أعرب دولة رئيس الحكومة اللبنانية تمام سلام، عن قلقه على مصير بلاده من استمرار الفراغ في سدة الرئاسة. وقال: إن عملية انتخاب رئيس جديد للجمهورية تقف أمام حائط مسدود بسبب غياب التوافق بين القوى السياسية اللبنانية والاقليمية. وأشار إلى أن الاجندات الخارجية حاضرة على الساحة اللبنانية، لافتا إلى أن 11 رئيسا لبنانياً، من 12، جرى انتخابهم بتوافق عربي إقليمي دولي.
وقال الرئيس سلام في حوار مع صحيفة «الشرق» القطرية، ويُنشر في «اليوم» بالتزامن: إن الحوار القائم بين تيار المستقبل وحزب الله، أرسى أجواء سياسية جيدة خففت حدة التوتر السياسي، لكنه لم يتطور إلى بلورة اتفاق سياسي على انتخاب رئيس جديد للبنان.
ونوّه سلام بعلاقة لبنان بدول الخليج، قائلاً إنها علاقة قديمة وعريقة وأخوية «لا تتوقف عند أحداث ومواقف سياسية هنا وهناك»، مشيرا بذلك إلى مواقف حزب الله، وأمينه نصرالله، التي لا تمثّل الدولة اللبنانية من قريب أو بعيد. وقال: لا ننسى المحطات التاريخية التي وقفتها دول الخليج إلى جانب لبنان في أحلك الظروف. وأشاد سلام بمواقف المملكة ودعمها للبنان حيث قدمت دعما سخيا غير مسبوق إلى الجيش اللبناني قدره أربعة مليارات دولار، وهو أكبر دعم في تاريخ لبنان.
وأعرب رئيس الحكومة اللبنانية عن شكره وتقديره لجهود قطر ومساعيها الداعمة للبنان منوها بجهودها لإنهاء ملف العسكريين المختطفين، قائلاً: إن قطر قدمت كل ما هو مطلوب منها للمساعدة في الإفراج عن العسكريين.
وحذّر الرئيس سلام من طروحات الفيدرالية وسائر الطروحات الهادفة إلى النيل من اتفاق الطائف، مؤكدا أن القوى السياسية لو أرادت استكمال مستلزمات دستور الطائف، لكان لبنان بوضع أفضل بكثير مما هو عليه الآن. وهذا نص الحوار:
شغور منصب الرئاسة
ـ مضى عام ولبنان بلا رئيس جمهورية.. إلى متى يظل منصب الرئيس شاغرا؟
لاشك أنها حالة غير طبيعية، ولها سلبياتها التي تتراكم على كل مستويات الوضع السياسي بالبلد. وبالتالي في ظل غياب التوافق بين القوى السياسية حول هذا الموضوع يبدو أن هذا الامر لا مخرج له.
ـ أليس هناك أفق في المدى المنظور، يمكن بلوغه لحل هذه القضية؟
المتابع للمواقف السياسية للكتل النيابية والقوى السياسية، فإن الامور تسير نحو مزيد من التعقيد بدلا من الحلحلة المطلوبة.
ـ أليس هناك شعور بالمسؤولية من قبل التيارات السياسية للخروج من هذه الأزمة؟
طبعا، كما هو متعارف عليه في كل الدول وفي كل المؤسسات في العالم، عندما يكون الجسم بلا رأس فلا بد أن يكون جسما غير مكتمل، وبالتالي غير مستوف لشروط القوة والمناعة. ومن هنا فإن غياب الرئيس، أو العجز عن انتخاب رئيس جديد للجمهورية، ينعكس سلبا على كل شيء. وليس هناك في الأفق ما يشير إلى أنه سيكون حلاً أو مخرجا لهذا الوضع.
الأوضاع الأمنية
ـ كما ذكرت دولة الرئيس، هذا الفراغ ينعكس على مؤسسات الدولة، وأيضا على مؤسسات أمنية، كيف يمكن الحؤول دون تفاقم الوضع والدخول في أنفاق مظلمة؟
لقد حاولنا جهدنا، من خلال حكومة المصلحة الوطنية الائتلافية، أن نحيط بتداعيات هذا الوضع الشاذ. وتمكنّا، بجهد كبير، من الاستمرار في معالجة العديد من الأمور من خلال السلطة التنفيذية، أي من خلال الحكومة. ومن أبرزها ما له علاقة بالأمن داخل البلاد. ونجحنا إلى حد بعيد، من خلال الأجهزة الأمنية والمؤسسات الأمنية والعسكرية، إلى درء أي من الأخطار داخليا في لبنان على المستوى الأمني.
واليوم، نحن ننعم بأجواء استتباب الأمن داخل البلاد مع ما يبقى هناك من تهديد على حدودنا الشرقية. وهذا التهديد يجري في ظل الأحداث في سوريا وهي أحداث مزعجة ومقلقة. ولكن الجيش اللبناني والمؤسسات الأمنية وقوى الأمن الداخلي يقومون، بما عليهم، في محاولة عدم إفساح المجال أمام هذا الخلل، وهذه الحالة الشاذة، من أن تنعكس على الوضع الداخلي في لبنان.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى. نعم، هناك صراع سياسي قائم في البلد. وهذا الصراع السياسي لا يساعد كثيرا. علما بأنه، بشكل ملازم للإنجازات الأمنية، هناك حوار قائم بين القوى السياسية الكبرى. وهذا الحوار يساعد على تلطيف الأجواء، ولكن إلى الآن لم يصل درجة إيجاد حلول جذرية للأزمة السياسية، ومن أبرزها انتخاب رئيس جديد للجمهورية. كذلك ينعكس هذا الأمر على أداء السلطة التشريعية كما السلطة التنفيذية. والسلطة التشريعية شبه مشلولة وشبه غائبة لامتناع الكتل النيابية الأساسية عن تفعيل دور التشريع ودور المجلس النيابي. وشلل السلطة التشريعية ينعكس سلبا على أداء السلطة التنفيذية المتمثلة في الحكومة، علما بأننا حققنا بعض الإنجازات، لكن الأمر يبقى دون المستوى طالما أننا لم ننتخب رئيسا للجمهورية، وبالتالي فإن استمرار الفراغ في رئاسة الجمهورية يعني أن الأمور لا تؤمل بالخير.
الخطة الأمنية
ـ دولة الرئيس لقد نجحتم بقيادة الحكومة، في هذه الحقبة الحرجة من تاريخ لبنان، وخصوصا تطبيق الخطة الأمنية؟
أنا لا أدعي هذا الإنجاز لنفسي، بل هو لجميع أعضاء الحكومة وجميع الكتل السياسية ساعدت على ذلك بشكل أو بآخر. ربما هذا الأمر كان يجب أن ينسحب بشكل أعمق وأوسع على مستوى انتخاب رئيس للجمهورية، ولكن مع الأسف لم نبلغ هذا المستوى.
ـ كيف تسير عملية تنفيذ الخطة الأمنية داخل البلاد؟
الخطة الأمنية قطعت شوطا كبيرا وربما، خروجا على العادة، شهدت هذه الخطة صيانة مستمرة على مدى سنة كاملة، لأننا مع الأسف متعودون على أن ننجز أمرا ما، لكننا لا نتابعه صيانة.
في هذا الأمر الصيانة الأمنية قائمة على قدم وساق. وقد سمح ذلك أن يترسخ هذا الأمن، مما أفسح المجال أيضا لاستقرار داخلي انعكس على قدوم كثير من الدعم من خارج لبنان وسعي كثير من الدول وجهات في القطاع الخاص لاستثمارات في لبنان وهذا مؤشر ايجابي.
الحماية من الحريق السوري
ـ في الوقت الذي نشهد فيه اشتداد الصراع في دول الجوار، وخصوصا على الساحة السورية، هل ما زال مؤملا تحصين لبنان من امتداد الحريق إليه؟
كما يعلم الجميع من بداية التوافق السياسي الذي حصل، وسمح بتأليف حكومة المصلحة الوطنية الائتلافية، كان لنا موقف واضح في البيان الوزاري، تم الإعلان عنه، وهو النأي بالنفس عن الأحداث الجارية في سوريا، ولكن بين الموقف والإعلان وبين التطبيق، مع الأسف، الأمر لم يكتمل. ما زلنا نحاول ونسعى إلى ذلك، لكن في ظل عدم اكتمال النأي بالنفس، هناك مخاطر من هذه الأحداث. والسعي لحماية لبنان من تداعيات الأحداث السورية، وهناك هاجس دائم يقلقنا.
ومهما تكن الظروف، فإننا سنستمر بالسعي داخليا لدى القوى السياسية المختلفة ولدى الدول المعنية إقليميا وعربيا، لحماية لبنان.
القلق من الفيدرالية
ـ بعض وسائل الإعلام اللبنانية عادت إلى الحديث، نقلا عن مصادر موثوقة، إلى موضوع الفيدرالية في لبنان.. هل يساورك القلق من هذا الموضوع دولة الرئيس؟
عندما لا تتقدم الأمور -كما ذكرت قبل قليل- فإن الوضع السياسي الشاذ، المتمثل بالعجز عن انتخاب رئيس للجمهورية، يفسح في المجال أمام تراكم العديد من السلبيات. وجزء من ذلك يتمثّل فيما أشرت إليه من طروحات، ومن تداول لأمور، فيها إضعاف لنظامنا ودستورنا وممارستنا الديمقراطية في البلد. هذا يجب الاعتراف به.
نعم، هناك تداول في موضوع الفيدرالية، وفي أمور اخرى، تُطرح من هنا وهناك، لمحاولة القول إن اتفاق الطائف أو دستورنا الحالي غير مستوف، لدعم الاستمرار في نظامنا السياسي الديمقراطي، ولكن كما يعلم الجميع، فإن هناك محاولات جرت عبر السنين للحؤول دون استكمال تعزيز ودعم هذا الاتفاق. وهذا الدستور ليس هو المسؤول عمّا نحن فيه اليوم، لأن القوى السياسية هي المسؤولة، لأنها لو أرادت أن تستكمل مستلزمات هذا الدستور، وهذا الاتفاق، ربما كنا في وضع أفضل بكثير مما نحن فيه اليوم.
إن إلقاء الموضوع على خلفية أن هناك تعثراً، في بنية النظام وفي تكوين النظام وفي دستورنا، هو في رأيي هروب من المسؤولية.
حاجة لبنان إلى طائف جديد
ـ نلاحظ أن الأصوات بين الداخل والخارج تتكامل وتتناغم، ففي الوقت الذي نسمع فيه أصوات تدعو إلى تغيير «الطائف» وإلى قيام مجلس تأسيس تقابله أصوات من الخارج تدعو إلى الفيدرالية، فهل أصبح لبنان بحاجة إلى «طائف» جديد أو «دوحة» جديدة؟
نحن طبعا مرحليا، أمام مناخ غير مريح نمر به، ولكن آمل ألا نضطر أن نصل بالبلاد إلى وضع يصل فيه العجز إلى كل شيء. ليس فقط على مستوى رئيس للجمهورية، لكن الواضح أنه في لحظة انتخاب رئيس جديد للجمهورية لا بد للدورة الديمقراطية، المتمثلة في السلطة التشريعية، أن تعود بصحتها الكاملة، ويعمل الجسم بكامل مكوناته.
التوافق العربي الإقليمي
ـ في تاريخ لبنان انتخاب الرئيس كان ثمرة عوامل خارجية سورية سعودية أمريكية إيرانية. هل ترى في الأفق ما يشير إلى احتمال توافق إقليمي على انتخاب رئيس جديد للبنان؟
ليس بجديد القول إن لبنان تقليديا، يتأثر كثيرا بمحيطة العربي والإقليمي والدولي في كثير من قضاياه واستحقاقاته منذ استقلاله إلى اليوم، وعلى رأسها موضوع انتخاب رئيس الجمهورية. وفي تاريخ لبنان 12 رئيسا للجمهورية تم انتخابهم في البلد، كانوا ثمرة توافق عربي وإقليمي باستثناء رئيس واحد بفارق صوت واحد وفوز فريق على آخر. وباستثناء ذلك الإنجاز الديمقراطي يمكن القول بكل بساطة إن الأحد عشر رئيسا جاؤوا نتيجة تأثيرات خارجية.
وآخر شاهد عيان هو ما جري في الدوحة عام 2008، حيث تم الاتفاق على مصالحة وطنية اتفق بموجبها انتخاب ميشال سليمان رئيسا للجمهورية.
نعم، هذا الموضوع يتطلّب المواكبة من دول الجوار ودول المحيط العربي والإقليمي. وفي رأيي فإن الأولوية تكون لتوافق لبناني يغنينا عن كل ذلك. ونحن نرحّب بكل من بادر ويبادر لمساعدتنا في هذا الاستحقاق. ـ لكن، هذا التوافق الداخلي مرتبط بأجندات خارجية؟
كما هو معلوم، فإن لبنان يتأثر بالأجندات الخارجية، والقوى السياسية اللبنانية تتأثر بالأجندات الخارجية. وهي لها ارتباطات في الخارج، ولها تواصل مع الخارج، ومن هذا التواصل تصبح الأجندات الخارجية حاضرة على الساحة اللبنانية.
لبنان والأزمة السورية
ـ محاولات الزج بلبنان في الأزمة السورية، ربما ظهرت من خلال قوات حزب الله التي تقاتل مع النظام السوري، وهو ما دفع فصائل أخرى للرد، مما عرّض سيادة لبنان واستقراره لاختراقات. هل يمكن أن يتوقف حزب الله عن المشاركة في القتال في سوريا لتجنيب لبنان تلك التداعيات؟
هذا السؤال يُوجّه إلى حزب الله في الحقيقة. ولكن نحن كما قلتُ: في حكومة المصلحة الوطنية الائتلافية نسعى مع الفرقاء، ومع كل القوى السياسية، إلى تجسيد ما اتفقنا عليه من النأي بالنفس عن أحداث سوريا. ولكن بين الموقف وبين التطبيق هناك مساحة ما زالت قائمة لا تساعد على تحقيق هذا الطرح المنشود.
ـ تقصدون النأي بالنفس كنتاج للحوار الوطني؟
المقصود هو النأي بالنفس كتوافق وطني حول حكومة المصلحة الوطنية، الذي ظهر جليا في البيان الوزاري للحكومة الذي بموجبه حازت (الحكومة) على ثقة مجلس النواب، لكن تجسيد ذلك يتطلّب استمرار الجهد على هذا الصعيد.
حوار الحزب وتيار المستقبل
ـ على رغم اشتداد الصراع الإقليمي وتورّط حزب الله في سوريا، وارتفاع حدة الخطاب السياسي بعد عاصفة الحزم، قد يكون من المستغرب استمرار الحوار الثنائي بين طرفيّ الصراع اللبناني والإقليمي حزب الله وتيار المستقبل، فما هي رؤيتك لهذا الأمر؟
إن هذا الحوار السياسي، الذي يواكب الاستقرار والثبات الأمني داخل البلاد، هو ضرورة في هذه المرحلة، ولكن هذا الحوار لم يتبلور ولم يتطور إلى تحقيق إنجاز على المستوى السياسي لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، ولا بد من القول إن هذا الحوار أرسى أجواء ومناخا من الهدوء ومن تبريد للمواجهات والخلافات السياسية في البلد. ونأمل أن يستمر هذا الحوار، فربما يتطور إلى شيء منتج، وليس فقط إلى شيء استيعابي.
العلاقة مع الخليج.. وشكر للسعودية وقطر
ـ مواقف حزب الله من دول خليجية، وخصوصا تصريحات نصر الله، ألم تؤثّر على مواقف الحكومة اللبنانية مع دول الخليج؟
علاقة لبنان واللبنانيين مع دول الخليج علاقة قديمة وعريقة، لا تتوقف عند أحداث سياسية هنا أو هناك. وهذه ليست المرة الأولى التي يمر بها لبنان من المواقف السياسية التي تؤدي إلى نوع من التجاذب والتصادم داخل لبنان على خلفية علاقته مع إخوانه العرب. ولكن في رأيي فإنه عبر السنين تكرّست علاقة أخوية تتجاوز هذه الأحداث وتتجاوز هذه المحطات والمراحل. وقد لمست مؤخرا أنه يوجد كثير من الصدام والتشنّج في المنطقة، ويعاني منه لبنان، كما تعاني منه دول الخليج.
وقد كان ذلك مدخلا لمزيد من توطيد العلاقة بين اللبنانيين ودول الخليج. ونحن (بادرنا) في مناسبات عديدة، وكان آخرها مؤتمر القمة العربي الذي انعقد في شرم الشيخ، إلى التأكيد على حرصنا على توطيد العلاقة مع إخواننا العرب وبالذات مع إخواننا في دول الخليج.
ونحن نعول كثيرا على الدور الذي تقوم به تلك الدول في احتضان الأعداد الكبيرة من اللبنانيين، في ظل نهضتها وفي ظل مسيرتها، والتمسك بدور اللبنانيين.
ولبنان يحرص أيضا على الحفاظ على أن يقدم اللبنانيون أفضل ما عندهم من العطاء في إطار الحرص على أفضل العلاقات مع دول الخليج. وإذا كانت هناك بضع حالات ملتبسة، فإن هناك عشرات آلاف من اللبنانيين المشاركين بشكل فعّال في مسيرة بناء ونهضة دول الخليج، وفي استمرار تطور وتقدم تلك الدول. ونحن حريصون على أفضل العلاقات مع دول الخليج.
إننا في لبنان لا ننسى المحطات التاريخية والكبيرة التي وقفتها دول الخليج إلى جانب لبنان في أحلك الظروف. فقد كان لقطر دور كبير لا ينساه اللبنانيون، وتمثّل في شعار رُفع في لبنان وردده جميع اللبنانيين وعُرف بكلمتين: (شكرا قطر). شكرا على كل الدعم في أوقات المحنة في أوقات الأزمة وفي أوقات الاستحقاقات الصعبة، عندما بادرت قطر إلى دعم ومؤازرة لبنان بإمكانات ضخمة لبلسمة جروحه وإعادة إعمار ما لحق به من دمار ومن خراب.
ودول الخليج أيضا، لا تتوقف عن دعم لبنان، فدعم المملكة العربية السعودية كبير وسخيّ وغير مسبوق في المجال الأمني، من خلال تقديم هبة بثلاثة مليارات دولار، ومن ثم رُفدت بمليار إضافي، لتصبح قيمتها الإجمالية أربعة مليارات دولار خُصصت لمساعدة الجيش والقوى الأمنية، وتزويدها بأفضل المعدات والأسلحة لتمكين الجيش من مواجهة الإرهاب والإرهابين الذين حاولوا أن يعتدوا على لبنان.
هنا أيضا، أود الإشارة إلى الدور القطري الذي يواكبنا بشكل حثيث في موضوع العسكريين اللبنانيين المخطوفين من قبل مجموعات إرهابية. وقطر لم تقصر في السعي إلى تقديم كل ما هو مطلوب للإفراج عن هؤلاء العسكريين.
ونحن في الماضي، استعنا بقطر في حالات من هذا النوع. وحصدنا نتائج طيبة، وتم الإفراج عن لبنانيين مختطفين. وقد شكرت سمو الأمير على جهوده الشخصية في متابعة هذا الملف.
ـ أين وصلت المفاوضات بخصوص ملف العسكريين المختطفين؟
هذا الملف، يعرف الجميع أنه شديد الحساسية، وليس من السهولة بمكان، وتتم متابعته وتحقيق مستلزماته للتوصل إلى نتائج مرضية. وكدنا نصل إلى الخاتمة، لكن طرأت تطورات، فعدنا من جديد لمقاربة الأمر، وما زلنا اليوم في ظل مساعي حثيثة، نأمل أن تحقق نتائج طيبة وغير بعيدة بإذن الله تعالى.
المكتبة الوطنية
ـ هناك مشاريع قطرية لبنانية من ضمنها المكتبة الوطنية، أين أصبح هذا المشروع؟
هذا الموضوع، أصبح عند نهايته، من خلال إعادة ترميم وتجهيز المباني الأثرية التي اعتمدناها لهذه المكتبة، وكان لنا فرصة منذ بضعة سنوات بوضع حجر الأساس لهذا المشروع برعاية حضرة صاحب السمو الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، وحضور صاحبة السمو الشيخة موزة بنت ناصر. وقد كانت مناسبة مهمة أعطت دفعا لهذا المشروع. وأعتقد أننا قريبا، سيتم شكر قطر مجددا، من خلال افتتاح هذه المكتبة التي أصبحت شبه جاهزة ومكتملة بفضل هذا الدعم القطري، وستكون مناسبة أيضا، لذا نتمنى فيها مشاركة قطرية لإعطاء المشروع حقه وتقديره.
قدرات الجيش
أشرتم دولة الرئيس إلى الهبة السعودية لتسليح الجيش اللبناني، فما هي قدرات الجيش اللبناني على بسط نفوذه على كل مناطق لبنان؟ وهل يمكن أن نرى الجيش وحده المسيطر على الأراضي اللبنانية؟
هذا طموحنا جميعا، وهذه رغبة جميع اللبنانيين لكي يتفرّغوا لشؤون حياتهم وإلى مشاريعهم واستثماراتهم في ظل مرجعية أمنية واحدة لكل لبنان ولكل اللبنانيين.
وهذا لابد أن يساعد على توحيد المواقف وعلى مواجهة كل الاعداء، لأن الجيش اللبناني هو جيش يضم اللبنانيين من كل الطوائف ومن كل المناطق ولكل اللبنانيين. والجيش هو مؤسسة ناجحة وعندها صدقية وقياده واعية، وإلى جانبه أيضا المؤسسات الأمنية الأخرى، من قوى أمن داخلي وأمن عام ومؤسسات أخرى من الاجهزة الامنية، كلها ناشطة وفاعلة، ويجب ان تعطى حقها كاملا وان تحصر كل الامور العسكرية والامنية فيها.
مصير قادة الأجهزة الأمنية
ـ بخصوص الاجهزة الامنية دولة الرئيس، نحن أمام استحقاق كبير يتعلق بانتهاء ولايتي قائد الجيش ومدير عام قوى الأمن الداخلي لبلوغهما سن التقاعد. كيف سيتم التعامل مع هذا الأمر الذي يشغل بال اللبنانيين؟
أهمية الإنجازات الأمنية الكبيرة التي حدثت السنة الماضية وما سبقها، تعود في جزء كبير منها إلى حسن قيادة هذه المؤسسات، وبالتالي هي مؤسسات تتجاوز الأشخاص، وهكذا يجب أن يكون حال جميع المؤسسات، ونرى أن كل ما من شأنه أن يعزز هذه المؤسسات يجب أن نقدم عليه. ونرفض أن يتحول الاستحقاق إلى مناسبة لإخضاع قيادة هذه المؤسسات إلى التجاذبات السياسية والصراع بين القوى السياسية. ونحن نرى أن استقرار هذه الأجهزة له أولوية وضروري، وخصوصا على مستوى القيادة، فإذا كان هناك عجز بين القوى السياسية للتوصل إلى اختيار قادة الأجهزة، فلا بد من عدم تعرّضها للفراغ وأيضا للشغور في مستوى القيادة.
لا يوجد فيتو على الجيش
ـ هل صحيح أنه يوجد فيتو على تسليح الجيش اللبناني من قبل دول كبرى وفاعلة إقليميا ودوليا؟
لو كان هناك فيتو، لما أتت مساعدات من الخارج إلى هذا الجيش. هناك المساعدة السعودية الكريمة وغير المسبوقة، وهناك المساعدات التي تأتي من أمريكا وغيرها من الدول مثل فرنسا وبريطانيا. وأؤكد أن الدول القادرة والتي لديها صناعات عسكرية لا تتردد في تقديم كل عناصر الدعم للجيش اللبناني.
ـ هل تسليح الجيش نوعي وفعلي؟
تسليح الجيش نوعي فعلي بالسلاح والتدريب والتنظيم وهو الذي ساعدنا ويساعدنا اليوم على قيام الجيش والمؤسسات الامنية على مواجهة الارهاب، والإرهابي ومن بسط سيادتها على لبنان بأكمله. وكل من يساعدنا يعلم ان جيشنا يبسط السيادة والامن في البلاد ويتصدى للإرهاب والارهابيين.
عاصفة الحزم
ـ فيما يتعلق بعاصفة الحزم كيف تنظرون الى هذا التحالف العربي والى دوره في المستقبل؟
نحن اليوم بصدد ما نتج عن مؤتمر القمة العربية التي عُقدت في شرم الشيخ لجهة تشكيل قوة عربية مشتركة لمواجهة الإرهاب. وهذا الامر موضع درس وبحث في المنطقة وهناك اجتماع نهاية الاسبوع القادم لمتابعة هذا الامر، وقبل ذلك كان هناك اجتماع قبل اسبوعين. ونأمل ان يتبلور عن هذا الاجتماع ما من شأنه ان يعزز القدرة العسكرية العربية في مواجهة هذه التحديات. ولبنان هو عضو من هذه السرة العربية. وسوف تستقر الامور الى ما تنتهي اليه المقررات الختامية بين قيادات الدول على هذا الصعيد.
مصير الموازنة يواجه لبنان هذه الايام مشكلة اقرار الموازنة حيث يشتد التجاذب السياسي بين القوى والتيارات السياسية بشأنها فهل سيتم إقرارها؟
موضوع الموازنة قائم اليوم في ظل جلسات متلاحقة يقوم بها مجلس الوزراء ونأمل ان يتم التوصل الى تفاهم بهذا الشأن. ولكن يبقى موضوع اقرار الموازنة من قبل السلطة التشريعية وهذا مرهون بانعقاد مجلس النواب ليس لإقرار الموازنة وحسب، وإنما لإقرار سلسلة من مشاريع القوانين الحيوية التي نحن بحاجة اليها. لكن الوقت بدأ يضغط علينا حيث إنه في نهاية هذا الشهر تنتهي مدة انعقاد الدورة التشريعية الاولي. وفي غياب رئيس الجمهورية ليس هناك امكانية لفتح دورة استثنائية، وبالتالي تذهب الامور الى شهر تشرين/اكتوبر. وهذا سينعكس سلبا على الاداء.
ـ وماذا سيكون مصير الموازنة؟
قد لا يكون هناك مصير للموازنة. وكما هو معلوم منذ عشر سنوات يُدار البلد بدون موازنة مع الاسف. وهذا امر يضعفنا ولا يسعفنا على مستوى الداخل والخارج.
ـ كيف تنظر الى الوضع الاقتصادي دولة الرئيس؟
الوضع الاقتصادي ضاغط والاوضاع تتطلب مناخا انتاجيا وتتطلب اجراءات تشريعية وفي ظل غياب السلطة التشريعية واقرارها لقوانين ملحة لدعم الاقتصاد. تجعلنا نعاني غياب تلك الاجراءات. فالنظام الاقتصادي يحتاج رفده بتشريعات جديدة تتطلب ايضا حدا ادنى من التوافق السياسي. تساهم في جذب الاستثمارات وتنعش حراك رجال الاعمال.
محكمة ميشال سماحة
ـ اثارت مكمة الوزير السابق، ميشال سماحة، ردود افعال غاضبة عبرت عنها بعض التظاهرات الغاضبة في طرابلس فما هو موقفك من هذه القضية؟
هذا امر في يد القضاء، وعلى القضاء ان يجري فيه ما يراه مناسبا، ونحن كسلطة تنفيذية لا نتدخل في شؤون القضاء. ولكن نتمنى من القضاء ان يتفهم الظروف المحيطة بهذه القضية، ونأمل ان يكون القضاء على المستوى، لان القضية حساسة والاحكام فيها يجب ان تعزز الامن والامان داخل البلاد. ويجب ألا يعطي صورة بانه غير قادر عن اتخاذ القرارات التي تحقق العدالة وتساعد على ملاحقة وضبط الخارجين عن القانون. وكما يعرف الجميع فإن الامر له جانب امني يتمثل في التعاطي مع مستلزمات امنية لإقلاق الوضع، وكذلك له جانب فتنوي.
الشق الامني ليس بالضرورة تقييمه بحجم القتل والدمار، انما بمدى تسببه من فتنه داخل البلد يتم ايقاعها بين اللبنانيين انفسهم؛ طوائفيا ومذهبيا. وهذا مررنا به منذ فترة وكدنا ندفع ثمنا غاليا لو لم يتم القضاء على كل المحاولات التي تريد الاذى بالبلد.
تفعيل الاتفاقيات القطرية اللبنانية
ـ كانت لكم زيارة الى قطر قبل اشهر، كيف تنظرون الى مستقبل العلاقات اللبنانية القطرية؟ وكيف يمكن تفعيل الاتفاقيات المشتركة بين البلدين؟
في ظل لقاءاتي الشخصية مع سمو الامير الشيخ تميم بن حمد بن خليفة آل ثاني، في مناسبات عديدة كنت دائما ألمس مدى حرصه واهتمامه بما يعود بالخير على لبنان واللبنانيين.
ولمست مواقفه الجلية الداعمة للبنان. وهو موقف عربي اصيل يستحق التقدير. واعتقد ان سمو الامير سيكون سباقا في مساعدة لبنان وإنقاذه. وهو يعرف لبنان واللبنانيين اكثر منا، وهو يعرف المعاناة التي نمر بها ويمر بها عالمنا العربي، واعانه الله في المرحلة التاريخية والمهمة من تاريخ المنطقة على اتخاذ المواقف التي تعزز الوحدة والشموخ في عالمنا العربي.
الرئيس سلام في الحوار مع الزميل جابر الحرمي