صوتت اليونان بشكل حاسم بالرفض في الاستفتاء. وأنا أعني ما أقول، من أنها صوتت بشكل حاسم، وأشعر بالصدمة ربما لا ينبغي أن يكون شعوري على هذا النحو، كنت أشير منذ فترة إلى أن البلدان غالبا ما تفعل أشياء مجنونة في نفسها عندما تبدي غضبها من الغرباء، وأسوأ تحليل ممكن من أي نوع يتعلق بالوضع الدولي فهو القول: "من الواضح أنهم لن يقوموا بفعل هذا، لأن هذا الأمر يبدو علامة على الجنون!" ربما كان هنالك الكثير من الصحفيين الموجودين يقولون ذلك في عام 1914، في حين خرجت الشعوب المجنونة الغاضبة وبدأت الحرب العالمية الأولى.
لذلك، فإن شعوري بالصدمة ليس مصدره أني كنتُ أظن أن هذا الأمر غير ممكن الحدوث، بل إنني مندهشة فقط لأنني اعتقدت أنه لن يحدث: عندما تركت العمل بعد ظهر يوم الخميس، كان الرأي السائد يقول إن اليونانيين كانوا في طريقهم إلى التصويت بنعم ومن ثم العودة إلى طاولة المفاوضات مرة أخرى. لكنني أيضا أشعر بالصدمة قليلا لأنني الآن أحاول بالضبط تخمين ما سيحدث بعد ذلك، سواء كنت تعتقد أن اليونان ستخرج من منطقة اليورو أم لا، تبدو الأمور سيئة بشكل مثير للصدمة.
ويقترح زميلي جو ويسينثال أن هذا، في الواقع، ليس ما يحاول اليونانيون القيام به، فهم يحاولون ببساطة الحصول على صفقة أفضل من الدائنين. إذا كان ذلك صحيحا، فإنه.. حسنا، لقد لخص هوجو ديكسون الوضع بعد ظهر أمس قائلا: "إن المأساة العظيمة للاستفتاء اليوناني هي أن العديد من الذين أدلوا بأصواتهم بالرفض ربما لا يدركون ما هو الذي على وشك أن يقع عليهم".
في هذه المرحلة، تصل اليونان الآن إلى خيارين اثنين:
1. تتراجع الترويكا (ثلاثية الدائنين) في مواجهة العزيمة القوية للشعب اليوناني وتقدم لليونان شروطا جذابة جدا لمواصلة المساعدة.
2. تقرر الترويكا (ثلاثية الدائنين) أنها لم يعد بمقدورها أن تتحمل المزيد، وبالتالي أن تخرج اليونان من منطقة اليورو.
الخيار الأخير يبدو مرجحا أكثر بالنسبة لي من الخيار الأول. إما أن اليونانيين مخطئون بشكل بالغ، أو أنني أنا المخطئة. لكن معظم التعليقات التي رأيتها تميل نحو تفسيري أنا.
من السهل تحديد مشكلة اليونان: التقشف أمر فظيع، وسعر الصرف الثابت يجعل اقتصادهم غير تنافسي، والتفاعل بين هذين الأمرين يعد بالكثير من البؤس لفترة زمينة طويلة. إنهم يريدون شخصا آخر ليشاركهم بعض ألمهم الحقيقي والعميق جدا.
أما مشكلة الترويكا فهي أيضا من السهل ذكرها، بكلمات ثلاثة: إسبانيا والبرتغال وإيطاليا.
ولدى تلك البلدان أيضا القليل من مشاكل الديون، ومنطقة اليورو لا تقدم أي معروف بشأن قدرة هذه البلدان التنافسية الاقتصادية. تلك البلدان أكبر من اليونان بكثير، في حين أن الإعسار اليوناني والخروج من منطقة اليورو ربما لن يسبب الكثير من الضرر للاستقرار المالي في منطقة اليورو، إلا أن إجراء مماثلا من قبل غيرها من بلدان «PIIGS» (البرتغال وإيطاليا وأيرلندا واليونان وإسبانيا)، وإذا حصلت اليونان على صفقة رائعة من دائنيها، حينها ستكون الترويكا خائفة نوعا ما من أن تلك البلدان سوف تبدأ في السؤال لماذا هم الذين يتعين عليهم أن يكونوا من المغفلين الذين لا يحصلون على مثل هذه المعاملة المجانية.
وهنالك سوء فهم كبير في التعليقات الحالية المتعلقة باليونان، والكثير من الضجيج حول دائني القطاع الخاص الذين اضطروا لشطب بعض ديونهم قبل سنوات عدة، والناس تنقل عن صندوق النقد الدولي بما يفيد أن ديون اليونان غير قابلة للاستدامة ولا يمكن تسديدها أبدا، هذه النقطة الأخيرة صحيحة لكنها ليست اكتشافا جديدا إذ أنه من المعروف منذ فترة من الوقت أنه ليس بإمكان اليونان فعلا تسديد الأموال المستحقة عليها، كما كتب دانيال ديفيز في شهر يناير، إن الدين اليوناني "أساسا لم يعد رقما مجديا من الناحية الاقتصادية". وإن الهدف من وجوده هو ليكون بمثابة "كمية سياسية"، فهو جزء من الوسائل التي يتم من خلالها ممارسة الرقابة على الميزانية اليونانية من قبل النظام الأوروبي وإن الطقوس العادية لإعادة التفاوض بشأن حزمة الإنقاذ، وتمويل الديون التي بلغت نهاية تاريخ استحقاقها وهلم جرا، كلها تمثل الطريقة التي تمارس من خلالها بلدان منطقة اليورو المليئة ذلك النوع من الرقابة السياسية التي تشعر أنها بحاجتها إذا كانت تريد أن تصبح مسؤولة ماليا عن الفواتير".
وبمجرد النظر لآليات الإعسار في صندوق النقد الدولي والمدفوعات المعلقة التي يدينون بها للبنك المركزي الأوروبي كلها تروي الحكاية بشكل بين: يحتاجون إلى التوصل إلى اتفاق مع الدائنين بحيث يعطونهم المال للتسديد لصندوق النقد الدولي، الذي بدوره سيعطيهم المال للدفع إلى البنك المركزي الأوروبي، وهكذا تستمر الحكاية. نحن لا نجادل فيما إذا كان ينبغي على اليونان ممارسة التقشف من أجل تسديد الدائنين، بل نجادل حول مقدار التقشف الذي سيطالب به الدائنون من أجل مواصلة تقديم المال لهم من أجل مواصلة ترحيل وتدوير الديون غير القابلة للسداد (حتى ولا على مدى 40 سنة).
وقد تسأل نفسك، لماذا يحتاجون إلى هذه الرقابة؟ لم لا نعطيهم مجالا لشطب الديون تماما ثم نسمح لهم بإعادة البناء كما يريدون؟ هنالك ثلاثة أسباب لذلك. السبب الأول عملي: مشكلة اليونان لا تكمن فقط في مدفوعات الفوائد. إنها تحتاج أيضا المال من أجل الإنفاق الجاري. يقدم جيمز هاميلتون حجة مقنعة إلى حد ما بأن اليونان لم يكن لديها أبدا فائض أساسي كبير، بمعنى أنها طوال الوقت، كانت تقوم في معظم الوقت بإنفاق أكثر مما كانت تجمعه من الإيرادات الضريبية، "حتى لو تخلصت من مدفوعات الفوائد". لكن حتى لو كان لدى اليونان فائض أساسي ضئيل قبل عدة أسابيع، بالتأكيد هذا الفائض لم يعد موجودا لديها الآن بعد الأزمة المصرفية. لذا، إذا خرجت اليونان من اليورو وأُعلِنت حالة الإعسار، ستكون النتيجة الفورية هي المزيد من التقشف، وليس الأقل.
أما السبب الثاني بأن "الكثير من تخفيف عبء الديون" ليس هو الجواب الواضح، فهو الخطر الأخلاقي. وإذا كان الإعسار لطيفا جدا على هذا النحو، سنواجه المزيد منه. الترويكا لا تريد المزيد من هذا. فهم يعتقدون أن الوضع الحالي أمر سيء بما فيه الكفاية.
وبالطبع، ربما كان ينبغي على الترويكا تقديم شروط أفضل قبل سنوات، مع المزيد من الإعفاء من الديون (إذا لم يكن ربما بنفس المقدار الذي يفضله اليونانيون والتقدميون الأمريكيون) وسيطرة سياسية أقل. بدلا من ذلك، شهدنا إعادة مفاوضات لا نهاية لها، وكانت مكلفة بالنسبة للجميع، وبشكل غير مصادف أوجدت الكثير من الضغائن بين اليونان وبقية أجزاء أوروبا، مما جعل من الصعب التوصل إلى حل مستقر. لكن الحقيقة هي أنهم لم يفعلوا ذلك، وفي هذه المرحلة نرتطم ببعض المماحكات السياسية القبيحة على كلا الجانبين، بالإضافة إلى أزمة اليونان الاقتصادية التي سوف تجعل جميع هذه المشاكل أصعب بكثير.وهذا يقودنا إلى السبب الثالث: السياسة. بكلمات تايلر كوين، "البرنامج السياسي ينبغي أن يكون شيئا يمكن أن يؤمن به الناخبون، وبالتالي فإن المفاوضات الدولية لا يمكنها الابتعاد بعيدا عن المبادئ الأخلاقية المتعارف عليها، بما في ذلك عندما يتعلق الأمر بالعلاقات بين الدائن والمدين". أود أن أضيف نتيجة طبيعية لهذا: بإمكانك فعلا أن تضل طريقك إلى مسافة لا بأس بها طالما أن الناخبين لا ينتبهون لذلك. لكن بمجرد أن ينتبهوا إليك، سوف ينتهي بك الأمر بالعودة إلى التقاليد والمبادئ القديمة من قبيل "ينبغي على الناس تسديد ديونها" بدلا من نظريات الاقتصاد الكلي المتقدمة. وفي ظل الديموقراطية، يخضع السياسيون للمساءلة من قبل الناخبين، وبصرف النظر عن مدى استنكارك لهذا على أنه إرضاء للغرائز التي لا تنم عن الثقافة. والناخبون الألمان لا يبدو أنهم يريدون من حكومتهم منح اليونان حفنة من المال من دون قيود أو شروط.ولذلك، من الصعب بالنسبة لي أن أرى كيف يقوم الدائنون ببساطة بفتح الصنابير على مصراعيها وفي الوقت نفسه التخفيف إلى حد ما من التقشف، ما يعني أنه من الصعب بالنسبة لي أن أرى كيف تبقى اليونان في منطقة اليورو، فيما عدا بعض التغييرات الأعجوبية من قبل السياسيين الأوروبيين خلال القمة الطارئة التي يخططون لعقدها (وهو أمر لا أستبعده أبدا، لكنني لا أعول عليه تماما)، اليونانيون مصارفهم مغلقة، والناس تقوم برسم خطط لجعل مودعي المصارف يقبلون بشطب جزء من ودائعهم، ومن دون المزيد من المساعدات المالية القادمة من الخارج، فإن الحكومة سوف تصاب بالإعسار بخصوص جولة أخرى من المدفوعات بحلول نهاية الشهر الحالي، إن الأزمات المالية التي تابعتها في دول أخرى تشير إلى أن الخطوة الطبيعية التالية هي في تخفيض قيمة العملة وإعادة هيكلة النظام المصرفي، وهو ما يعني الخروج من منطقة اليورو. لكن كيف يفعلون هذا بالضبط؟ إن مجرد التحديات المادية فقط من طباعة وتوزيع الأموال أمر رهيب. أما القضايا الأخرى فهي لا تزال حتى أصعب من ذلك.
وحين تقوم بإلغاء العملة الخاصة بك، فأنت تعلن عن عملة جديدة لتبديل القديمة بها بسعر ثابت نوعا ما. أما إذا قمت بتخفيض قيمتها، فأنت تعلن أن عملتك القديمة سوف يتم تداولها الآن مقابل الدولار والفرنك السويسري بسعر صرف جديد أدنى من قبل وأقل ملاءمة للناس. لكن عندما يحدث هذا، تختفي العملة القديمة أو سعر الصرف في نفس الوقت. فإذا تم خروج اليونان من اليورو، سيكون لديك عملتان ماديتان يتم تداولهما جنبا إلى جنب: اليورو القيِم مقابل الدراخما ذات القيمة غير المؤكدة والتي لا يريدها أي أحد. لا سيما شركاءك التجاريين. وهذا بدوره سيجعل الأمر أكثر صعوبة لتكون الدراخما نشطة وقوية بحيث تصل إلى مرحلة أن تعمل كبديل معقول لليورو القديم.وأنا أنتمي إلى المدرسة التي تقول إنه كان لا ينبغي قط على اليونان الانضمام لليورو في المقام الأول. لكن التراجع عن الخطأ نادرا ما يكون بنفس سهولة عدم ارتكابه في المقام الأول. إن طريق الخروج من اليورو الآن سيكون أصعب بكثير من طريق الخروج الذي كان يمكن أن يُتَّبَع قبل عشرين عاما. مع ذلك، هذا يبدو أنه المسار الذي اختاره الناخبون اليونانيون.