لا بد أنك أخي قد مررت بهذا الموقف، تشتري الكتاب تلو الكتاب، لتلقيه جانبًا دون العزم على الإياب، ربما غرك العنوان، أو وجدت فيه ما يسوءك كإنسان، نفد مالك، ولم تتحسن أحوالك.
فإذا لم تنهِ كتابًا إلى الآن، وقد جربت في سبيل ذلك الكثير فهو على الأرجح أنك لم تجد كتابك بعد.
سأسألك سؤالًا:
كم صديقًا لديك؟ وإلى جوارك إلى الآن؟
ربما ستقول واحد. أو ربما اثنان. دعنا نقل: إن لديك عشرة أصدقاء، ولن تقول أكثر من ذلك بالتأكيد.
وما الكتب عزيزي القارئ إلا نوعية فريدة من الأصدقاء.
وسؤالي الثاني: كيف تعرفت إلى صديقك؟
لابد أنك تعبت حتى تعرف معدنه، وقد مد يده في محنتك كما يمدها في رخائك ومنعتك؛ لذلك هو يرتقي إلى لقب صديق، وبالطبع تعبت كثيرًا حتى تتعرف إليه، وبذلت وقتك وجهدك ومالك لتعاونه فهذه من واجبات الصداقة، بل مؤكد أنك تدعي الحزن لحزنه وتتباسم لفرحه، وتدافع عنه في غيبته ولا تسمعه ما لا يحب، وما ذلك إلا لأنه صديقك، ويتوجب عليك الاعتناء به ومداراته، والحفاظ عليه كمعدن يزين ليالي وحدتك.
إذن قد لاقيت الشدائد حتى تعرفته، فهل تريد أن تتعرف إلى كتابك (صديقك) ببساطة وبدون بذل الاهتمام أولًا والتفكير ثانيًا والمال ثالثًا والجهد رابعًا بل والسفر لتبحث عنه وتختبره كما أنت مع صديقك خامسًا.... ووووو غير ذلك؟
لا صدقني لن تنال على ربعه إذا لم تنوِ أن تتعب لأجله.
فإذا لم يسكنك الكتاب فلن تجده سكنًا لك.
(فكتابك) مثل (صديقك) لن تجد الأفضل بسرعة، وبدون عناء البحث، وربما السفر لتجربه وتقلبه فترى جميع أحواله، كما هي وصية عمر بن الخطاب، كذلك الكتاب لن تجد الجيد منه بسهولة، ستذهب في رحلة مليئة بالتعب والسعادة في آن معًا.
ستبحث عنه بمالك ووقتك وجهدك. ربما في الكتاب الإلكتروني أو الورقي. سوف تحس بخيبة أمل حينما تشتري كتابًا ثم تلقيه جانبًا نعم، وستشك في ذوقك بل في إمكاناتك وقدراتك أحيانًا؛ لأنه هزمك ذلك الكتاب وتغلب عليك ولم تجد وسيلة لإنهائه، كما يفعل بعض ممن اعتبرتهم أصدقاء، ألم تجد خيبة أمل من بعض أصدقائك؟ سوف تتألم من عينك التي جرحها السهر وأضناها التعب، وهي تحدق في المواقع رجاء أن تجد الكتاب الأنسب ذا المواصفات الرائعة.
لكن ما يهمنا في ذلك كله ألا يخيب ظنك ولا تهتز ثقتك بنفسك، حينما لا تنهي أيًّا من كتبك، وكأنك في رحلة البحث عن صديق، وفي رحلتك ستتعلم بالتأكيد، وستجرب العديد، وستتلقى علقات لكنك ستلتزم الصبر، وتتعلم الدروس والعبر، فقط يلزمك سنوات لتتقن هذا الفن، وليصبح عندك حدس بهذا الكتاب، فلا تخطئه عيناك، وسهم ليصيب قلبك من أول نظرة، هذا إذا أردته صديقًا لك تصطفيه عن بقية البشر وتجد فيه مرآة روحك، وصفاء ذهنك، ونديم أيامك، وصديق لياليك، هو صديقك وجارك وكل أهلك.