(اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) أفبعد قول الله عز وجل من قول؟ أو بعد الإسلام والاستسلام والمسالمة والسلم من قول أو عمل بين المسلمين إلا التراحم والإرشاد بالعقل والحب واللين والكلمة الحسنة؟ أيعقل أن يأتي جاهل امتلأ غرورا ويظن أنه يصلح دين الناس بالسيف والمتفجرات!! لا والله لا يعقل ولكنها دناءة البشر وأطماع البشر وجنون ما بعده جنون يغلف بالدين ويستتر بالإصلاح وخلفه ما خلفه من أطماع سياسية غرقت مخططاتها بدماء المسلمين التي أسالها الفجور والطغيان البشري حين يتلبسه الشيطان فيزين لهم القبيح، ويشوه كل جميل أراده الله للناس والحياة.
فجيعة أخرى فجعنا بها الأشرار أياً كان اسمهم وانتماؤهم، ودماء مسلمة سالت مع تكبيرة الإحرام في واحد من بيوت الله. فجيعة رتبت أحداثها باسم الشر والكره والحقد والرغبة الشيطانية المحمومة في نزع فتيل الفتن في بلد آمن مطمئن يعمل فيه الجميع على صناعة الحياة وتنميتها بكل متطلباتها؛ ليحقق الإنسان فيها أسباب وجوده فيها فيما بينه وبين الله، وفيما بينه وبين البشر. هكذا في لحظة وبضغطة زر على الشر تتطاير أشلاء جسد ركبه الشيطان فيقتل نفسه ليقتل!! لا في ساحة للحرب؛ بل في ساحة للطهر والعبادة والوقوف بين يدي الله الخبير العليم. وكأنه جاء إلى هناك ليتأله على الله!! كأنه جاء برسالة غير رسالة محمد الذي جاء رحمة للعالمين. محمد الذي كان على خلق عظيم وجاء بشيراً ونذيرا، وما جاء ليقتل، جاء بالكلمة الحسنة وما جاء بالسيف إلا لمن اعتدى.
فإذا لم يكن كل ذلك الشر باسم الدين فهو باسم السياسة؛ وهذه أشد وطأة منهم وأشد في الاستنكار منا، فتلك السياسة الخرقاء لا تتردد في توظيف أي شيء وكل شيء من أجل تحقيق مآربها بما في ذلك الدين فقبحت من سياسة وقبحت من أهداف تتلاعب بالعقول باسم الدين! وهنا تكون الجناية مضاعفة منهم، وتتطلب منا مقاومة مضاعفة ليست مقاومة سلاح بل مقاومة عقول حرفت معاني الذكر الحكيم ونظرت إلى بعضه وأعرضت عن بعض!! وإلا فأين أولئك عن قوله تعالى ( من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً) ألا تكفي هذه الآية لتضيء للناس الدروب المظلمة التي ملأت قلوبهم وعقولهم بالسواد. ألا تكفي هذه الآية لتسترشد بها الدول فتسن القوانين التي تقف بالمرصاد لكل من سولت له نفسه أن يسعى بالفساد العملي أو اللفظي التحريضي الذي يجر إلى القتل كاستخدام ذلك القاموس الدموي الذي راج بين بعضهم وهو يمتلئ بألفاظ مثل التكفير وحز الرؤوس والجهاد الشيطاني الأسود. ألا تكفي هذه الآية التي جمعت بين أثر القتل وأثر الإحياء لتنير العقول. ألا تكفي ليكف الجميع عن التأله؟! بلى والله إنها كافية شافية لمن يتدبر فما بال أقوام يصدون عن الحق ويدعون أنهم حُماته؟
عضو هيئة التدريس بجامعة الدمام