حدثته نفسه وبصوت هادئ وهي كعادتها خافتة الصوت، ساكنة، مسالمة مرة ومقهورة مرة ومحبطة مرات نفس قلقة ومتوترة تعادي نفسها بنفسها وهي وإن كانت تحب نفسها لنفسها.. قالت: النهار بدأ وفي سنن الخالق النهار معاش، والنهار للعمل والجد والاجتهاد، فما بالك لا تُبدي حماسا ورغبة في النهوض من مخدعك الدافئ؟! هل أصابك سقم أم بُليت بعارض أم تراك استهويت الخمول وفعل بك ما فعل وجعلك يائساً وحزيناً كأنك مالك الحزين!!
فتح عينيه لنفسه، نظر إليها بسخرية، تبسم لها، تنهد، التفت حول نفسه، وقال لها: آه على الصبح الجميل، لكنه مضن ومتعب كعادته.
نهض ببطء، جلس على حافة السرير، شاكرا ربه على نومه الهانئ ليلة البارحة وهي تُعد من الليالي القليلة الهادئة التي تمر على سكان المدن وتكاد تكون محور شكواهم ألا وهو النوم بعيداً عن منغصاتها.
لكنه يقول لنفسه ويحادثها: هي كالحلم لا يدوم طويلاً، سكتت نفسه لتستمع إليه أو هو يستمع إليها ولا فرق هنا بين مُلق ومتلق، فالحال واحد والمعاناة نفسها تتكرر، أجابها: إنها المدنية والحضارة وصخب الحياة لم نعد - وغيري كثير - نتحمل إيقاعها السريع والمقلق والمزعج و.. و.. و.. و..
هل تعلمين أنني صرت أكره حتى السير في الشوارع والطرقات، يا إلهي !! كيف أقول لك ما بي وأنت تعلمينه؟! أي تناقض هذا !! لكن قد يكون هو اتحاد النفس مع حاملها فيكوّنان صوتين، أفضل من صوتك وحدك فقد لا يسمعك أحد يا نفسي أو أنا وحدي دون نفسي لا نؤثر بشيء...
أكره طرقات المدن فهي لم تعد مسالك للدروب، بل أضحت مسارح للفوضى والمجون رُغم قساوة الكلمة لكن هي واقع الحال في ظل ما يُشاهد من عربات تصول وتجول دون رادع وحياة بشر لا تساوي عند سائقي تلك العربات أكثر من بوليصة تأمين وتتكرر المآسي والأحزان لا، بل دعنا نزيد ومشاحنات ومناكفات وعنتريات تُشاهد صباح مساء في طرقات المدن...
كرهت ذلك !! بل سئمت بل.. وبل..
تعالي إليّ يا نفسي، عودي إليّ ثانية لنكمل اليوم بنوم عميق يُنسينا إزعاج من حولنا، سخرت النفس وتمتمت : مسكين أنت !! كيف تكمل نومك وأنت لم تبدأ يومك بعد؟!
وتستمر في الكلام وإن تجاوبت معك وشجعتك على تمام وكمال نومك، أتراك ستهدأ من ضجيج يحلو له الحفر والبناء متى ما شاء دون حسيب أو رقيب؟! سكتت النفس وسكت هو وغادر الجميع.