علمنا أن المؤثرين في المشهد السياسي النمساوي يطالبون جهازها الدبلوماسي بتقليص التأشيرات الممنوحة لبعض مواطني الخليج، يأتي هذا كرد فعل على إمعان بعض السياح "الخليجيين" في تجاهل الأنظمة المتعلقة باستخدام الحدائق العامة ومرافقها، وتسعيرات الشراء الثابتة والمتضمنة الكلفة الضريبية، بخلاف مشكلة التقيد بالأنظمة المرورية.
في ذات الوقت تتسرب مقاطع فيديو حول سوء استخدام المرافق العامة في مدن سياحية سعودية مثل أبها! والسائح هنا هو غالبا من سياح الداخل مع أشقائه من دول الخليج. ولا تهدف هذه السطور إلى إلقاء اللائمة على أحد، بقدر ما تهدف إلى مناقشة فكرة تقول: السواح الذين تسببوا في الفوضى المزعجة للحكومة وللشعب في مروج وجنان وبعض أسواق وشوارع النمسا، هم نفسهم من تسبب في إتلاف المرافق العامة في أبها هذا الصيف. فالسائح المستخف بحق غيره في الاستمتاع بإجازته ضمن ظروف إنسانية هو سائح أناني لن يتوقف عن الظهور وتعكير صفو العطلات على الآلاف. كل ما حصل هو أن صناع الرأي العام والإعلاميين في النمسا وقفوا في صيف العام ٢٠١٥م وقفة جادة مع مشكلة تهدد بيئتهم واقتصادهم. والمنادون من طرفنا بالتوعية قبل السفر هم حتماً يمازحوننا في هذه المشكلة بالتحديد! فلا علاقة للتوعية بالجانب السلوكي الفردي والمتسم بالأنانية الشديدة، فهذا الجانب مبني على مكتسبات تربوية وقيم اجتماعية كان من الواجب تأصيلها أو علاجها منذ الطفولة. هذا مع وجوب تذكر أن الصورة العالقة بسياحنا الآن في المشهد النمساوي قد تنتقل عدواها قريباً جدا إلى دول أوروبية أخرى شديدة الغيرة على ثقافتها الوطنية ومعالمها السياحية. وأنا شخصيا أنصح الكثير من هؤلاء السياح الفوضويين بمقاطعة النمسا.. نعم! هذا صحيح، وحبذا مقاطعة السياحة في أوروبا بأكملها خلال الأعوام القليلة القادمة.
تعالوا نتساءل معاً الآن: لماذا لا تظهر مثل هذه المشاكل في دبي؟
أولاً: دبي استفادت من التجربة الأمريكية التي تستخدمها في صيانة مرافقها العامة، وهي توفير اليد العاملة على مدار الساعة لانتشال ما يتركه العابثون والمستهترون من مخلفات كفيلة بتدمير البيئة وتدمير صناعة السياحة التي تقوم عليها اقتصادات هذه الدول المتقدمة، وهذا طبعاً مردود للاستفادة المباشرة من النظام الضريبي الذي يسهم مباشرة في تطوير خدمات المدن. ورغم أن الحالة المناخية في دبي أقسى بكثير من فلوريدا (ميامي وكيسيمي) على سبيل المثال بسبب الهطول المتواصل للأمطار والقادر على غسل وجه المدن السياحية الأمريكية بمنتهى التلقائية، تظل دبي محتفظة برونقها ونظافة مرافقها حتى في أكثر فتراتها السياحية انشغالاً.
ثانياً: دبي تتسم بترحيب شديد بسائحيها، وتتفهم طبيعة مختلف الزائرين حتى المستهتر منهم، كما أنها تربط كل هذا بتوفير رقابة ولوحات إرشادية بالعربية، بخلاف توفير عنصر بشري قادر على توجيه الحشود للممكن والواجب عند اللزوم. ويمكن لأي منا الجزم بأن ما توفره دبي من إدارة فنية لإزالة مخلفات مختلف أنماط السياح جدير بالإعجاب والاحترام، مع تدوين الكثير من الشكر.