جاء رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي بعد مظاهرات السنة في 6 محافظات عراقية، قادت لتفاهم إيراني أمريكي لاخراج نوري المالكي وتعيينه نائبا لرئيس الجمهورية، غير ان المالكي ظل مسيطرا وبيده القرار الداخلي، وأصبح أكثر اقترابا من ايران؛ لانه ادرك أنه المطلوب رقم واحد في اية عمليات اصلاحية، ولم يعد مطلوبا من السنة، بل بات موضع نقمة الشيعة العراقيين ايضا.
في جنوب العراق وبعيدا عن التقسيمات الطائفية التي دخلت مع الهيمنة الايرانية، يستشعر أهلنا من البصرة حتى بغداد أنهم أصبحوا مثل من يبلع السكين، فقد فرحوا لانهاء نظام صدام حسين لكنهم اليوم يعلنونها على الملأ، ماذا استفدنا من التغيير ومنذ عام 2003؟ وهل هناك مشاريع تنموية جديدة؟ كل ما هو موجود هو من زمن صدام.
في فترة حكم نوري المالكي والتي دامت ثماني سنوات، استطاعت إيران السيطرة على ما يعادل 400 مليار دولار من أموال العراقيين وعلى حساب بناهم التنموية، وظلت وكالة الدعاية الايرانية تخدر العراقيين بالطائفية، وتقوم استخباراتها وعملاؤها في القاعدة وداعش باستهداف الشيعة؛ لجعل إيران الملجأ الوحيد لهم، ولتوغر صدورهم على السنة، فيما وجدها بعض مراجع الدين سبيلا للبقاء والحضور والتأثير والحصول على الامتيازات، بينما وجدها السياسيون فرصة للبقاء لمدة أطول في الحكم وما يرافقها من فساد مالي واداري، بينما المواطن المسكين ليس له سوى اللطم ودروب الآلام سيرا، كما قال أحد السياسيين الشيعة، ولكن ما الذي اختلف اذا؟.
الاختلافات بدأت منذ ان وقعت إيران اتفاقها النووي مع الغرب وأمريكا على الخصوص، أحد الملاحق السرية للاتفاق الأمريكي الإيراني قضت بانسحاب ايران من المنطقة، وحل الأزمات الاقليمية، ومشاركة إيران في مهام أمريكية في آسيا، وايضا اعادة بناء التوازنات المدنية في الدول العربية، فالارهاب والقاعدة وداعش رفعت منسوب التطرف، وقضت على أسس الدولة المدنية، وأصبح التهديد ليس داخليا فقط، بل عالميا، وعليه طلبت واشنطن البدء عمليا بتطبيق فكرتها حول ضبط التوازنات في المنطقة، والتي تشمل عدم التدخل الايراني في اليمن، والحل السياسي في سوريا، واعادة التوازن للعملية السياسية في العراق عبر شراكة حقيقية في الدولة العراقية للسنة والشيعة، وهذا يتطلب الخلاص من رموز التطرف وادوات إيران في العراق.
في السياسة ومنظومة الصفقات هناك ضحايا دائما ومستفيدون جدد، والضحايا يمكن اقناعهم بأنهم قدموا خدمات جليلة وغيره من الكلام، لكنهم عمليا انتهوا عند أول تغيير، ولعل المتابع يرى أن مظاهرات العراق والتي تشمل 11 محافظة من البصرة الى بغداد، يرى أنها شاملة وانها ليست تحت سيطرة رجال الدين ولا السياسيين ورموز الأحزاب الدينية ـ رغم محاولات الطرفين ركوب الموجة، كما ان غالبية هذه التظاهرات رفعت شعارات تنادي بمحاكمة الفاسدين، وطرد ايران ، فيما شرب رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي حليب سباع هذه المرة داعيا المتظاهرين للخروج الى الشارع؛ للضغط على البرلمان لالغاء منصب نائب رئيس الجمهورية.
الملفت للانتباه ان نوري المالكي والمتهم بمنح شركات أمريكية رشاوى تتجاوز 350 مليار دولار، ورشى داخلية تتجاوز 50 مليارا، ليصل مجموع ما بدده المالكي من أموال إلى 800 مليار دولار، اصبح الحلقة الاضعف اليوم بعدما كان رجل إيران في العراق، لدرجة حزم حقائبه للمغادرة إلى إيران التي تلكأت في استقباله، فيما كان يعد العدة للذهاب الى سوريا ومن ثم الذهاب إلى حزب الله في لبنان، غير ان قرارات أمنية تمت في بغداد وباتفاق مع الجانب الأمريكي باغلاق كافة منافذ العبور العراقية، ومنع أي مسؤول عراقي من السفر، ليجد المالكي نفسه ممنوعا من المغادرة، هو وبعض الشخصيات المتهمة بالفساد واشعال الطائفية في العراق.
التظاهرات التي خرجت بالطبع لم تكن عفوية، وكان مخطط لها منذ مدة، وايران كانت تتقدم خطوة وتعيد بناء خطوة اخرى مكانها، فقد كانت المطالب السعودية للحوار مع إيران والمساهمة في حل الأزمات الاقليمية، تستدعي سحب الميليشيات الايرانية والدعم الايراني من مناطق الصراع والنزاع في المنطقة، وحصلت الرياض على ضمانات دولية روسية وأمريكية بان مساهمة المملكة في هذا الحل سوف تمنحهم القدرة على ضبط التدخلات الايرانية في المنطقة، والامر الثاني انه وعلى الرغم من الترويج الامريكي الدائم لتقسيم العراق الى ثلاث دول، وخروج تسجيلات الاستجواب التي اجراها الكونجرس الامريكي ورئيس هيئة الاركان الامريكية الجديد، والذي اجاب بان العراق يحتمل وجود دولة كردية واخرى شيعية ولا يحتمل وجود دولة سنية، فكل هذه السيناريوهات، لم تجد بعد مجالا للتطبيق لتصبح حقائق، الا ان الغريب ايضا ان العراقيين على اختلافهم وتناحرهم كانوا ضد التجزئة الوطنية.
زيارة قاسم سليماني إلى موسكو، ومن ثم اعتبار واشنطن ان هذه الزيارة تشكل خرقا للقوانين الدولية، هو كلام اعلامي، فقد تم الاتفاق بين واشنطن وطهران وموسكو لقيام سليماني بزيارة روسيا لبحث الترتيبات الجديدة في العراق وسوريا، سبق الزيارة، وجود وفد روسي سوري في طهران لمناقشة الحل السلمي في سوريا، وايضا وفد للمعارضة السورية في موسكو ومن بعدها زيارة وزير الخارجية عادل الجبير إلى موسكو، وكل هذا الحراك كان قد بدأت معالمه في لقاء الدوحة (كيري لافروف الجبير).
اذا موسكو تلعب دورا مهما في الترتيبات الاقليمية، وكذلك واشنطن ايضا، وللعلم فان ما يشاع أو اشيع سابقا عن خلافات في المواقف بين أمريكا والسعودية ليس دقيقا، وان التنسيق بين الطرفين كان ومازال عالي المستوى، وان الامريكان باركوا عاصفة الحزم، والجهد السعودي في اعادة بناء قوة تدخل عربية، وايضا باركوا ترتيبات السياسة الخارجية السعودية الجديدة، واعادة خريطة التحالفات والتوازنات وتعزيزها، وبخاصة مع مصر وتركيا وباكستان والدول العربية المستقرة.
على الرغم من المؤشرات الايجابية، الا ان علينا الحذر دائما من السلوك الايراني، فايران لن تكون دولة طبيعية، وما الازعاج الاعلامي والتدخل في الازمات واشعال الحرائق، ما هو إلا محاولة للتغطية على نشاطاتها النووية غير المشروعة.