يبدو المصرف الفدرالي كما لو أنه يتجهز لرفع أسعار الفائدة، ربما في وقت قريب يمكن أن يكون الشهر المقبل. أكد رئيس المصرف الفدرالي الاحتياطي في أتلانتا دينيس لوكهارت مؤخرا بأن «عملية الرفع» باتت أمرا وشيكا. والسبب هو أن الاقتصاد الأمريكي يمر في فترة انتعاش.
لقد كان تقدم الاقتصاد منذ بداية العام «مشجعا للغاية»، بحسب ما قال السيد لوكهارت في خطاب له. وقال إن لديه المزيد من الثقة في مرونة الاقتصاد مقارنة مع بضعة أشهر مضت، وإنه «يشعر بقلق أقل بكثير» حيال انعكاس الحظوظ الاقتصادية في الولايات المتحدة.
هذا يبدو أنه وقت غريب جدا لرفع أسعار الفائدة وهنالك على الأقل ثلاثة أسباب لذلك:
الأول هو أن التضخم منخفض للغاية، بحسب الرسم البياني الذي يعطينا التضخم الأساسي، والذي يستثني أسعار الطاقة والأغذية المتقلبة، منذ بداية عام 2014.
للإشارة، هدف التضخم المستهدف لدى الاحتياطي الفدرالي هو 2%. لذلك، كان التضخم دائما دون الهدف لأكثر من عام ونصف العام. إذا كنت تعتقد - كما يعتقد تقريبا جميع الاقتصاديين والمستثمرين - بأن أسعار الفائدة العالية هي من عوامل الانكماش الاقتصادي، إذن عليك التساؤل لماذا يقوم الاحتياطي الفدرالي بأخذ مسألة رفع الأسعار بعين الاعتبار رغم أن التضخم يبقى أقل من المستوى الذي يقول المصرف الفدرالي إنه يسعى إليه.
السبب الثاني هو أن الصين آخذة في الانهيار. على الرغم من أن الحكومة الصينية تصر على أن اقتصادها لا يزال يتوسع بنسبة 7%، يعتقد معظم الناس بأن النمو - الذي دعم لسنوات الاقتصاد العالمي - يصاب بالتعثر الآن. تبدو المؤشرات الاقتصادية سيئة للغاية. كذلك انهارت سوق الأوراق المالية للتو، وسوق العقارات آخذة في التراجع والإجراءات الحكومية - تخفيض قيمة العملة والتلاعب في سوق الأسهم - تبدو مثيرة للذعر.
ليس بالضرورة أن يكون تباطؤ الصين بمثابة كارثة بالنسبة للاقتصاد الأمريكي. حيث إنه سيعمل على تخفيض أسعار الموارد، التي ربما ستعطي دفعة للشركات الأمريكية. لكن الصين المتباطئة تعني تراجعا في الواردات الصينية، وهو ما سوف يعمل على تخفيض هوامش الشركات الأمريكية. سيعمل تخفيض قيمة العملة الصينية أيضا على جعل الشركات الأمريكية أقل تنافسية على المدى القصير. وهذا يعني أنه سيكون هنالك ضغط على نمو الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي ونمو العمالة. بما أن معظم الناس يعتقدون أن ارتفاع أسعار الفائدة يمارس أيضا ضغطا على النمو، سوف يؤدي ارتفاع أسعار الفائدة من الاحتياطي الفدرالي إلى تعقيد الآثار المترتبة على صدمة الصين.
السبب الثالث هو أن أسواق العمل الأمريكية لم تتمكن حتى الآن من تحقيق التعافي التام من الركود العظيم (أي الأزمة المالية الأخيرة لعام 2008). على الرغم من تراجع البطالة مرة أخرى إلى ما دون 6%، يعكس جزء هذا خروج العمال من القوة العاملة. كانت هنالك بعض الدلائل المشجعة مؤخرا على أن أؤلئك الذين يسمون بالعمال المحبطين يبدؤون في العودة إلى سوق العمل. على أية حال، لا تزال نسبة العمالة إلى السكان ممن هم في سن العمل أقل بكثير مما كانت عليه طوال القرن العشرين. وهذا قد يعكس بيئة تنظيمية أكثر صرامة، لكن عند أخذنا التضخم المتدني بعين الاعتبار، يصبح من الواضح أن الآثار العالقة من انخفاض الطلب هي التفسير الأكثر احتمالية - ورفع أسعار الفائدة الآن قد يساهم في وضع ضغط أكبر يكون كابحا للطلب.
إذن، هنالك أسباب مهمة لدى الاحتياطي الفدرالي ليقوم بتأخير رفعه لأسعار الفائدة. لماذا إذن يبدو وكأنه متمسك بجدول رفع الأسعار في شهر سبتمبر؟ واحد من الأسباب قد يكون الخوف من ترسيخ التوقعات. وهذا يعني أساسا أنه إذا بقيت الأسعار قريبة من الصفر لفترة طويلة كافية، سيتعين على المستثمرين الاعتماد على أسعار قريبة من الصفر بشكل دائم. إذا حدث هذا، سوف يبني كل من المستثمرين والشركات على حد سواء خططهم استنادا إلى تلك التوقعات، وقد تكون أي عملية رفع مستقبلية لأسعار الفائدة من قبل الاحتياطي الفدرالي بمثابة صدمة هائلة. بعبارة أخرى، نظرا لتقلبات النفس البشرية، قد يعمل ترك الأسعار متدنية جدا لفترة طويلة جدا على زيادة الضرر المستقبلي المتأتي من رفعها. لذا، قد يكون هنالك حس لدى الاحتياطي الفدرالي بأن الآن هو آخر أفضل فرصة لرفع الأسعار.
لكن يجب على الاحتياطي الفدرالي توخي الحذر حيال هذا النوع من الإجراءات، ليس فقط للأسباب آنفة الذكر. إذ ينبغي عليه أيضا النظر في السجل التاريخي. لا تريد الولايات المتحدة أن تكرر تجربة بنك اليابان، الذي رفع أسعار الفائدة فوق الصفر في أغسطس من عام 2000 - فقط بعد انفجار فقاعة التكنولوجيا في الولايات المتحدة - رغم أن اليابان كانت لا تزال في حالة انكماش في ذلك الوقت. يلقي العديد من الناس باللوم على ارتفاع أسعار الفائدة خلال فترة الركود الاقتصادي التي تلت.
اليوم، تجد الولايات المتحدة نفسها في موقف مماثل لليابان بشكل لافت للنظر في عام 2000 - حيث أسعار الفائدة عند مستوى الصفر، والتضخم دون المستوى المستهدف، والعمالة لا تزال لينة وأحد الشركاء التجاريين الرئيسيين يعاني من الانهيار. ينبغي ألا يكون صناع السياسة في الولايات المتحدة مركزين إلى هذا الحد على الخوف من أسعار الفائدة القريبة من الصفر بحيث ينتهي بهم الأمر إلى الإضرار بالاقتصاد. ينبغي على الاحتياطي الفدرالي توخي الحيطة والحذر.