في لحظة من لحظات التجلي بين الخلق والخالق، وفي بيت من بيوت الله التي يعمرها من آمن بالله، وفي يوم فضيل من أيام التقرب إلى الله بالدعاء والعبادة الخالصة لوجهه تعالى هو يوم الجمعة.. في هذه الأجواء الروحانية التي تمتلئ فيها النفوس بالإيمان والقلوب بالمحبة والعقول بالتفكير في نعم الخالق التي لا تعد ولا تحصى، ومنها الأمن في النفوس والطمأنينة في القلوب.. في هذه اللحظات الحميمة.. يسفر الحقد عن وجهه القبيح، ويأتي الانفجار الكبير في بلدة آمنة مطمئنة عرف أهلها بالطيبة والكرم وحسن المعشر، لتصحو القديح ومعها الوطن كله على هول الكارثة، وفداحة المأساة بانفجار في مسجد الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه هز أركان نفوس وقلوب وعقول المخلصين من أبناء الوطن، الذين آلمهم النبأ.
ولما يمضي أسبوع حتى كانت المفاجأة التي لا تقل ألما بمحاولة تفجير مسجد الإمام الحسين بن علي رضي الله عنه في حي العنود بالدمام، وفي يوم الجمعة أيضا، وفي رحاب بيت من بيوت الله، فالأيدي القذرة التي وصلت إلى القديح والعنود لا تستهدف القديح وحدها ولا العنود وحدها، إنما تستهدف الوطن بكامله، وهو أمر لا يغيب عن أذهان المنصفين الذين يرون أن هذا الوطن بمختلف مناطقه ومختلف مكوناته المذهبية، إنما هو مستهدف من أعداء نذروا أنفسهم للشيطان، وأبوا إلا أن يزعزعوا أمن هذا الوطن، لكن وعي المواطن قد فوت عليهم هذه الغاية الخبيثة، عندما التف المواطنون حول أشقائهم في القديح والعنود، كما التفوا سابقا حول أشقائهم في الدالوة، كما سيلتفون حول إخوانهم في أي جزء من هذا الوطن إذا تعرض لمثل هذا الإرهاب البشع، لا قدر الله.
شهداء القديح والعنود هم شهداء الوطن، واقع تتلاشى أمامه كل محاولات التشكيك أو التصيد في المياه العكرة التي لوثتها أيدي الآثمين من أعداء الحياة، الذين يسفرون عن وجوههم الكالحة بسواد العار والخيانة والأحقاد الدفينة، والتي يشعل أوارها دعاة الفتنة ومروجو الأفكار الضالة، والعاملون على تقويض أمن البلاد والعباد، وتشويه صورة الإسلام بالإساءة إلى رموزه تارة، وبالتكفير تارة أخرى، لا فرق في ذلك بين سنة وشيعة، فالكل في قارب واحد وعلى الجميع تقع مسئولية إنقاذه من أمواج تسونامي الطائفية الذي إذا استفحل دمر كل ما حوله، وإذا استوطن في أرض حوّلها إلى خراب لا تقوم لها قائمة بعده، والعياذ بالله.
لقد خاب أمل الأعداء، لكن نعيق أتباعهم ما زال يثبت أن مرحلة القضاء على هذه الأصوات طويلة، وتستدعي الحكمة والصبر والصمود أمام هذا التحدي الشرس الذي يواجهه بشجاعة هذا الوطن ومواطنوه، وإذا كان التفجير اليوم في مسجد للشيعة في القديح وآخر للشيعة أيضا في الدمام، فلا نستبعد أن يكون التفجير القادم في مسجد للسنة وفي أي مكان، لصب الزيت على النار، فتزداد نار الفتنة اشتعالا في غفلة من المنشغلين بتبادل الاتهامات والتحريض والعزف على وتر الطائفية، بما فيه من أصوات نشاز، ونغمات مشروخة تؤذي من يستمع إليها، بل وتصيبه بالصمم، لكي لا يسمع ما يدور حوله من مؤامرات وخيانات وتحريضات وتحشيدات وغياب تام عن رؤية حقائق الأمور، التي تقول ان المستهدف ليس الشيعة فقط، بل الوطن بكل مكوناته المذهبية، وإن لم نعِ هذه الحقيقة، فإن المستقبل لا يبشر بالخير، وعلى المدى البعيد ستدفع أجيالنا القادمة الثمن غاليا، وبشكل أكبر مما يدفعه جيلنا، رغم فداحة ما ندفعه الآن من خسائر، من أرواح الأبرياء الذين استشهدوا بين أيدي خالقهم، ليصبحوا خالدين في ذاكرة الوطن والأمة والعالم.
وفي الأجواء المشحونة بالتوتر والتوجس والشك والاتهامات المتبادلة.. تنمو نار الفتنة، ويتطاير شررها ليصيب القريب والبعيد، ويدفع ثمنها الصغير والكبير، ويكتوي بلظاها السني والشيعي، فالإرهاب أعمى لا يميز بين الناس وأماكنهم ومعتقداتهم، والعقلاء وحدهم هم من يقدرون على الإمساك بزمام الأمور حتى لا تتفاقم، ويروضون الجموح حتى لا يتضخم، ويرشدون الجهلاء إلى طريق الصواب، والناقمين إلى التعقل، والمتهورين إلى الهدوء، والمحرضين إلى ضبط النفس الأمارة بالسوء، والموالين لغير الوطن إلى الولاء للوطن دون سواه.
رئيس مجلس إدارة نادي المنطقة الشرقية الأدبي