DAMMAM
الخميس
34°C
weather-icon
الجمعة
icon-weather
34°C
السبت
icon-weather
37°C
الأحد
icon-weather
33°C
الاثنين
icon-weather
34°C
الثلاثاء
icon-weather
36°C

الوعي بمسؤولية الكلمة

الوعي بمسؤولية الكلمة

الوعي بمسؤولية الكلمة
الكلمة منطوقة أو مكتوبة تتبوأ مركز الصدارة في مجال الخطاب والتعبير عن الرأي ونشر الثقافة؛ فهي أداة الإفصاح عن الفكرة ووعاء التعبير عن مكنون الإنسان. لكنها سلاح ذو حدين، فالكلمة إما أن تكون أداة بناء وتواصل وإما أن تكون مِعْوَل هدمٍ وأداة تخريب. ومن هنا تتضح مسئولية الإنسان تجاه كلماته، وهذا ما أكده الإسلام على لسان نبيه «صلى الله عليه وسلم» في تكريس الوعي بتلك المسئولية.. (يا نبي الله! وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟) سؤال وجهه معاذ «رضي الله عنه» إلى النبي «صلى الله عليه وسلم» عندما نصحه بقوله كف عليك هذا - وأشار إلى لسانه - وكان رده «صلى الله عليه وسلم»: (ثكلتك أمك يا معاذ! وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم؟) رواه الترمذي. والقرآن في بيان تصويري أخّاذ يكشف عن تأثير الكلمة في بعديها الإيجابي والسلبي بقول الله تعالى: "أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ. تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ. وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ". سورة إبراهيم : 24 -26. ومن هنا كان لا بد من النظرة الواعية للكلمة في جدواها وآثارها قبل أن تبث نطقا أو كتابة، يقول ابن القيم «رحمه الله»: "وأما اللفظات؛ فحفظها بأن لا يخرج لفظة ضائعة، بأن لا يتكلم إلا فيما يرجو فيه الربح والزيادة في دينه، فإذا أراد أن يتكلم بالكلمة نظر: هل فيها ربح أو فائدة أم لا؟ فإن لم يكن فيها ربح أمسك عنها، وإن كان فيها ربح نظر: هل تفوت بها كلمة هي أربح منها فلا يضيعها بهذه؟" ومن هنا نبهنا الإسلام إلى عواقب الكلمة كما في حديث أبي هريرة «رضي الله عنه» قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقي لها بالا يرفعه الله بها درجات، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالا يهوي بها في جهنم). إن ضبط الكلمة في مسارها النافع ليس سهلا، بل يحتاج إلى مجاهدة كما نتحفظ من كبائر الذنوب، بل يقول ابن القيم «رحمه الله»: «ومن العجب، أن الإنسان يهون عليه التحفظ والاحتراز من أكل الحرام والظلم والزنا والسرقة وشرب الخمر، ومن النظر المحرم وغير ذلك، ويصعب عليه التحفظ من حركة لسانه، حتى ترى الرجل يشار إليه بالدين والزهد والعبادة، وهو يتكلم بالكلمات من سخط الله لا يلقي لها بالا ينزل بالكلمة الواحدة منها أبعد ما بين المشرق والمغرب؛ وكم ترى من رجل متورع عن الفواحش والظلم، ولسانه يفري في أعراض الأحياء والأموات، ولا يبالي ما يقول». وتعظم خطورة الكلمة عندما يتاح لها الانتشار وتعم الآفاق في بضع دقائق أو ثوان عبر وسائل الإعلام أومواقع التواصل الاجتماعي. ومن هنا أخبرنا نبينا «صلى الله عليه وسلم» عن شدة عذاب قائلها، ففي رحلة المعراج رأى رجلاً يوضع في شدقيه كلاليب من نار، يشق بها شدقه الأيمن من أوله إلى آخره، ثم يشق بها شدقه الأيسر فيعود الأيمن كما كان، ثم يشق مرة أخرى ويلتئم من جديد، فلما سأل النبي «صلى الله عليه وسلم» جبريل عن هذا الرجل قال: (هو الرجل يكذب الكذبة فتبلغ الآفاق). ونحن نود أن نحرص على الارتقاء بأسلوب التخاطب من خلال التواصل المباشر أو الالكتروني، والإحساس بالمسؤلية الاجتماعية تجاه المجتمع وأمنه، لا سيما في زمن الفتن. وجميل أن نسمع في خطبة الجمعة الماضية بالمسجد الحرام ما يوصينا بالحرص على (حفظ اللسان والقلم من كل كلام لا مصلحة فيه عبر مقالة تنشر أو حوار يعلن أو تصريح يبث، فإن مسؤولية الكلمة ومسؤولية الأمن لا تفترقان وبالعناية بهما ورعايتهما حق رعايتهما تكون السلامة بإذن الله من كل الغوائل والنجاة من الشرور). وفي سبيل تحقيق الارتقاء بالكلمة نحتاج إلى: 1- المعرفة الصحيحة عما نتحدث عنه، (العلم قبل القول والعمل). 2- الحيدة والموضوعية فلا نبيع عقولنا طمعا في المصالح الذاتية والمنافع الشخصية، ولا نخضع للأهواء التي تهوي بصاحبها في أودية النفاق والمداهنة. 3- التثبت مما نقول، فلا نطلق الأحكام أوننقل الكلام دون تثبت، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} (6) سورة الحجرات. إن استشعار المسئولية ليست دعوة إلى الصمت، لكنه استبعاد لكلمات لا خير فيها و(رب كلمة قالت لصاحبها دعني). * أستاذ مشارك بجامعة الدمام