أبعث عزائي الصادق إلى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز «أيَّده الله» في أبنائنا الذين فقدناهم ظهر الجمعة الماضي في مسجد الإمام علي بن أبي طالب بمدينة القديح من محافظة القطيف شرقي بلادنا المقدسة.. فالملك سلمان هو قائدنا ومليكنا ورمز التسامح.
عزائي إلى أهالي وذوي الضحايا الذين فُجِعوا في آبائهم وأعمامهم وأخوالهم وإخوانهم وأبنائهم.. لقد أودى هذا الحادث الخسيس بأرواح أبرياء كانوا يؤدون صلاة الجمعة إيمانًا بالله.. وهم ساهموا أو يُعِدُّون أنفسهم كذلك لخدمة الدين والوطن.. وكلهم ـ كما عرفت فيهم آباءً وطلابًا في المدارس ـ ولاءٌ للملك سلمان وقيادته الرشيدة.
عزائي إلى جميع المواطنين في كل هجرةٍ ومزرعةٍ وواحةٍ وقريةٍ ومدينة، وفي كل جبل وصحراء.. فالمصاب واحد.. والمصاب جلل.. والحزن واحد.
ودعواتي للمصابين والجرحى بالسلامة والشفاء العاجل والعودة لخدمة أهاليهم ووطنهم.
أيُّ عمل هذا؟
إنه اعتداء سافر على الأرواح وعلى المسجد وعلى المصلين في يوم جمعة، وأثناء تأدية صلاة الجمعة.. إنه غدرٌ واضح وقتل متعمَّد في يوم الجمعة.. إنه قتل بالجملة وقتل بالهوية لأبرياء تجرّدوا من كل شيء من حطام الدنيا، ووقفوا بين يدي خالقهم يطلبون المغفرة والجنة.. إنه عمل ضالٌّ لا ينبع من الدين ولا يرتبط بالدين.. إنه عمل يمقتُه الإسلام الحنيف.
مَن هم أصحاب هذا العمل الخسيس؟؟
إنهم ضالُّون لا يدينون بالإسلام، دين كرامة الإنسان، دين حماية الأرواح، دين المحافظة على حياة الإنسان.. أين هم من القانون الإسلامي الذي يرى في قاتل نفسٍ واحدةٍ (فكيف بعشرات الأنفس) أنه كمن يقتل الناس جميعًا؟
إنهم كما وصفهم الشاعر المبدع اللواء عبدالقادر كمال:
فَجَّرَ المسجدَ والقومُ سُجود داعِشيُّ الفِكرِ شيطانٌ حقود
يبتغي الفِتنةَ في أوطانـــنـا ويُنــادي فُرْقــةً بين الحشود
ما هي أهدافهم؟؟
واضح أنهم يريدون كسر اللحمة الوطنية التي نمَّاها مبدأ المساواة بين جميع المواطنين، وغذَّاها الأمن الذي لا يُميّز بين مواطنٍ وآخر، ولا بين منطقةٍ وأخرى؛ الأمن الذي هو حقٌّ للمواطن وللمقيم على السواء.. الأمن الذي يحمي هذا الوطن الذي يعيش على ترابه مع أهله عشرات الجنسيات من أغلب دول العالم يعملون في هدوء مكفولةٌ حقوقهم، سليمة أموالهم.. هذا الأمن الذي يُخطط له وينظمه ويدير مناشطه قادتنا الممتلئة قلوبهم بالإيمان، قال تعالى: (الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ). (الأنعام: 82).
وبهذا تأتي أهداف الضالين عدمية لا تؤمن بالحياة.. تأتي أهدافهم ظلامية لا تعرف النور بل تموت فيه.. تأتي أهدافهم مضطربة لا تعرف الماضي، ولا تؤمن بالمستقبل.
إنهم يريدون التفريق والفُرقة بيننا.. ولكن هيهات.. وندائي لأهلنا في القطيف، وفي الرياض، وفي الباحة، وفي مكة المكرمة والمدينة المنورة، وفي جازان، وتبوك، وفي كل مكان من بلادنا المقدسة.. ندائي إلى كُتَّابنا ومفكرينا من أبناء المنطقة الغربية، والمنطقة الشرقية، ومنطقة الرياض، ومنطقة نجران، أن يُطبِّقوا ما يكتبون وما ينصحون به على أنفسهم وأهليهم.
إننا جميعًا نريد من هذه الوحدة بين أبناء الوطن التي بناها قادتنا ويحرسها رجال الأمن الأشاوس أن تكون سلوكًا يوميًا يصبغ أساليب حياتنا ويطبع العلاقات بيننا في المنازل، وأماكن العبادة، في دور العلم والتعليم والسوق، وفي جميع المناسبات.. إن هذا في نظري واعتقادي هو الردّ على أهل الفتنة والضلال.
إنهم يريدون أن نتخلى عن أشقائنا في فلسطين وسوريا والعراق وليبيا وغيرها. إنهم يريدون إيقاف (عاصفة الحزم).. وهذا بعيد عن مسامعهم وأبصارهم.. إنهم يريدون تعطيل عملية (إعادة الأمل لليمن)، وهذا موضع خسارتهم وموضع حسرتهم. إن (العاصفة) ستستمر إلى أن يتحقق لليمن أمنه واستقراره قريبًا «بإذن الله»؛ وإن (إعادة الأمل) ستستمر حتى تعيد لليمن سعادته وحكمته.. إن ساعة الباطل (الحوثي ومَن معه في اليمن ومَن وراءه خارج الحدود) ما هي إلا ساعة يُنهيها صوت الحق الذي يدوم إلى قيام الساعة.
إن أهدافهم لن تتحقق.. وإن الفشل حليف لهم كما يدلُّنا على ذلك منطق الأشياء وسنن الكون.
مرحى... مرحى!!
زيارة سمو الأمير سعود بن نايف بن عبدالعزيز للمصابين في المستشفى كانت تحية صادقة وبلسم شفاءٍ وعافيةٍ للمصابين وذويهم.. بل إنها كانت تعبيرًا صادقًا عن مشاعر كل مواطن على أرضنا.
عبَّر المصابون عن شعور الانتماء للمليك والوطن فحيّوا ملكهم ووطنهم بعباراتٍ صادقةٍ جميلة.. استوقفني أحد المصابين وهو يخاطب سمو الأمير سعود معبِّرًا عن حبّه للدين والملك والوطن، وختمها بقوله: "إنني أحب هذه الارض (الوطن) وأقبِّلُها (بتشديد الباء وكسرها).
جميلةٌ هي عبارات العزاء والمواساة التي نشرها أبناء قبيلة بني خالد على صفحاتٍ كاملةٍ في صحفنا السيّارة إلى إخوانهم من أبناء القديح ومحافظة القطيف والمواطنين جميعًا.. إنهم بنو خالد الأوفياء في علاقاتهم وحياتهم المشتركة مع أهلنا على الساحل الشرقي لبلادنا.. ومَا نحن إلا أبناء بلدٍ واحدٍ أكرمنا الله فيه بالإسلام وحكم الإسلام.
جميلة هي المشاركة الوطنية في تشييع ضحايا الاعتداء الغاشم فقد ذاب الجميع في ذلك الحشد الهائل الذي يبلغ مئات الآلاف وكلهم دعاءٌ للضحايا ودعاءٌ للمصابين ودعاءٌ للوطن ودعاءٌ لرجال الأمن ودعاءٌ للملك «أيَّده الله».
اللهم إن أبناءنا في بلدة القديح قُتِلوا غدرًا وحرقًا وإرهابًا وغيلة وهم يؤدون صلاة الجمعة.. فاقبلهم يا رب عندك في الشهداء.
نحن والإرهاب
تعرَّضتْ بلادنا لموجاتٍ إرهابيةٍ على مدى السنين والعقود الماضيات.. إرهاب فكري، إرهاب سياسي، إرهاب تدميري، إرهاب عدمي، إرهاب ظلامي.. وتمت مواجهة ذلك بالصبر والحِكمة والعدل (وأقول العدل) والحرص على أرواح المواطنين والمقيمين.
واليوم تقف بلادنا قوية لا يهزها حادث ولا يرهبها تآمر «والحمد لله». وها هو قائدنا وزعيمنا ومليكنا يقول: «إن كل مشاركٍ ومخططٍ أو داعمٍ أو متعاونٍ أو متعاطفٍ مع هذه الجريمة البشعة سيكون عُرضةً للمحاسبة والمحاكمة، وسينال عقابه الذي يستحقه».