«حاول ألا تصبح إنسانا ناجحا، بل إنسانا ذا قيمة؛ فإن الناجح بتعريف اليوم هو الذي يحصل على المزيد من الحياة أكثر مما يضع فيها، بينما الإنسان ذو القيمة هو الذي يعطي أكثر مما كان يأخذ".
(ألبرت إنيشتاين)
إن الاحتفاظ بأصحاب الأداء العالي من الموظفين هو من أهم أولويات المنظمات الناجحة في العالم، وقد وُجد من خلال دراسة لشركة ميرسير الاستشارية أن أهم العناصر التي تساعد على بقاء المتميزين هو مقدار الزيادة المعطاة على الراتب الأساسي، وكذلك توفر فرص التطوير والتدريب.
كما أجرت الباحثة كبري وليرد وزملاؤها العام الماضي (2014) دراسة شملت 27 دولة لموظفي شركة ساب (SAP)، لمعرفة ما تريده القوى العاملة في المستقبل. وقد وجدوا أن 40% من الموظفين ذكروا أن تقييم أدائهم كان عاليا، ولكن في الجانب الآخر، وجدوا أن 20% منهم يحتمل أن يغادروا المنظمة خلال الأشهر الستة القادمة، وأن أقل من 50% منهم فقط راضون عن عملهم.
كان المساهم الأهم بالنسبة للرضا الوظيفي لجميع العاملين هو الأجر الأساسي، تليه المكافأة المالية، وبالنسبة لأصحاب الأداء العالي، فإنهم يهتمون بكلا العنصرين أكثر من الموظفين متوسطي أو منخفضي الأداء. واتضح أن الفرق البسيط في التعويض (مثلا زيادة 6% لمرتفعي الأداء مقابل 2% لمنخفضي الأداء)، مثلما هو شائع في كثير من المنظمات، من الممكن أن ينفر أصحاب الأداء العالي لأن فرصهم في السوق كبيرة.
ومن العوامل الأخرى المساهمة في الرضا الوظيفي لأصحاب الأداء العالي، التغذية العكسية، فهم يتوقعون من رؤسائهم أن يجلسوا معهم مرة كل شهر على الأقل لمناقشة أدائهم وإعطائهم دفعة إلى الأمام، وفي غياب ذلك، فإنه قد تظهر عليهم علامات الإحباط.
وفي دراسة للشركة الاستشارية KPMG، تبين أن 73% من الشركات ذات الأداء العالي لم تضع سقفا لمكافأة الأداء الأفضل. وفي المقابل، فإن معظم الشركات ذات الأداء المنخفض (81%) قد وضعت سقفا للمكافأة على الأداء الأفضل.
ولكن السؤال الحقيقي هو: هل يمكن أن نتعرف على صاحب الأداء العالي عند مقابلته؟ ربما يعتقد الكثير منا أن باستطاعته فعل ذلك، ولكن حتى أفضلنا معرفة يمكن أن يُغفل موهبة حقيقية، ربما ان أكبر دليل عَلى ذلك هو قصة فشل كل من شركتي فيسبوك وتويتر في توظيف "براين أكتون"، أحد مؤسسي برنامج واتس أب، والذي امتلكته شركة فيسبوك مؤخرا بمبلغ 19 مليار دولار.
هناك عدد من الخصائص في أصحاب الأداء العالي قد تساعد في القدرة على اكتشافهم وعدم الخطأ في معرفتهم، وَمِمَّا يختص به أصحاب الأداء العالي، الرغبة في المنافسة والدافع القوي للتفوق، ويصحب ذلك طموح يجعلهم على استعداد للذهاب إلى آخر الشوط لتحقيق النجاح، كما أنهم يمتلكون حسا أخلاقيا كبيرا، ويتميزون بالنزاهة والاستقامة.
ويتميز أصحاب الأداء العالي بوجود حافز قوي لديهم للتعلم، والقدرة على البحث عن أفكار جديدة، والحس السليم لترجمة هذا التعلم إلى عمل مثمر، ويتصفون كذلك بروح المغامرة وحب الاستكشاف، فهم يخرجون من مناطق الراحة في حياتهم بشكل دوري من أجل المضي قدما.
وهم يمتلكون أيضا أجهزة استشعار حيوية وحسّا دقيقا لما قد يحصل في المستقبل. ومن خلال فهم ما يمكن توقعه في كل حالة، يعرف أصحاب الأداء العالي كيفية وضع أنفسهم مبكرا بشكل أفضل يمكنهم من رؤية الفرص وهي تتطور. وعلاوة على ذلك، لديهم الشعور الملحّ للتحرك بسرعة.
كما أن لديهم شعورا عاليا بالمسؤولية، ولديهم ثقة في قدرتهم على تحمل الفشل، والتعافي من ذلك. فأصحاب الأداء العالي قادرون على تحفيز أنفسهم ويعرفون كيفية التركيز وترتيب أولوياتهم وإعادة ترتيبها حسب الحاجة، ولديهم نظام انضباط ذاتي يفرضونه على أنفسهم، مِمَّا يساعدهم على القيام بما يفعلونه على الشكل الأفضل.
كما أن القادة يصنعون ولا يولدون، فإن أصحاب الأداء العالي كذلك يمكن صنعهم. ومع عدم إلغاء دور عوامل البيئة، فإن الإنسان بإمكانه أن يصبح متفوقا في الأداء إذا سلك الطريق الصحيح، والواقع ان القول العالمي المأثور: "انني كلما عملت بجد، أحصل على حظ أكثر"، يحتوي على كثير من الحقيقة، ففي معظم الأحيان هذا "الحظ" المزعوم هو مزيج من التحضير، والمثابرة، والفرص المواتية.
هناك خطأ فادح يرتكبه كثير من المنظمات، وهو السعي للتوظيف فقط عندما تكون هناك حاجة محددة، والصحيح أنه إذا كانت إمكانية المنظمة تسمح، فإن توظيف الموهوبين والمتميزين، بشكل استثنائي، أمر مهم، حتى ولو لم تكن هناك أي شواغر أو حاجة للتوظيف. لذا، يجب أن نجدَّ في البحث عن الناس الذين لديهم الثقة للعب أدوار مختلفة، والقدرة على تحمل أعباء أكثر من الشخص العادي، والميل الطبيعي لأخذ المبادرة والقدرة على النمو الذي يواكب التطور في العمل.
أكاديمي مهتم بقضايا الموارد البشرية