«أروقة الغياب» ديوان شعر صدر حديثاً للشاعرة السعودية أحلام بنت منصور القحطاني عن (دار المفردات للنشر والتوزيع) بالرياض في طبعته الأولى عام 1435هـ. يعد هذا الديوان هو الإصدار الشعري الثاني للشاعرة بعد صدور ديوانها الأول، الموسوم بـ «أنا من خيال» عن الدار نفسها عام 2008م.
ومع أن هذا الديوان لا يخلو من جماليات الشعر في بعض القصائد التي تضمنها، والتي طرحت من خلالها شاعرتها تجربتها الشعرية من جانب إنساني، انحصرت رؤيته في المحيط الاجتماعي الذي تعيشه المرأة وتعاملها المباشر مع مجريات حياتها اليومية، إلا أن البعض الآخر من النصوص قد طغت عليه مسحة من الحضور (الذاتي) القائم على إبراز الشاعر أو شخصه، أكثر من كونه قائماً على إبراز الشعر، أو على إبراز الروح الشعرية المبدعة. ولا ندري - بصراحة – عما إذا كان العنوان (أروقة الغياب) هو جزء من حضور الشاعرة، الذي قصدت من ورائه المقارنة غير المباشرة بين حضور ذاتها، وغياب الشعر في زمن فقد خلاله هذا اللون من ألوان الإبداع الإنساني الراقي – حالياً – كثيراً من وهجه وألقه وسلطته التعبيرية والبلاغية، وخاصة في مجتمعنا العربي الذي يؤكد – دائماً - أهمية الشعر وعلو شأنه عن سائر الفنون الأخرى بالمقولة الشهيرة، التي كنا ولا نزال نتداولها فيما بيننا، من جيل إلى آخر ألا وهي (الشعر ديوان العرب). أجل! لم يعد الشعر هكذا كما كانت مكانته الأثيرة لدى المجتمع العربي قديماً وحديثاً لأسباب عدة، لعل من أهمها استحداث قوالب ذات مضامين جديدة للتعبير في مشهدنا الإبداعي الراهن كالرواية والقصة القصيرة والمقالة، والخاطرة والمسرحية، والفنون التشكيلية والبصرية، والفن الموسيقي وغيرها، وجد المبدعون خلالها أنفسهم كبديل فني مكافئ للشعر الذي كان يعتبر الجنس الأدبي الوحيد المعبر عن الذائقة الفنية والأدبية للمجتمع العربي منذ القدم و إلى عهد قريب. ومع وجود بعض التجاوزات اللغوية والفنية التي وقعت فيها الشاعرة في ديوانها هذا، غير أنه يحسب لها جرأتها الأدبية في طرقها لأبواب الشعر في زمن تراجعه، وانصراف نسبة كبيرة من الأسماء النسائية عنه في الآونة الأخيرة لدينا، حيث تجنبن هيبته، وتحاشين مواجهته على المستويين الشخصي والجماهيري، وتجاوزنه إلى حيث حقول إبداعية أخرى أكثر سهولة ومرونة وممارسة من الشعر، شكلاً ومضموناً، كما يبدو لهن من وجهة نظرهن على الأقل. وهذا - بالتالي – ما يجعلنا نحترم مثل هذه التجارب الشعرية التي تشعرنا بالتفاؤل بمستقبل مشرق للشعر في منطقتنا، وخاصة (الشعر النسائي) منه على وجه التحديد، وأنه لا يزال هناك بيننا من يحاول استعادته مجدداً لمشهدنا الثقافي والأدبي بعد أن خفت وهجه أمام المد أو الطوفان السردي المهول الذي تشهده ساحتنا الإبداعية حالياً، وكأننا – في هذه الحالة- نستعيد بذاكرتنا، الحكمة المأثورة في تراثنا العربي التي تقول: (مالا يدرك كله لا يترك جله). ومن أجمل ما اطلعت عليه من نصوص هذا الديوان نص جاء تحت عنوان (عزف اللقاء) ورد من ضمنه قول الشاعرة:
أبحرتُ في طيف الأسى كي أحْضنهْ
وعلمت أني رغم شوقي موهنهْ
وطفقت أحضن من وريقات الجوى كيْ أستر الوَجْد الذي قد أحْزنهْ
ووقفتُ في ذكرى المكان بلهْفةٍ
يا للشجى يا لارتباك الأمكنهْ( )
أما فيما يتعلق ببعض التجاوزات اللغوية والفنية الواردة في الديوان والتي سبق أن أشرت إليها آنفاً فاستطيع إيجازها في جانبين:
أولاً: الجانب اللغوي
ورود كلمة (جزيئات) من قولها في نص عنونته بـ (هدنة):
أُسرب نحو جزيئات شوقي تفاصيل طيفك ( ) ومن الواضح هنا أن كلمة (جزيئات) ذات استخدام ومدلول علمي قاموسي جاف، وليست ذات استخدام أو مدلول شعري، أو إيحاء فني.
وفي نص آخر بعنوان (تجلي) يأتي قول الشاعرة:
صارخٌ مجنون أغواه الندى
لاهبٌ براقُ مثلُ الشعب والخلل اللغوي الوارد هنا في البيت الشعري - أعلاه - يتمثل في كلمتي (مجنون) و(براق) اللتين تعمدت الشاعرة عدم صرفهما أو تنوينهما، وذلك حتى يستقيم لها، الوزن العروضي مع أن الواجب تنوين كل من هاتين الكلمتين، لأنه ليس هناك مبرر أو مسوغ لغوي لمنعهما من التنوين، وهذا معناه – باختصار- أن الشاعرة قد ضحت هنا باللغة لحساب الوزن العروضي أو الموسيقي للبيت. هذا فضلاً عن أن عنوان النص (تجلي) يفترض فيه حذف حرف (الياء) من آخره لكونه (اسماً منقوصاً) نكرة، ولابد من حذف يائه إذا نُكر، وإثباتها إذا عُرّف.
ثانياً: الجانب الفني من أبرز التجاوزات في هذا الجانب التكرار (الكتابي) لأواخر الأبيات في كثير من نصوص الديوان، مما لا داعي لتكراره. ومن الأمثلة على ذلك قولها في نص تحت عنوان (ثقة):
و أنا أعلم يا سكر حروفي
صوت أُنثى من بياض
صوت أنثى من بياض
وكذلك قولها في نص آخر بعنوان (أروقة الغياب):
بأن كرامة قلبي أولى
بأن كرامة قلبي أولى إن مثل هذه التكرارات الحرفية أو اللفظية لأواخر الأبيات في كل نص ليس له مبرر أو مسوغ لا لغوياً، ولا فنياً و خاصة في النص (المكتوب) أو(المقروء) تحديداً.
وهذا بخلاف ما إذا كان النص (منطوقاً) أي حين تقوم الشاعرة بإلقائه مباشرة في أمسية شعرية أمام الناس، أوفي محفل من المحافل– مثلاً - حيث إن النص (المنبري) قد يستلزم تكرار بعض الأبيات من قبل الشاعرة، أو إعادتها على مسامع الجمهور أثناء الإلقاء المباشر لهذا البيت أو ذاك بغرض شد انتباه السامع إليها لمعنى معين تقصده، ولكن ليس من الضرورة أبدا أن ينطبق هذا الكلام على النص (المكتوب) المعتمد في فنياته – أساساً – على القراءة وليس على السماع المباشر.