بِبابِكمُ كلبٌ عقورٌ مُسَلَّطٌ... عديمُ الحيا والعقلِ في البعدِ والقُربِ
ومَن يربطِ الكلبَ العقورَ ببابِه... فإنَّ بلاءَ النَّاسِ من رابطِ الكلبِ
«جمال الدين السلموني»
إن تقدم المجتمعات جعل الحاجة إلى الخدمات أكثر أهمية من الحاجة إلى السلع. وعلى إثر ذلك نما قطاع الخدمة في المؤسسات العامة والخاصة ليلبي تلك الحاجات. وأصبح النموذج الجديد لتقديم الخدمة يتركز حول مفاهيم جديدة هي: (1) الاستثمار في الناس قبل الآلات، و(2) استخدام التقنية لدعم جهود الموظفين في الخط الأمامي المواجه للزبائن والعملاء، وليس استخدام التقنية فقط لمراقبتهم أو استبدالهم، و(3) جعل الاهتمام بنوعية التوظيف والتدريب هدفا أساسا بالنسبة لمن يقدمون الخدمة الشخصية في الخَط الأمامي، تماما كما هو مهم توظيف وتدريب المديرين وكبار المسؤولين التنفيذيين، (4) ربط التعويضات بأداء الموظفين في كل المستويات، وليس فقط لمن هم في المستويات العليا.
ولكن الثقافة السائدة لدينا اليوم لا تعزز مفهوم الخدمة. بل هي تشجع على النفور منها وعدم تقدير دور مقدم الخدمة. وقد حصل هذا بالرغم من أن القيم العربية تقدس تقديم العون وخدمة الناس وإكرام الضيف أيما إكرام، حيث قال المقنع الكندي: وَإِنّي لَعَبدُ الضَيفِ ما دامَ نازِلاً وَما شيمَةٌ لي غَيرُها تُشبهُ العَبدا.
وفي القطاع الحكومي بالذات، حيث لا يتم فيه غالبا اختيار الناس على أساس التميز في خدمة العملاء والمراجعين، وفي ظل ندرة أو اختفاء الحوافز وانخفاض درجة المساءلة، يلجأ كثير من الموظفين إلى البيروقراطية والتعقيد في إجراءات العمل. فهُم يستخدمون كل الأدوات المتاحة لتجنب مساعدة متلقي الخدمة. والأمر لا يتعلق غالبا بتطبيق أنظمة أو قوانين، بقدر ما هو اجتهاد في تفسير تلك الأنظمة بطريقة غير متسامحة.
ومن الأسباب التي تجعل العاملين في أي قطاع خدمي يتحولون إلى حراس بوابات بدلا من مقدمي خدمة، هو الآتي:
(1) الشعور بالنقص: وقد يشمل هذا الشعور ليس فقط العاملين في أسفل الهرم الإداري ولكنه قد يشمل أفرادا من كبار المسؤولين الذين يفتقدون المركز الاجتماعي اللائق خارج نطاق العمل. وهم يشعرون عند القيام بدور حارس البوابة أن ذلك يعطيهم شيئا من الهيبة والهيمنة.
(2) تجنب العمل: استخدام كلمة "لا" تكون مقدمَة عند حراس البوابات عندما تُطلب أي خدمة، لأنها تفيدهم في الحد من الطلبات المستقبلية، وبالتالي التقليل من حجم العمل.
(3) كراهية العملاء: بعض المتحكمين في مفاصل الخدمات يَرَوْن حقوق العملاء والمراجعين بأنها سيل من الطلبات اللامنطقية التي لا تنتهي. وأن دورهم هو أن يضعوا حدا لذَلك.
وفي المقابل، فإن أفضل المنظمات تقديما للخدمة تعمل باستمرار على القيام بخمسة أنشطة:
(1) الاستماع إلى الموظفين. إذا كنت تريد موظفيك أن يقدموا رعاية كبيرة لعملائك، فابدأ بالعناية بهم أولا، وعاملهم باحترام وثقة فائقين. وشارك أيضا في معالجة قضاياهم واحتياجاتهم. وقم بوضع آلية للاستماع إلى مخاوفهم ثم عالِجها.
(2) توظيف الناس على أساس توجهاتهم وليس كفاءتهم. التوجه يصعب تغييره أو تطويره. ولكِن إذا وُجد التوجه الجيد في الشخص، فبإمكان المنظمة تدريبه على المهارات المطلوبة. لذلك، إذا أردت تقديم خدمة مريحة، فاحرص على الحصول على موظفين ودودين وإيجابيين.
(3) جعْل الموظفين يركزون على الغايات والأهداف، وليس الأنظمة واللوائح. لتحفيز الموظفين وإعطاء معنى لعملهم، فإن الشركات الرائدة تضع لهم غاية مشتركة. وعندما يُحدد المتوقع منهم بشكل واضح وتوضع الثقة بالموظفين للقيام بأعمالهم، فإنهم يشعرون بأن لهم قيمة، ويصبحون على استعداد لبذل أي جهد إضافي بحماس وليس امتثالا.
(4) الاستفادة من إبداع العاملين في الخط الأمامي. إن إعطاء الموظفين في الخطوط الأمامية الصلاحية والاستقلالية يلهمهم للقيام بكل ما في وسعهم لتحسين خدمتهم للعملاء. عندما يرون مشكلة، فإنهم يعالجونها دون أن يطلب منهم ذلك. ويشكل موظفو الخطوط الأمامية أيضا مصدرا غنيا لرؤى العملاء. ويمكن أن تساعد القادة على فهم ما يريده الزبائن دون عناء أو تكلفة.
(5) التخلص من الكلاب النابحة وحراس البوابات الذين لا يكلُّون من الهرير والنباح في وجوه الموظفين والزبائن والمراجعين ومتلقي الخدمات، وإغلاق بوابات الخدمة دونهم. وهؤلاء الأشخاص يُوجدون على كل المستويات. وإذا ما وُجدوا على مستوى المسؤولين الكبار فتلك هي الطامة الكبرى، لأن ذلك يسمم بيئة العمل كلها ويقطع حبل الثقة وأي رابط عاطفي بينهم وبين الموظفين، وبين مقدمي الخدمة ومتلقيها. وقد يحرص بعض المسؤولين على وضع أحد هؤلاء على مرفق خدمي لينبح نيابة عنه، ويتدخل هو لاحقا لردعه عن غيّه عند الحاجة.
مازال من المهم الاهتمام بالعملاء من خلال الاتصال الشخصي، بالرغم من دور التقنية في تسهيل فهم العملاء على أساس فردي. والموظفون في الخط الأمامي هم خير من يقوم بهذه المهمة من بناء علاقة الثقة. لذلك، إذا أردت خلق رابطة عاطفية مع الزبائن، فعليك أن تبدأ بموظفيك، وكن قدوة لهم لأن أفعال القادة مرئية للجميع. والناس تعرف بحدسها ما له قيمة وما ليس له قيمة في نظر المسؤول.
أكاديمي مهتم بقضايا الموارد البشرية