بعد حوالي 4 سنوات من الاستقرار النسبي قرب مستوى 105 دولارات للبرميل، شهدت أسعار النفط تراجعًا حادًا منذ شهر يونيو/حزيران الماضي،
وأشار تقرير اقتصادي عالمي إلى أن الهبوط الأخير في أسعار النفط لم يكن الأول، حيث تعرض الخام لخمس مراحل من الهبوط تجاوزت نسبة تراجعه فيها معدل 30%، كما شهد عدد أكثر من حلقات الارتفاع كذلك.
وخلال العقود الخمسة الأخيرة، حفزت موجات الصعود والهبوط في أسعار النفط دراسات واسعة النطاق بشأن الآثار الاقتصادية الكلية لهذه التقلبات في أسعار الخام، والقنوات التي تعمل فيها، ورصد التقرير مذكرة بحثية أصدرها البنك الدولي مؤخرًا بشأن الآثار الاقتصادية لتقلبات أسعار النفط.
انخفاض التضخم
وأشار تقرير "المنتدى الاقتصادي العالمي" إلى أنه عادة ما يؤثر تراجع أسعار النفط على الأنشطة الاقتصادية، والتضخم، عن طريق تحويل الطلب والعرض الكلي، وآثار الاستجابات للسياسات، ومن المقرر ان يؤدي هبوط أسعار النفط إلى تراجع تكلفة الإنتاج، كما أن انخفاض تكلفة إنتاج السلع عبر مجموعة كاملة من المنتجات كثيفة استهلاك الطاقة ستظهر آثاره على المستهلكين، وبالتالي يسفر عن انخفاض التضخم.
كما قد يؤدي التراجع في تكلفة الإنتاج جراء هبوط أسعار النفط إلى زيادة الاستثمار، وعلى جانب الطلب، فإن هبوط تكلفة الطاقة يؤدي إلى زيادة الدخل الحقيقي للمستهلكين، ما ينتج عنه زيادة في معدل الاستهلاك.
وأوضحت الدراسة أن تأثير تراجع أسعار النفط على الاقتصادات يعتمد على رد فعل سياسات الدول، مثل التوجهات النقدية، والمالية، ففي حال أدى هبوط أسعار النفط إلى خفض التضخم، فإن البنوك المركزية قد تقوم بتيسير السياسة النقدية، ما سينتج عنه دعم الأنشطة الاقتصادية.
وان لم ينجح تراجع النفط في تخفيف التضخم الأساسي، أو توقعات ارتفاع المستوى العام للأسعار، فإن البنوك المركزية قد تمتنع عن الاتجاه لتيسير السياسة النقدية، وهو ما سيقلص أثر هبوط الخام على الأنشطة الاقتصادية، وفي الوقت نفسه، فإن تراجع الإيرادات بسبب هبوط النفط يمكن أن يقيد السياسة المالية للدول المصدرة للخام، ما قد يؤثر سلبًا على الإنتاج، وتؤدي التغيرات المفاجئة في أسعار النفط إلى ارتفاع حالة عدم اليقين، ما يمكن أن يسفر عن انخفاض الاستثمار والحد من الإنفاق الرأسمالي، وتراجع استهلاك السلع المعمرة.
زيادة الناتج العالمي
وفي سياق متصل أشار التقرير الى أن انخفاض أسعار النفط بنسبة 45% بفعل عوامل العرض يمكن أن يسفر عن زيادة الناتج العالمي الإجمالي بنسبة تتراوح بين 0.7 إلى 0.8% على المدى المتوسط، وتختلف تقديرات الدراسات التي تتناول تأثير تراجع أسعار النفط على الأنشطة الحقيقية في الاقتصادات الكبرى، بناءً على كثافة استخدام الخام في الاقتصاد، وما إذا كانت الدولة مصدرة أم مستوردة للنفط، وعينات البيانات، والمنهجية المستخدمة في الدراسة.
وبالنسبة لبلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية فإن تراجع أسعار النفط بنسبة 10% يعني هبوط الأنشطة الحقيقية بنسبة تتراوح بين 0.3 إلى 0.6% في الولايات المتحدة، ومن 0.1 إلى 0.3% في منطقة اليورو، بينما كشفت الدراسات التي تناولت الاقتصادات النامية مجموعة واسعة من النتائج.
وكشف البحث أن تأثير هبوط أسعار النفط يعتمد بشكل كبير على سبب هذا التراجع، حيث إن صدمات المعروض من الخام قد تؤدي إلى توليد تأثير مستقل على النشاط الاقتصادي، في حين أن صدمات الطلب على الخام قد تكون هي نفسها نتيجة تغيير النشاط الحقيقي، وهو ما يعني تراجع تأثيرها على الاقتصاد.
وأشارت المذكرة إلى أن تغيرات أسعار النفط التي تسببت فيها صدمات المعروض من الخام غالبًا ما تؤدي إلى تحولات كبيرة في الإنتاج والدخل العالميين والتي تختلف بين الدول المصدرة والمستوردة للخام، في حين أن التغيرات في أسعار النفط نتيجة جانب الطلب تميل إلى أن تكون ضعيفة التأثير على النشاط الاقتصادي.
وكشفت عدة دراسات أن تأثير أسعار النفط على الناتج الإجمالي غالبًا ما يتراجع بمرور الزمن، حيث قدرت دراسة في عام 2005 أن ارتفاع أسعار الخام بنسبة 10% قد يؤدي إلى هبوط الإنتاج في الولايات المتحدة بحوالي 3% تحت خط الأساس على مدى 4 أرباع في الفترة من 1949 إلى 1980، بينما سيكون التراجع بنحو 1% في العينة التي تمتد حتى عام 2005.
وأظهرت الدراسة عدة أسباب لتراجع تأثير أسعار النفط على الاقتصاد، بسبب التغيرات الهيكلية مثل هبوط الأنشطة كثيفة الطاقة، والمزيد من المرونة في سوق العمل التي ستخفض الجمود المرتبط بهوامش الربح، كما أن الأطر الأقوى للسياسة النقدية تخفض أثر صدمات أسعار النفط عن طريق ترسيخ توقعات أفضل للتضخم.
الأثر على التضخم
وتاريخيًا، كانت تقلبات أسعار النفط والتضخم ترتبطان بعلاقة إيجابية، حتى بالرغم من تباين هذه العلاقة بشكل حاد باختلاف الدول، فقد أدى الارتفاع الكبير في أسعار النفط خلال السنوات الأربعين الماضية إلى معدلات تضخم مرتفعة في الكثير من الدول، إلا أن تأثير تقلبات الخام على التضخم شهد تراجعًا عبر الزمن.
وكشفت دراسة في عام 2002 أن أسعار النفط ساهمت إلى حد كبير في تحديد مستوى التضخم في الولايات المتحدة قبل عام 1981، إلا أنه منذ ذلك التاريح فإن التأثير اصبح أقل، وهو نفس الأمر بالنسبة لاقتصادات كبرى وناشئة أخرى.