كانت عملية قسطرة ظننتها بسيطة حين قيل لي إنها ستكون بوعيٍ كامل، وكنت أراقب آلة التصوير وهي تدخل الشرايين والقلب، ولم أخبر والدتي خوفا عليها، وحين قيل لي الآن سوف تتألم قليلا، طلبت مكالمتها لأنني كنت بحاجة إلى دعائها، وما بين رفضهم وإصراري خرجت هذه القصيدة.
رأيتُ الموتَ فامتدتْ
يدي تستأخرُ الموتا
لدي قصيدةٌ أخرى
زرعتُ حروفها صمتا
فيا موتُ انتظر بالبابِ
لا تخمدْ لنا صوتا
يضيقُ الصدرُ لا أدري
بأن مساحةَ الشريانْ
تضيقُ كنظرةِ الأعمى
تخيفُ كحكمةِ الظمآن
إذا ما اسودت الدنيا
بوجهكَ وابتدت أحزانْ
رأيت الموت مدفوعا
بفأسٍ يقطع الأشجارْ
كمن في صدره ثأرٌ
على الغابات والأزهارْ
يدٌ تجثو على عنقي
وأخرى تحبس التيارْ
فقلت وكنتُ أقصده
ألم تعجك أشعاري
فأطرق غير مكترثٍ
لآمالي وأعذاري
وغادر لم يجد سببا
ليطفأ كل أنواري
كأن سفينة تمشي
بلا ماءٍ على اليبسِ
أحسُّ خطاه ثابتة
بها من وثبة الفرسِ
أخبئ رأس أوردتي
مخافة رنة الجرسِ
لمست الخوف فانفرجت
مخاوفُ صدريَ المثقلْ
بهجر حبيبةٍ وبما
يراودُ بالوغى أعزلْ
كأني رأسُ سنبلةٍ
ترى في نومها المنجلْ
لمستُ الوقت فانشهرت
سيوفٌ كي تقطّعه
فلامس في يدي دفئا
مخافة أن يروعه
غفا لم ينتبه للموت
كان يمدُّ اصبعه
أتى بسلاله زحفا
كأني موسم التفاحْ
يساوي الطائر الأعمى
مع الوحشي والصداح
ومن يأسٍ همست به
لعلك جئت كي أرتاح
ومن دخلو عليَّ الآن
كان لباسهم أخضرْ
سألت أهكذا الأكفان
أين المسكُ والعنبرْ
وقالوا أنت في الدنيا
وعندك لم يزل معبرْ
عجبتُ عجبتُ من حذري
بحربٍ ندُّها القدرُ
وأعرفُ أن من خافوا
كمن في الموت قد سخروا
فعشْ في الأرضِ صيادًا
تضاءل خلفَه الحذرُ
أتاني صوتُ من رحلوا
عن الدنيا على غفلهْ
أبي قد قال لي قم لا
تخفْ كالطفلِ والطفلةْ
لديكَ حياتُك الأخرى
كأنكَ داخلٌ حفلةْ
لمحت وآلة التصويرِ
تحرثُ أرض شرياني
حطام أحبة بطشوا
ولم نسأل عن الجاني
بقايا لابنة الجيران
لم تحفل بعنواني
كأن قبيلةَ الأطلالِ
في الشريانِ أعرفُها
هنا قلمٌ كتبتُ به
قصائدَ لستُ أنصِفُها
وأحلامٌ قد ارتبكتْ
كأن الريحَ تخطفُها
رأيتُ السبحةَ السوادءَ
من كانت بكفِّ أبي
بها حزنٌ كأرملةٍ
ومن صبرٍ كصبرِ نبي
تراقب كفَّ من دخلوا
بآمالٍ وخوف صبي
فيا أمي إذا ما غبتُ
عنكِ وعزَّت اللقيا
فلا تستقرئي الفنجان
لا تستكتبي الرقيا
وريدُ النخلة العجفاء
لا تجري به السقيا
ولا تستعصمي جبلاً
يواري كل من أذنبْ
غفا ماءٌ على عينيكِ
كان الصادقَ الأعذبْ
معي زادٌ وإيمانٌ
يواري سوءةَ الكوكبْ
رأيت الموتَ رؤى العين
رؤيا تشبه الأحياءْ
به من هيبةِ الأحزان
صرفٌ لا يعير الماءْ
فحدق شاخصا ومضى
وقال تشابه الأسماءْ.