DAMMAM
الخميس
34°C
weather-icon
الجمعة
icon-weather
34°C
السبت
icon-weather
37°C
الأحد
icon-weather
33°C
الاثنين
icon-weather
34°C
الثلاثاء
icon-weather
36°C

ذكريات من الماضي.. «8»

ذكريات من الماضي.. «8»

ذكريات من الماضي.. «8»
وكان السكن الأول لنا عند وصولنا إلى أبها في حارة (البديع)، وهي عبارة عن ساحة مشهورة يسكن بها عدد كبير ببيوت طينية متلاصقة من أبناء المناطق النجدية والقصيمية وبعض مناطق المملكة والذين حقّا كانوا لا يشعرون بالغربة بينهم، بالإضافة لأهل أبها وكانوا جميعاً أشبه بالسوار على المعْصم وعوناً بعد الله للوالد بعد استقراره بينهم. ومن الظريف أن الوالد الغالي أطلق على نفسه بعد انتقاله من مكة المكرمة إلى أبها لقبا وذلك من باب المداعبة (بالغريب)، وصار ملازماً له ولا يُدْعى إلا به، وكانوا جميعاً أسرة وعائلة ويداً واحدة. وأتذكّر من ساكني البديع وجيران ذلك الزمن الجميل الأعمام إبراهيم وصالح ومحمد وعبدالعزيز الحمد القبيسي، ومحمد بن سلمى، وسليمان الغنيمي ويلقّب (بالحيلي)، وزامل الصالح السليم، والشيخ علي بن فراج العقلا -رئيس هيئة الأمر بالمعروف- وتولى المنصب بعده الشيخ عبدالله العواد، وسعيد المحبّ، وآل شاهر النهاري، والشيخ عبدالله الحكمي، ومحمد عارف وكان يتحدث اللغة التركية بطلاقة، ومحمد بن مسعود وكان -رحمه الله- مالكاً للبيت الذي أستأجره الوالد منه عند وصوله لأبها، وعبدالله حرقان، وحسين بن حمران والد الأخ العزيز علي رجل الأعمال وتاجر المجوهرات صاحب مجمع بن حمران بجدة، ومصطفى بن عزيز، وعبدالعزيز الشبل، وأمين العسكري، ومعيض بن حنبص، وسعد بن حاضر، ويحيى بن منجي أبو قاسم، وإبراهيم النحاس وكان مشهوراً بدكانه الخاص بصناعة الدلال والنحاس، ومحمد بن عزيز، وعبدالله بن الياس، ومحمد بن مسلّط، وإبراهيم الجفالي، وإبراهيم الشويعر، ومحمد بن سلطان الدوسري. وذكر لي خال أولادي الأخ إبراهيم الصالح القبيسي (أبو مشاري) والذي تكرمّ مشكوراً بتزويدي بمعلومات عن بعض الأسماء لجيراننا من ساكني حيّ البديع بأبها معلومتين عن امرأتين كان لهماّ دور كبير في الضيافة وتوليد النساء من الأمهات من الجنسين الأولى: اسمها الجحْليّه وهي امرأة مكافحة وتلقب (بالمعزّبه)، كان لديها منزل بغرف محدودة تستقبل فيها زائري أبها أو المارّين بها للراحة وشرب الشاي والقهوةوطبخ بعض الوجبات بمبلغ رمزي زهيد، وكان موتيلها المتواضع جداً حينذاك بمثابة فندق خمسة نجوم، بل كان أفضل منها راحة ومعيشة ونظافة، والمرأة الأخرى اسمها خفْره، وكان الأبناء من الجنسين ينادونها (بالجدّة)، حيث كانت كما يسمّى يومنا هذا بطبيبات أو ممرضات التوليد، فما أن تحين ولادة أي امرأة بالبديع حتى يتم إيقاظها منتصف الليل من النوم والاستنجاد بها وتحضر للقيام بعملها الخاص وتوليد المرأة، حيث كان يتّم ذلك داخل البيوت وتحديداً في المطبخ وبواسطة المياه الحارّة ودفء حرارة موقد الحطب ويسمّى بلهجة أهل عسير (الْميفَا) والذي يتم من خلاله الطبخ واعداد الخبز الأبهاوي اللذيذ وغيره من الغذاء اليومي (على الحطب)، وأتذكّر أن الكثير من اخواني وأخواتي حينذاك تمت ولادتهم بهذه الطريقة، حيث لم تكن هناك مستشفيات أو عيادات طبية خاصة تقوم بالتوليد بما هو معمول به اليوم سوى مستشفى أبها العام والوحيد، وكانت الولادة تتم بفضل الله بسلام ووالله طلّعت رجال! وفي هذا المجال أتذكّر أمّي (مهره العبيدية)،وكان اختصاصها معالجة الأطفال من التهاب الحلْق واللوزات، حيث تقوم بوضع أصبعها الأيمن في وعاء به سمن برّي دافئ وتدخله في حلق الطفل وتخرج جميع المواد الضاّرة ومسببّة الألم له بشكل مذهل، أما الطفل الذي يشكو من نزْلة معوية أو يتلّوى من مغص باطني فكانت تُحْضر سلْكاً من المظلّة الشمسية وبعد درجة عالية من الإحمرار بالنار تكْوي به بسرعة وخفّة يد جميع العروق السوداء ببطن الطفل!! وما هي إلا أيام وبفضل الله يعود الطفل لحياته الطبيعية رضاعة وغذاءً وأكثر صحة وعافيةً من ذي قبل، رحمهن الله جميعاً بعد أن تركن أثراً وذكرى لن تنسى بين الأجيال، وأتذكر من أهل نجد وما جاورها محمد المطرفي، ومنيع البلاع، ومحمد الراجحي، وعلى الحمود، وصالح العصيمي أبو مقبل، وسليمان المشيقح، وإبراهيم الثميري، وعبدالله الشبانه، وكان البعض منهم يعملون في جهات حكومية والبعض الآخر يزاولون التجارة بكافة أنواعها، وكانت الثقة موجودة بين البائع والزبون، مجرد يسجّل في الدفتر وينتظر التسديد حسب قدرة المشتري والذي يلتزم ويفي بوعده بالسداد متى أفرج الله عليه ببيع منتجاته، كان بينهما كلمة سواء أن ساعدته الظروف وإلا الله يسامحك لأنه واثق من عدم قدرته على الوفاء لظروف ذلك الزمن، والشيء بالشيء يذكر من الطريف أن الجار عندما يفتقد لبعض المؤونة ترسل صاحبة البيت لجارتها أحد صغار أبنائها أو بناتها وتقول لها بالحرف تقول أمّي أعطينا شوي سكر أو شاي أو حتى كبريت واذا اشترينا رجّعناها لكم! وبالفعل يتم إعادة السلف أضعافا مضاعفة! كم كان الناس في ذلك الزمن الجميل يحملون قلوباً واسعة طاهرة نقيّه بينها تراحم ولا تعرف الحسد والضغينة، ولا أُبالغ بأن جميع بيوت البديع مثلاً كأنها مجلس واحد متداخلة وأهلها كأنهم أسرة واحدة. فعلاً انه الزمن الجميل! ولحديث الذكريات بقية بإذن الله