إن الانتعاش الأمريكي يعيد الناس إلى العمل، والاقتصاد المتوسع في طريقه إلى استعادة العمالة الكاملة. لكن يجدر بنا ألا نقفز من الفرح. عندما يتحدث خبراء الاقتصاد عن العمالة الكاملة، فإنهم لا يقصدون أن كل شخص لديه عمل، ولا يقصدون أنه حتى بإمكان الصحة الاقتصادية المنتعشة خفض البطالة إلى الصفر. إذا انخفضت البطالة بشكل كبير جدا، سيرتفع التضخم، على اعتبار أن أرباب العمل يتنافسون في توظيف العمال ودفع الأجور بشكل سريع جدا. العمالة الكاملة تعني أن البطالة قد انخفضت إلى أدنى مستوى ممكن دون استفزاز التضخم. أما اللغز فهو ما قد يكون عليه ذلك المستوى. في الولايات المتحدة، وفقا للتقديرات السائدة، يكون معدل البطالة حوالي 5%– ليس أقل بكثير من معدل شهر فبراير البالغ 5.5%. لكن التوافق في الآراء هش وهنالك الكثير من الآراء التي تعتمد على النقاش حول مقدار الانخفاض الذي يمكن للبطالة أن تحققه دون التسبب بارتفاع في التضخم.
منذ أن بدأ انتعاش الاقتصاد الأمريكي في عام 2009، ارتفع إجمالي العمالة من 138 مليونا إلى 147 مليونا مع نهاية عام 2014، وتقلص عدد العاطلين عن العمل إلى أقل من 9 ملايين من 15 مليون. في أواخر عام 2014، تسارع النمو في فرص العمل. وفي الوقت الذي تشح فيه سوق العمل، يناقش الاحتياطي الفيدرالي متى يمكنه البدء في رفع أسعار الفائدة. المشكلة تكمن في وجود المزيد من حالة عدم اليقين أكثر من المعتاد حول عدد الناس الذين يريدون الوظائف، ما يجعل الأمر صعبا لتحديد مقدار البطالة الذي يمكن تحمله لدرء التضخم. السبب في ذلك هو أن حالة الركود الأخيرة كانت مرحلة استثنائية شديدة وأدت إلى إحداث تأثير على سوق العمل بطرق غير مفهومة بشكل جيد حتى الآن. قد يكون الاقتصاد بعيدا عن العمالة الكاملة أكثر مما يوحي به المقياس الرسمي الرئيسي للبطالة.
تعول الحكومة على أن الأشخاص العاطلين عن العمل والذين لا يملكون عملا كانوا يسعون بنشاط بحثا عن وظيفة خلال الأسابيع الأربعة الماضية، وهم متوفرون الآن للعمل. هناك مقياس أوسع نطاقا يمكن أن يشتمل على الأشخاص المحتاجين للعمل على غيرهم من الباحثين المحتملين عن العمل أيضا. تبين تقارير احصاءات مكتب العمل أن 2.3 مليون شخص كانوا «مرتبطين هامشيا بالقوة العاملة» في نهاية عام 2014 - ما يعني أنهم كانوا يريدون عملا وقاموا بالبحث عن ذلك في الأشهر الـ 12 الماضية، ولكن ليس في الأسابيع الأربعة الماضية. شمل هذا 740 ألف شخص من «العمال المثبطين» الذين توقفوا عن البحث لأنهم يرون أنه لا يوجد لهم مخرج. لقد تضخم عدد الأشخاص المرتبطين بشكل هامشي جزئيا لأن الركود الاقتصادي كان عميقا جدا وطويلا جدا، ومن المرجح أن يتقلص هذا العدد مع استمرار الانتعاش. قد تكون الأنواع الأخرى من البطالة المقنعة مرتفعة بشكل مؤقت أيضا. في نهاية العام، أراد 6.8 مليون من الـ 26.5 مليون عامل بدوام جزئي في الاقتصاد وظيفة بدوام كامل. الاقتصاد الأقوى قد يعيد إلى القوة العاملة الأشخاص الذين تقاعدوا قبل الموعد الذي كانوا يرغبون فيه، أو الذين اختاروا التوقف عن العمل لأسباب أخرى.
ينقسم خبراء الاقتصاد، بمن فيهم صناع السياسة لدى المصرف الاحتياطي الفيدرالي، حول مدى قرب الاقتصاد من العمالة الكاملة. البعض يعتقد أنه ينبغي أن ترتفع أسعار الفائدة قصيرة الأجل قريبا للحد من التضخم، بينما يعتقد الآخرون أن أسعار الفائدة يمكن تسكينها عند الصفر بأمان لأطول فترة، خصوصا أن التضخم انخفض إلى ما دون هدف المصرف الاحتياطي الفيدرالي. السياسة الحالية تنطوي على عامل من الصبر، والأسواق تعتبر أن هذا يعني عدم حصول ارتفاع قبل منتصف العام. يعتقد بعض خبراء الاقتصاد أن المعدل الرسمي للبطالة يمكنه الهبوط لأكثر من ذلك – لنقل، إلى نسبة 4% - قبل أن نحتاج إلى معالجة مصادر القلق من التضخم. يقول الآخرون إن التغيرات في الأجور قد تكون بمثابة مؤشر أكثر وضوحا لظروف سوق العمل من معدل البطالة الذي وجد بعد الانهيار. الأجور تظهر أخيرا بوادر أولية على النمو الأسرع. لقد قام وول - مارت برفع الأجور وبعض المنافسين يقومون بالشيء نفسه. وأشار المصرف الاحتياطي الفيدرالي إلى «ارتفاع في الاجور لجذب العمال المهرة من أجل إشغال الشواغر صعبة التعبئة».