DAMMAM
الخميس
34°C
weather-icon
الجمعة
icon-weather
34°C
السبت
icon-weather
37°C
الأحد
icon-weather
33°C
الاثنين
icon-weather
34°C
الثلاثاء
icon-weather
36°C
national day
national day
national day

نشأة المذاهب والتقليد

نشأة المذاهب والتقليد

نشأة المذاهب والتقليد
كان الناس في زمن رسول الله، يسألونه لمعرفة أمور دينهم ويسألون من جعلهم رسول الله أمراء أو رسلا إلى البلاد الأخرى، وبقي الحال على ذلك إلى أن قبض الله رسوله، ثم كان الناس بعد ذلك يسألون الصحابة المهتمين بالوحي زمن رسول الله والخلفاء خاصة ومن له قصة معينة حملها عن رسول الله، ولما انتشر الصحابة مع الفتوحات في سائر البلدان، نشأت وقتئذ، الرحلة إليهم طلبا للعلم كونهم أقرب الناس إلى رسول الله، وأعرفهم بأحكام دينه، وكان الصحابة عامة يبثون ما حملوه عن رسول الله في الناس، مع الحرص في الرواية عنه والتثبت. وجاء عصر التابعين وتابعيهم، فكانت عناية العلماء بالعلم على اتجاهين بشكل عام؛ اتجاه اعتنى برواية الحديث، وآخر بالفقه والفتوى، وكثر المفتون في المدينة ومكة والشام ومصر والكوفة وبغداد واليمن وغيرها من بلاد الإسلام، فكان العامة يسألون من ظهر لهم علمه ومعرفته بالأحكام، دون أن يتخذوا مذهبا، حتى وقع كثير من الاختلافات بين أهل الرواية وأهل الفقه والفتوى، وبالأخص أهل الرأي منهم، ووقع تقريب الولاة لبعض العلماء دون البعض الآخر، فتولد عند ذلك التزام الناس بآراء بعض الفقهاء دون بعض، ثم نشأ التعصب لبعضهم دون بعض، ولآراء دون آراء، وتبع ذلك الكثير من السلبيات الفكرية على الساحة العلمية، وركب- تلك السلبيات- كثير من المتعصبين للرواية والفقه، وكان العوام وذوو الأهواء والأغراض تبع لهم في ذلك. لذلك، لما ظهر أبو حنيفة كفقيه له آراؤه الفقهية، وتبعه تلاميذ كثر، صار لهم الدور الكبير بعد ذلك في نشر تلك الآراء، لاسيما القاضي (أبو يوسف) الذي نال حظوة كبيرة في دولة العباسيين، وتولى منصب القضاء لثلاثة من الخلفاء: المهدي والهادي والرشيد، وانتشر مذهبه بسبب ذلك وبسبب القضاة الذين كان يعينهم هو وأصحابه. وما لبث ذلك طويلا، حتى بزغ نجم مالك بن أنس وأراد أبو جعفر المنصور أن يحمل الناس على العمل بكتابه الموطّأ، وأمر من ينادي في الناس: «ألا لا يفتينّ أحد ومالك بالمدينة»، وحظي مالك بمكانة عظيمة عنده وعند مَن جاء بعده من أبنائه الخلفاء، فسبّب ذلك ظهور التلاميذ والأتباع الذين يروجون مذهبه ويتعصبون له. ثم تألق الشافعي وبرز على علماء عصره، وساعده على ذلك تتلمذه على يد مالك في المدينة، ونزوله ضيفا لمّا ذهب إلى مصر عند محمد بن عبدالله بن الحكم الذي كانت له في مصر مكانة ومنزلة علمية، وكان مقدما عند أهل مصر، فقام محمد بن عبدالله بن الحكم بنشر علم الشافعي وبث كتبه، وساعد على ذلك ما لقيه الشافعي في بادئ الأمر من المالكية في مصر من الإقبال والحفاوة، بسبب كثرة ثنائه على الإمام مالك. ثم وقع لأحمد بن حنبل في محنة خلق القرآن ما وقع، فضُرب وحُبس وأظهر من الصبر والتجلد ما رفع مكانته عند الناس، لاسيما بعد أن أدناه المتوكل العباسي وأكرمه وعظّمه، وعني به عناية فائقة، فهكذا نشأت هذه المذاهب الأربعة وانتشرت أكثر من غيرها من المدارس الفقهية الأخرى. لقد كانت الأغراض السياسية لبعض الخلفاء والمآرب الدنيوية وراء دعم بعضهم لهذه المذاهب وتصعيد التعصب لبعضها، حتى أحدث ذلك خللا منهجيا كبيرا في بعث التقليد ووأد الاجتهاد وتبدّل مرجعية الحجاج عند الاختلاف، ولم يُستفد من تلك المدارس الفقهية- بما فيها من إبداع وتنوع- استفادة رشيدة في مسيرة العلم والتعلم، بل استخدمت كثيرا لإحياء التقليد وإضعاف الاجتهاد وخلق التنازع المذموم وقمع الإبداع الفكري، حتى انعكس ذلك على الحالة العامة بتدمير نمو الساحتين العلمية والفكرية بالشكل الصحي الصحيح. قال ابن حزم في (الإحكام): هذه البدعة العظيمة «نعني التقليد» إنما حدثت في الناس وابتُدئ بها بعد الأربعين ومائة. * الباحث والمستشار بمركز علوم القرآن والسنة