ترددت في شوارع وأحياء الأحساء أهازيج «القرقيعان»، وشهدت توزيع الحلويات والمشروبات والبليلة على جميع المارة من رجال ونساء، والاطفال يرددون العبارة الشهيرة «قرقع قرقع قرقيعان، يا أم أقصير ورمضان، عطونا الله يعطيكم، بيت مكة يوديكم، يوديكم لهاليكم، يا مكة يا معمورة يا أم السلاسل والذهب يا نورة».
ويحتفل أهالي الاحساء بهذه المناسبة التراثية المعروفة في منطقة الخليج عموماً، ابتهاجاً بصوم النصف الأول من الشهر الكريم، إلا أنه يعتبر أياماً جاذبة للأطفال، فارتبط اسمه في اذهانهم بالفرح والبهجة، واعتادوا خلال هذه الليلة الاحتفال بها بطريقة تخلد ذكراها عاماً بعد آخر، خصوصاً لدى أهالي القرى الذين لا يزالون يحتفظون بمزايا ليلة القرقيعان الأصيلة، بعيداً عن التطوير والحداثة التي امتدت إليها وافقدتها هويتها التراثية ورفعت قيمة محتوياتها. في ليلة القرقيعان ترى الأطفال وهم في أبهى حللهم، يرتدون الملابس التقليدية الزاهية، فالفتيات يرتدين "الثوب الزري"، وهو عبارة عن ثوب زاهي اللون مطرز بخيوط ذهبية، ترتديه الفتيات فوق الملابس، ويضعن (البخنق) وهو أيضاً قطعة من القماش تغطي رؤوسهن وتزينها خيوط ذهبية على الأطراف، وعادة يكون لونه اسود، بالإضافة إلى التقلد بالحلي التقليدية، أما الأولاد فيرتدون عادة الأثواب ويضعون على رؤوسهم (الطاقية) وهي عبارة عن طاقية مطرزة يلبسها الأولاد، وقد يرتدون كذلك "السديري" المطرز.
يشار إلى أن القرقيعان يسجل حضوره دورياً بمنتصف شهر رمضان المبارك، ويعتبر من العادات الشعبية الرمضانية التي ما زالت الأحساء وبعض مناطق الشرقية وبلداتها تحتفظ برونقه وجماله من عام إلى عام ومن جيل إلى جيل يُحتفى به بمختلف مدن وبلدات المحافظة، أما أبطاله فهم الأطفال الذين يجوبون الشوارع والأزقة مبتهجين بهذه المناسبة الرمضانية الشعبية، وهم يرتدون الملابس الشعبية الخاصة به، ويحملون معهم أكياساً يجمعون فيها الحلوى والمكسرات والألعاب التقليدية التي يحصلون عليها من أصحاب البيوت مرددين عبارات قرقع قرقع قرقيعان أم قصير ورمضان.. وغيرها من الأهازيج الشعبية الممزوجة بعبق الماضي.
واعتاد الاطفال أثناء «القرقيعان» على الخروج إلى الشوارع، فيرتدي الذكور الوزار والفانيلة وطاقية ام جنية، فيما الإناث يتزين بـ «البخنق»، ويحمل الجميع في أيديهم أكياساً من البلاستيك أو القماش أو الخيش، ويبدأون التجوال في الشوارع وطرق جميع الأبواب مرددين الأهازيج المعروفة «قرقع قرقع قرقيعان، يا أم أقصير ورمضان، ...»، ثم يرددون بصوت عال مخاطبين أهل البيت الذين يقفون أمام بابه عبارة يعرفها الجميع: «مسيرة أو محيرة؟»، قاصدين بذلك نذهب أم ننتظر لأخذ القرقيعان؟ فيرد عليهم أصحاب المنزل من وراء: محيرة (أي انتظروا)، فيخرج لهم صاحب المنزل حاملاً في يده إناءً مملوءاً بالمكسرات والحلويات ويوزعه عليهم ليغادروا إلى المنزل المجاور، وهكذا حتى ساعة متأخرة من مساء اليوم نفسه.
وجرت العادة الشعبية أن يشكل الأطفال فيما بينهم مجموعات صغيرة وعادة ما يكونون أقارب، ويتنقلون من منزل لآخر ومن حي لآخر، إلا أن قرى في الأحساء، لها طقوس خاصة لم تتغير من زمن بعيد، إذ يبدأ القرقيعان فيها من ساعات الظهر الأولى، حيث يجتمع الأطفال في الساحة الكبيرة للقرية في انتظار قائد المسيرة وهو «المسحراتي»، لتبدأ رحلة الكرنفال مع أول قرعة للطبلة الكبيرة التي يحملها، وهم يرددون خلفه الأهازيج الشعبية المعروفة، ويمكن أن يجتمع خلفه أكثر من 200 طفل وطفلة من دون مرافقين، وفي المقابل يقف أصحاب المنازل فوق حافة سطوحهم أو على الأبواب ليقذفوا أكياس القرقيعان، بينما يستغل الجيران فترة انتظار قدوم المسيرة في استحضار قصص ومغامرات الماضي المتصلة بهذه المناسبة، لينتهي عمل أصحاب المنازل في الوقت الذي يفرغون فيه محتوى سلالهم فوق رؤوس الأطفال، وتنتهي مسيرة الأطفال بالمرور بآخر منزل في القرية ليتفرقوا ويفرزوا ما قاموا بجمعه بسعادة غامرة، وقررت لجنة التراث والفنون الشعبية في جمعية الثقافة والفنون والمكتب الرئيسي لرعاية الشباب تأجيل الاحتفال الرسمي بالقرقيعان، فيما تقام مساء يومي السبت والأحد القادمين الليالي التراثية للعائلات.
ملابس شعبية خاصة في الاحتفال
من احتفالات الأهالي