يبدو رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي وكأنه يحاول التعامل بجدية مع مسألة خفض العجز. وهذا يعد شيئا جيدا. لقد تم تطبيع معظم الاقتصاد- وهو مصطلح نسبي جدا في اقتصاد تكون فيه إمكانية النمو الحقيقي طويل الأجل فقط فوق الصفر بقليل.
ومعدل البطالة في اليابان هو الآن عند أدنى مستوى له منذ 18 عاما. وهذا يعني أن الوقت المناسب للتحفيز المالي قد انتهى. لكن بوجود عجز في الميزانية بنسبة 7.7 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2014 (مقارنة مع 2.8 بالمائة في الولايات المتحدة)، تحتاج اليابان الآن إلى تصويب أوضاعها في المالية العامة. وإداركا منها لهذا الأمر، نشرت حكومة آبي مخططا ماليا عاما يتضمن حدودا مرنة للإنفاق.
إن تدابير آبي، رغم أنها تعد خطوة في الاتجاه الصحيح، إلا أنها لن تكون كافية لإنجاز هذه المهمة. تعتمد تقديرات الإدارة للحد من العجز على افتراض إيجابي بشكل لا يصدق وهو تحقيق نسبة 2 بالمائة من النمو سنويا في الناتج المحلي الإجمالي. وفي الولايات المتحدة، قد تكون نسبة 2 بالمائة نسبة لها وزنها، أو حتى بطيئة بعض الشيء. في اليابان، حيث عدد السكان آخذ بالتقلص، وتعد هذه النسبة أمرا بعيد المنال. وتعتبر واقعية بقدر نسبة معدل النمو البالغة 4 بالمائة التي وعد بتحقيقها المرشح الجمهوري للرئاسة جيب بوش فيما لو تم انتخابه. وما لم تقرر اليابان فتح حدودها فجأة أمام تدفق المهاجرين الضخم حقا وغير المسبوق، فإن نسبة الـ2 بالمائة لن تتحقق.
هنا، على حد تعبير صحيفة وول ستريت جورنال، يكمن جوهر مشكلة الميزانية:
«تبقى مسألة كبح الإنفاق على الرعاية الاجتماعية (مثل التكاليف الطبية) قضية ملحة، لكن الإدارة مترددة في إظهار مقدار التخفيضات التي يلزم إجراؤها خوفا من إثارة استياء الناخبين».
ولدى الحكومة اليابانية مجالان من مجالات الإنفاق الرئيسية التي يمكنها تخفيضها. المجال الأول هو الدفعات للحكومات المحلية، التي تعتمد في إيراداتها اعتمادا كبيرا على الحكومة الوطنية، في نظام اليابان المركزي إلى حد كبير. أما المجال الثاني فهو عمليات التحويل للمسنين، من خلال الضمان الاجتماعي والرعاية الصحية.
ومن الصعب خفض دفعات الحكومات المحلية بسبب العوامل السياسية. وعلى حد تعبير العالم السياسي إيثان شينر، تعتمد هيمنة الحزب الديموقراطي الليبرالي الياباني الحاكم منذ فترة طويلة في اليابان على نظام محاباة غير رسمي - يستخدم الحزب الديموقراطي الليبرالي سيطرته على الحكومة المركزية في تسليم دفعات إلى المناطق التي تصوت للحفاظ على تلك السيطرة، والمثل القديم القائل "المنتصر يفوز بجميع الغنائم" ينطبق كليا في اليابان. على الرغم من أن هذا النظام تراجع إلى حد ما في العقود الأخيرة، إلا أن المركزية المالية لا تزال تجعل من الصعب جدا خفض المدفوعات إلى الحكومات المحلية.
أما الأمر الآخر والأكبر الذي يمكن لليابان خفضه فهو الفوائد التي يجنيها كبار السن. جزء كبير من حكومة اليابان يتصرف مثل قناة ضخمة لتحويل الموارد من الشباب إلى كبار السن، عبر الضرائب والإنفاق. وعد آبي بوضع حد أعلى للإنفاق في مجال الضمان الاجتماعي. لكن قلة من الناس هي التي تعتقد بأن هذا سيحدث في الواقع، بسبب السلطة السياسية الهائلة لكبار السن، وتمتلك اليابان هرما سكانيا مقلوبا- حيث هناك عدد كبير من كبار السن، ولديهم إقبال على الانتخابات أعلى من الشباب، وهذا يعني أن بإمكانهم استخدام أعدادهم لتهديد أي زعيم لا يدفع لهم المال الذي يرغبون به (وهذا أيضا يشكل مشكلة في الولايات المتحدة). تعد اليابان بلدا يحكمه كبار السن.
وهذا يترك لليابان طريقتين لخفض العجز المخيف فيها: 1) التضخم، و2) نمو الإنتاجية.
والتضخم المرتفع بشكل مستمر قد يعمل على تآكل كل من العجز والديون. وفي الأساس يعد فرض ضريبة على كبار السن، الذين وفروا معظم أموالهم على شكل سندات، وحسابات بريدية، وإيداعات مصرفية، بعد قيام آبي و بنك اليابان بإطلاق العنان «للسهم الأول» من برنامج تسهيل السياسة النقدية ضمن خطة آبي الاقتصادية، ارتفع معدل التضخم في حدود 1 بالمائة، لكن الإبقاء عليه عند هذا المستوى كان مشكلة، وقد أخذ المعدل منذ فترة يعود إلى مستوى الصفر، حتى أن الاندفاع المستمر لبرنامج التسهيل الكمي، والوعد بالقيام بكل ما يلزم، يبدو أنه قد ولَّد فقط ومضة بسيطة من التضخم، وهذا لا يبشر بخير بالنسبة لقدرة اليابان على تسديد ديونها من خلال التضخم أو تقليل عجزها من خلال معدلات نمو اسمي أعلى.
وتعد تحسينات الإنتاجية المستدامة مصدرا محتملا آخر للنمو. حيث ان قانون حوكمة الشركات الجديدة من آبي وغيره من التدابير سوف تعمل على رفع الإنتاجية على المدى الطويل، عن طريق تشجيع تقليص الشركات القديمة غير المنتجة وظهور ونمو الشركات الجديدة الأكثر إنتاجية، وهنالك منذ الآن بعض الأدلة على وجود تركيز جديد على الربحية وسيطرة حملة الأسهم في الشركات اليابانية. لكن على المدى القصير، الطريقة التي يمكنك من خلالها تحسين الإنتاجية هي بتسريح الموظفين. هذا يعد رائعا بالنسبة لخطوط الإنتاج الدنيا في الشركات، لكنه لا يجدي مع العجز في المستقبل القريب، لأن الأشخاص العاطلين عن العمل يدفعون ضرائب قليلة أو لا يدفعون وغالبا ما يتلقون مساعدات حكومية، لكي يكون للإنتاجية أثرها السحري على النمو، أنت بحاجة إلى الانتظار حتى تظهر وتنمو شركات جديدة أكثر إنتاجية، وهذا الأمر يستغرق وقتا طويلا.
لذلك فإن الحلول السهلة للفوز تبدو بعيدة المنال بالنسبة للميزانية في اليابان. الحل الحقيقي الوحيد هو خفض المدفوعات التي تذهب إلى الحكومات المحلية وخفض تحويل المدفوعات إلى كبار السن - وهي بالضبط الأمور التي اعتاد النظام السياسي الياباني على عدم القيام بها.