لم يكن مستغربا أن تهب دول العالم لإدانة التفجير الإرهابي الذي تعرض له مسجد قوات الطوارئ في أبها، وذهب ضحيته عدد من الشهداء والجرحى، على يد إرهابي باع نفسه للشيطان, ولم يكن مستغربا ان تشتعل مواقع التواصل الاجتماعي في نقل وإدانة هذا الحدث الذي زاد من التفاف الشعب حول قيادته، كما زاد من إصرار الدولة على مكافحة الإرهاب بشتى ألوانه وأشكاله، متضامنة مع دول العالم المحبة للسلام للقضاء على كل مظاهر الإرهاب واجتثاث جذوره، بعد أن أسفر الجناة عن وجوههم القبيحة، وانتماءاتهم المتطرفة، ظنا منهم أن مثل هذه الأحداث ستؤثر على أمن الوطن ووحدته الوطنية، وتنال من ازدهاره التنموي والحضاري، وقد خاب أملهم بعد أن أثبتت الأيام أن مثل هذه الأحداث لن تزيد الوطن إلا قوة، ولن تزيد المواطنين إلا ثقة بقيادتهم، وإصرارا على حماية الوطن من أعدائه المتآمرين عليه.
ومن أبشع الأمور وأشدها قسوة على النفوس أن تتخذ المساجد ميدانا لهذا الإرهاب، وأن يكون المصلون ضحية لهذه الجرائم، وهم آمنون بين يدي الله، ومطمئنون في حمايته ورعايته، وإذا أيدي الغدر تمتد إليهم، إمعانا في الكفر والدناءة والبؤس، وفساد العقيدة، وتشوه الفكر، فكيف يجرؤ مسلم على ارتكاب هذا الإرهاب البشع الموغل في وحشيته وهمجيته، والمسجد «من دخله كان آمناً» والإسلام هو دين السلام والأمن والاجتماع على كلمة سواء، لبناء الحاضر، واستشراف المستقبل في ظل العقيدة الإسلامية التي تجمع ولا تفرق، وتبني ولا تهدم، وتحارب الفساد في الأرض، وما هؤلاء الإرهابيون إلا مفسدون في الأرض، فالاعتداء على المساجد، والاعتداء على من يحمون البلاد والعباد، هو أشد أنواع الفساد في الأرض، التي أراد الله لها أن تعمر بالخير والإصلاح والعدل والتقوى، لكن هؤلاء الإرهابيين والتكفيريين اختاروا طريق الضلال، وسلكوا سبيل التطرف والغلو وقتل النفس التي حرم الله قتلها إلا بالحق، دون رادع من ضمير، أو خلق كريم، أو إيمان عميق، يحول بين المسلم وبين إساءته لغيره من المسلمين.
إن هذه الفاجعة التي أدمت قلوب الغيورين على أمن الوطن وسلامة المواطن، إنما تعبر عن انتماءات مشبوهة لأعداء الوطن، ممن لا يريدون لهذه البلاد الغالية الانصراف للبناء، مما يعني وجوب اليقظة من جميع المواطنين والوافدين للتعاون من أجل إفشال هذه المخططات الإجرامية، وأخذ الحيطة والحذر في وجه أي مظهر من مظاهر التطرف والغلو والإرهاب، ورفض أي بادرة عدائية ضد هذه الأرض الطيبة من أي كائن من كان، فلا مساومة ولا مهادنة فيما يتعلق بأمن الوطن وسلامة المواطنين، والجميع يدرك أن المجرمين لا يمكن أن يفلتوا من قبضة رجال الأمن البواسل، وبتعاون المواطنين يمكن الإسراع في وضع حد لهذه المآسي التي يدفع ثمنها الجميع، وما من عمل إجرامي إلا ويقع مرتكبوه في يد العدالة عاجلا أو آجلا، لكن تعاون المواطنين إنما هو ضمانة ليتم القبض على كل إرهابي عاجلا لا آجلا.
لهؤلاء المفسدين في الأرض نقول: إن كل مواطن هو رجل أمن ملتزم بحماية وطنه، مهما كان موقعه في المجتمع، أو في الوظيفة، أو على مقاعد الدراسة، فمن يحمِ الوطن، فإنما يحمي نفسه وعرضه وأرضه.. إنما يحمي دينه وقيمه ومبادئه وما نشأ عليه من مكارم الأخلاق.. إنما يحمي إنسانيته التي يراد لها السقوط في بؤرة الإرهاب والتكفير والظلم.. إنما يحمي طموحه في غد مشرق، يراد له الضياع والدمار والتخريب الشامل، وما يرتكبه المجرمون من ظلم وقتل للأبرياء، إنما هو سلاح فاسد سيرتد إلى نحورهم، فدولة الظلم ساعة، ودولة الحق إلى قيام الساعة.
حماك الله يا وطني من شر كل من أراد لك الشر، وعشت يا وطني أبيّا كريما قويا بالمخلصين من أبنائك الأوفياء.