DAMMAM
الخميس
34°C
weather-icon
الجمعة
icon-weather
34°C
السبت
icon-weather
37°C
الأحد
icon-weather
33°C
الاثنين
icon-weather
34°C
الثلاثاء
icon-weather
36°C

ما الذي يعنيه أن تكون صادقا مع نفسك ؟!

ما الذي يعنيه أن تكون صادقا مع نفسك ؟!

ما الذي يعنيه أن تكون صادقا مع نفسك ؟!
يراهن المرء كثيرا على صدقه مع نفسه، أن تبحث عن الحق أينما كان، أن تأخذ الحق من أي كان، الحكمة ضالة المؤمن، يجب أن يتحرى الحقيقة أينما كانت وبأي شكل. هذا هو الشعار الذي نرفعه دائما، وهو الوسيلة التي نتوسل بها نحو الحكمة، وهي وسيلة جليلة لدرجة أنها أصبحت غاية في ذاتها. لكن ما يخفى على المرء منا أن (الصدق مع النفس) و (التجرد في البحث عن الحق) لا يسلم من حيل النفس غالبا، عقل المرء أدهى مما يتصور، إنه قادر على أن يلتفّ التفافة طويلة وأن يدخل دهاليز خطرة من أجل أن يرى الصواب خطأ والخطأ صوابا. من الصعب جدا أن يتكيف المرء مع فعل الخطأ، جميعنا نودّ أن ننام ونحن مطمئنو البال، ننام ونحن نعتقد أننا أحسنا في يومنا ولم نسئ إلى أحد من الخلق، لذلك من غير المحبب لنا أن ننام ونحن نقر بأخطائنا، فنبحث دائما عن حيل تجعل ما نفعله صوابا، ونجد المبررات دائما لأفعالنا. الناس أصناف، منهم صنف يفعل الخطأ وهو مقر بخطئه، ويبقى مصرا على الخطأ وهو مصر على إقراره أمام نفسه بالخطيئة. هذا سيواجه شعور الخطأ والجرم والفعل الشائن. سيتعمق في هذا الشعور ويستغرق في تفاصيله، سيكوي نفسه بنار التأنيب، وسينال قسطه من عذاب الضمير، وينال جزاءه من نفسه قبل أن يناله من القانون أو المجتمع أو الناس. سيدفع ثمن الإصرار على مواجهة المشاعر والصدق مع الذات ورفض الهروب من المسؤولية. لذلك ومن أجل هذا القرار وهذه الصراحة يتوجب عليه أن يدفع فاتورته كل لحظة، سينال عقابه من الوجع ومن الآثار النفسية المترتبة على فعله، يوما بعد يوم، وقد يدفع ثمنا أعظم من جرمه، لأن نفسه لا ترحم ولا تؤجل. صنف آخر، سيفرّ من ذنبه بفراره من مشاعره، وسينجح زمنا في ذلك. سيستعمل العقل حيلا كثيرة من أجل هذا الفرار، سينشغل بأمور أخرى، وسيبدأ في برامج جديدة ويخترع قصصا من العطاء والبذل والعمل الصالح، سيفلح في ذلك لزمن يختلف من شخص لآخر. لكن الضمير لا يمكن أن يُخدع بسهولة، سينقض يوما ما، مكشرا عن أنيابه، وسيشكل انتكاسة لتلك النفس الهاربة، وسيضعها أخيرا أمام مشاعرها المؤجلة والمتضخمة، وسينتقم ويضرب بشدة. ولن يكون حاله أفضل من حال الذي قبله. صنف ثالث، سيفلح في التفكير والاحتيال. وسيقلب المعادلات لصالحه، هؤلاء نراهم دائما، يروون روايتهم عن الحياة فيجعلون من أنفسهم أبطالا، ويمنحون أنفسهم أوسمة البطولة والمظلومية، يكفيك أن تسمع رواية أكثر الناس لترى الكلّ مظلوما وتحتار في هوية الظالم. لترى الجميع متحليا بالخلق العظيم، وباذلا أقصى ما يمكن من التضحيات والصبر، لتحتار من هو المجرم إذن، من هو الطرف الآخر في كل هذه الروايات والقصص التي يحيكها الناس. هذا الصنف يحتال على نفسه دون أن يشعر في الغالب، يستغرق العقل وقتا طويلا ليبرر كل ما يريد ويرغب في فعله، لينتهي في آخر الأمر أن كل ما يفعله مبرر عقلا وخُلُقا ومنطقا، ويضع رأسه على الوسادة مرتاح الضمير مطمئن النفس. سينجو هذا غالبا من عذاب التأنيب، سيتصالح مع نفسه وسيجد مخرجا من جُرم أفعاله. في ظني أننا نحن الأصناف الثلاثة، لكل منا قدر منها جميعا، نكون الأول أحيانا، والثاني أحيانا أخرى، والثالث في ظروف مختلفة، وبعدها نرفع شعار (الصدق مع النفس) لأننا لم ندرك حجم العمليات الضخمة التي تجري في عالم المشاعر وعالم العقل، وفي اللاوعي منا.