (24,3) وهذا النقص في عدد مواليدنا هو خلافٌ للعرف السائد وخلاف لما يتناقله الناس عن معدل الخصوبة الكلي في السعودية والذي يظن البعض انه مرتفع وهو غير ذلك، فلقد بلغت نسبة الخصوبة الكلية في عام 2012 (2,87) و تراجعت الى (2.17) في عام 2014 حسب احصائية وكالة الاستخبارت المركزية الامريكية واصبح معدل الخصوبة الكلي في السعودية يقترب تدريجياً من المعدل في الدول الاوروبية ففي فرنسا يبلغ معدل الخصوبة الكلي (2,08) اما في الدول المجاورة لنا مثل اليمن والعراق فإن معدل الخصوبة الكلي مرتفع (4,09) و (3,41) على التوالي.
ماذا يعني هذا ؟؟ هل يعني ان الخصوبة لدى الرجال السعوديين قد تناقصت شيئاً فشيئاً مقارنة بجيل الاباء والاجداد؟؟ كلا، فإن معدل الخصوبة الكلي لا يتعلق بالرجال وانما يتعلق بالنساء السعوديات، فتعريف معدل الخصوبة الكلي هو متوسط عدد الأطفال الذين تنجبهم المرأة في حياتها.
اذن فنساؤنا السعوديات حالياً اصبحن يلدن اقل بكثير عن جيل الامهات والجدات وسوف تتناقص هذه النسبة مع الزمن لنصل الى ما وصل اليه الغرب من نسب متدنية بسبب عوامل كثيرة من اهمها خروج المرأة من بيتها للعمل.
اما الشيء الذي يستحق ان نهنئ الشعب السعودي به فهو طول الاعمار فلقد تجاوز متوسط العمر المتوقع في المملكة العربية السعودية لعام 1433 الهجري (73.8 عام) المعدل الإقليمي بـ 5.8 عام وتجاوز المعدل العالمي بـ 3.8 سنة، إضافة الى ذلك فإن شعبنا السعودي هو اقل الشعوب موتاً "لا قوة الا بالله" فالإحصائيات تقول ان معدل الوفيات (لكل 1,000 نسمة) في المملكة العربية السعودية لعام 1433 الهجري (3.8) وهو اقل من المعدل الإقليمي (6.3) وتقريباً نصف المعدل العالمي (7.9) فهل طول الأعمار وتدني معدل الوفيات لدينا يعود الى كفاءة وزارة الصحة في تطبيب الناس؟ – وأشك في ذلك- ام ان هناك خطأ في الاحصائيات لأنها كما يقول الإنجليز " it is too good to be true " وللحديث بقية.
* استشاري كلى ومتخصص في الإدارة الصحية