يعيش المرء في حياته عدة أجيال، وكل جيلٍ يتضمن عدة عقود، كل عقد دورة عمرية، تقدر بـ ١٠أعوام، ومعظم الناس يعمّر ما بين ٦٠ حتى ٨٠ عاماً، فهذه ثمانية عقود يعاصر فيها ثلاثة أجيال تقريباً، والسؤال المهم في هذا العمر، ما ملامح الاهتمامات فيه؟ وما تحليل الأهداف البارزة في كل جيل من أجيال عمر الإنسان؟ تعالوا معي لنتأمل من حولنا، ونتفكر في نتائج عقود أعمارهم التي استنفدوها؟
الإنسان يولد طفلاً، ويعيش عقدين من الزمن؛ اهتماماته بسيطة، يهتم بترفيهه، وينشغل معظم الوقت بالدراسة والعلاقات القريبة الاجتماعية، وحبه للعب والترفيه، وفي هذا العمر يملك وقتا وصحة ولكن المال قليل، ثم تأتي عقود يكمل فيها الأربعين، ويبلغ مرحلة «الأشد» وقت اكتمال الخبرة وغاية القوة البشرية فيرى نتائج أعماله السابقة أمامه وفيها ينشغل الإنسان أكثر بالوظيفة وجمع المال وتكوين الأسرة وتعدد المسؤوليات، ويحرص على الفرص ويهدف للمنصب، فيقل فراغه وتزداد أمواله، ومازال يملك صحته جيدة، لكنها بدأت بالضعف، لا يملك وقتا لترفيه أو زيارات اجتماعية؛ أكثر نشاطه اجتماعات وسفريات وعشق الفرص المربحة!.
ثم يدلف الإنسان إلى الجيل الثالث وعقد الخمسين والستين، والتي تكثر فيه أموال الإنسان، ويقل انشغاله، ولكن تكثر أمراضه، ويكون صديقا للعلاج، يرجع معظمها إلى إكلال الجسم وإهمال رياضته وصحة غذائه كما قال أحدهم:
إن الثمانين وبلغتُها..... قد أحوجت سمعي إلى ترجمان
يلاحظ المرء في حياته ثلاثة أمور مهمة؛ المال، الفراغ، الصحة، في بداية العمر «فراغ، وصحة وقلة مال»، وفي منتصفه صحة ومال وقلة فراغ، وفي الكبر، مال وفراغ وأمراض!
كما يلاحظ أنّ المرء في منتصف العمر (الثلاثينيات) يبحث عن الفرص، وفي الأربعينيات يبحث عن المركز والمنصب، وفي الخمسين يبحث عن الوجاهة، وقد يجتمعن في إنسان، فالناس يختلفون حسب شخصياتهم.
وبعد ذلك عزيزي القارئ، من خلال هذا التحليل، تجهز لأجيالك القادمة واستثمر عقود عمرك، فإنهن كاللبنات التي يشدن حياتك.
لا شك أن الإنسان يضعف كلما تقدم به العمر، لكنه يستطيع المحافظة على جوارحه وقوته إذا مارس الاعتدال في حياته، وذلك يكون بالتنظيم والتخطيط؛ فمن فعل ذلك وقى نفسه كثرة الأمراض والعلاجات في الكبر وحافظ على قوته حتى وهو شيخ كبيرٌ، وتحضرني في هذا المقام دراسة أجريت على عينة من كبار السن من أهل الرياض حول ممارستهم للرياضة للمحافظة على الصحة فكانت النتيجة أنّ٣٠ ٪ يمارسون، و٧٠٪ لا يمارسون، طبعاً ولا يهتمون بنظامهم الغذائي؛ فتخيل ماذا ستكون النتائج حينما يصلون إلى الستين عاماً؟.
ألا ليت الشباب يعود يوماً..... فأخبره بما فعل المشيب
لقد وجهت السنة النبوية الإنسان لتنظيم ذلك: "إن لنفسك عليك حقاً" ومن ذلك الصحة، "ولزورك عليك حقاً" وهي العلاقات، "ولزوجك عليك حقاً" ويشمل الزوجة والأولاد، "ولربك عليك حقاً" وهو العبادة، "فأعط كل ذي حق حقه"، وهذا هو التوازن! وهذا شامل أيضاً للتخطيط لهذه العقود، ففي الحديث: "اغتنم صحتك قبل مرضك، وفراغك قبل شغلك وشبابك قبل هرمك، وحياتك قبل موتك". فكثرة المال لا تشتري الصحة، وكثرة الأشغال لا تبني وحدها جمال الحياة وجودتها؛ فمن الآن وخاصة بداية شبابك في الجيل الأول والعقد الثاني نظم وقتك وخطط أهدافك، لتسعد وتتوازن حياتك بتوفيق الله وفضله.
أستاذ التوجيه والإرشاد النفسي
جامعة القصيم