قالت مصادر دبلوماسية أوروبية، إن هناك «شبه اتفاق» بين الدول الكبرى على أن يتم سحب الصلاحيات من رأس النظام السوري بشار الأسد بشكل تدريجي، وإحالتها إلى هيئة الحكم الانتقالية، التي أقرها بيان جنيف.
وقالت المصادر إن قرارات اللجان التي اقترحها المبعوث الأممي، «ستافان دي ميستورا»، بين المعارضة السورية والنظام ستصدر تدريجيًا وسيتم تنفيذها فورًا، وستعمل اللجان على الإنسانية والسياسية والعسكرية على التوازي.
ونقلت المصادر عن مسؤول أمريكي رفيع تأكيده على وجود توافق روسي ـ أمريكي حول هيئة الحكم الانتقالية، وحول نقل الصلاحيات من الأسد تدريجيًا بناء على توصيات وقرارات اللجان الأربع دون أن يكون له حق الاعتراض.
ورجّحت المصادر أن تبدأ أولى الخطوات العملية بهذا الاتجاه قبل نهاية العام الحالي، مشيرة إلى وجود رغبة دولية قوية بتسريع الحل.
وكان مجلس الأمن قد أصدر بيانًا رئاسيًا يركز على ضرورة إطلاق عملية تقود إلى انتقال سياسي في سوريا، وتأليف هيئة حكم انتقالية بصلاحيات تنفيذية كاملة مع ضمان استمرارية المؤسسات الحكومية.
وأعلن مجلس الأمن عن دعمه لمبادرة «دي ميستورا»، المقدمة في 29 يوليو الماضي، والتي تهدف إلى تطبيق بيان جنيف من خلال أربع ورشات عمل، تتضمن المساعدات والإعمار والحماية ومواضيع سياسية، وأخرى عسكرية وأمنية.
مبادرات ولا حل
وللمرة الاولى يدعم مجلس الامن بالاجماع خطة للسلام في سوريا التي تشهد حربًا طاحنة مستمرة منذ اكثر من اربع سنوات.
وسبق ان اتخذت مبادرات دولية بخصوص سوريا، لكن جميع محاولات حل النزاع فشلت فيما عجز اي مشروع هدنة عن وقف القتال.
المبادرات العربية
- 2 نوفمبر 2011: الجامعة العربية تعلن اتفاقًا مع سوريا (وقف العنف، الافراج عن المعتقلين، سحب الجيش من المدن، وحرية حركة المراقبين العرب والصحافيين).
لكن لم يتم احترام اي من البنود، وفي الاسابيع التالية علقت الجامعة العربية عضوية سوريا ثم فرضت عليها عقوبات غير مسبوقة.
كما فرضت الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي منذ ابريل عقوبات، تم تشديدها لاحقًا، استهدفت النظام وشخصياته.
- 22 يناير 2012: مبادرة جديدة لوزراء الخارجية العرب تنص على نقل سلطات بشار الاسد الى نائبه.
في 24 من الشهر نفسه اغلق النظام الباب في وجه اي حل عربي واعرب عن التصميم على انهاء الاحتجاجات الشعبية التي تتعرض لقمع دام.
مؤتمر «أصدقاء سوريا»
24 فبراير 2012: اللقاء الاول لمجموعة «اصدقاء سوريا» التي قاطعتها موسكو وبكين. وتم تنظيم الكثير من الاجتماعات لممثلي الدول الداعمة للمعارضة السورية ومنها الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا.
خطة «أنان»
- 12 ابريل: سريان وقف لاطلاق النار بموجب خطة مبعوث الامم المتحدة والجامعة العربية كوفي أنان، لكنه لا يصمد اكثر من ساعات.
في 14 و21 أبريل صدر قراران لمجلس الامن الدولي يجيزان على التوالي نشر 30 ثم 300 مراقب.
لكن في 16 يونيو اعلن رئيس مراقبي الامم المتحدة تعليق بعثتهم بسبب «تصاعد العنف». مؤتمر جنيف 1
- 30 يونيو 2012: في جنيف اتفقت مجموعة العمل (الولايات المتحدة، الصين، روسيا، فرنسا، المملكة المتحدة، تركيا ودول عربية) على مبادئ مرحلة انتقالية، قبل ان تختلف على تفسيراتها.
واعتبرت واشنطن ان الاتفاق يفسح المجال امام مرحلة «ما بعد الاسد» في حين كررت موسكو وبكين انه يعود الى السوريين تقرير مصيرهم. ولم يطبق الاتفاق ابدًا.
اتفاق أمريكي-روسي بخصوص الاسلحة الكيميائية
- 14 سبتمبر 2013: ابرمت الولايات المتحدة وروسيا في جنيف اتفاقًا حول اتلاف الترسانة السورية من الاسلحة الكيميائية. واستبعد الاتفاق بالتالي خطر توجيه ضربة عسكرية امريكية تضاعف بعد هجوم كيميائي نسب الى النظام السوري.
لكن منظمة حظر الاسلحة الكيميائية خلصت الى انه تم مذ ذاك استخدام غاز الكلور في النزاع بشكل منهجي.
مؤتمر جنيف 2
- 22-31 يناير 2014: عقدت مفاوضات في سويسرا في اطار مؤتمر جنيف 2 بين المعارضة والنظام، بضغط من الولايات المتحدة الداعمة للمعارضة ومن روسيا الداعمة للنظام، وانتهت بلا نتيجة ملموسة.
في 15 فبراير انهى وسيط الامم المتحدة الاخضر الابراهيمي الذي حل محل أنان النقاشات بعد ان وصلت الى طريق مسدود في جنيف.
في 13 مايو استقال الابراهيمي بدوره بعد اكثر من 20 شهرًا من الجهود العقيمة.
الفيتو الروسي الصيني الرابع
- 22 مايو 2014: استخدمت روسيا والصين حق النقض لوقف مشروع قرار فرنسي في الامم المتحدة نص على رفع ملف الجرائم التي ارتكبها طرفا النزاع الى المحكمة الجنائية الدولية.. وهذه المرة الرابعة التي يعرقل البلدان فيها مشاريع قرارات غربية منذ بدء النزاع.
ملء الفراغ
وانطلاقًا من الاستقراءات السياسية والعسكرية التي تدلل على سيناريوهات لا تنذر بالانفراج، يقترح ملف صادر عن مركز عمران للدراسات الاستراتيجية (والموجّه لجميع الفعاليات السياسية المعارضة الرسمية وغير الرسمية السياسية والعسكرية والشرعية والمحلية)، عدة آليات تدفع الملف السوري نحو الانفراج أكثر، مهما كان السيناريو المتوقع، مستندًا إلى ضرورة ملء الفراغ الناجم عن تخلي وعجز نظام الأسد عن أداء بعض وظائفه المتعلقة بالدور السياسي والاقتصادي والاجتماعي للدولة، هذه الوظائف التي إن امتلكتها قوى المعارضة السياسية والعسكرية ستشكّل تحولًا واضحًا في الممارسة السياسية وتنقلها من نطاق التأثر إلى التأثير، ومن خانة الحزب والتكتل إلى مؤسسة الدولة.
وعليه، فقد قُسّم الملف إلى أقسام، يقدم القسم الأول منه تصورًا عمليًا لعملية الانتقال بشكل يراعي الواقع العسكري والسياسي والمحلي، وذلك بعد تحديد عدة أولويات ملحّة متعلقة بتحسين الأداء السياسي والعسكري والاجتماعي والإداري، حيث ينبغي أن يتم التوصّل لمجلس حكم محلي وفق ثلاث فعاليات قائمة على معايير التمثيل الحقيقي لمعظم فعاليات وشرائح المجتمع السوري، ويراعي هذا التصور الاختلاف النوعي لواقع الصراع في المناطق السورية.
وفي قسمه الثاني طرح آليات مكافحة التطرف والإرهاب بما يشمل المرحلة الحالية والمرحلة اللاحقة وفق استراتيجيات الاحتواء والتفكيك والمواجهة ومنع الانسياب الإقليمي، بالإضافة إلى استراتيجية المحاصرة الاعلامية، ويدعم هذه الاستراتيجيات فهم موضوعي لواقع التطرف ومستوياته في سوريا والذي ستبلوره (وفق مقترح الورقة) الهيئة العليا لصيانة الأمن القومي وفيما يتعلق بالعودة الكريمة للاجئين السوريين فيؤكد الملف على ضرورة أن تهيئ الهيئات الدولية والوطنية السورية الظروف المواتية لعودتهم إلى سوريا بما يعزز من فرص احتواء الأزمة الإنسانية والسياسية داخل الأراضي السورية وتفويض مهمة إدارتها للسوريين أنفسهم، ويمر هذا البرنامج خلال ثلاث مراحل أساسية، ويمكن حصر مجالات عمله في عدة قطاعات أهمها البنية التحتية والخدمات الاجتماعية والاقتصاد والأمن.
أما فيما يخص الملامح العامة والبرامج العملية لإدارة المرحلتين الحالية والانتقالية في الجانب الاقتصادي والتنموي والتي يمكن من خلالها البدء بمرحلة إعادة الإعمار بشكل تدريجي فالورقة تركز على ضرورة تصميم حزمة من التدابير الإبداعية التنموية وبرامج التمكين الاقتصادي يتم فيها تحديد الأهداف النهائية والوسيطة، إضافة إلى الوسائل ومصادر التمويل المتاحة الداخلية والخارجية. وتستفيد المكوّنات الأساسية لهذه الخطة من تجارب الدول السابقة التي مرت بمراحل شبيهة لما تعيشه سوريا، ومن الطبيعة الخاصة لبُنية الدولة السورية من حيث الموارد الطبيعية والإمكانيات البشرية والمادية.
وضمن خطة عمل استعادة الأمن المجتمعي في سوريا يؤكد الملف على ضرورة العمل على برامج عملية متعددة الأبعاد في المجالات الاقتصادية والعسكرية والسياسية والمجتمعية والبيئية. وفي هذا السياق ترى الخطة أهمية تأسيس عدة مؤسسات وفعاليات أهمها: هيئة وطنية لتقصّي الحقائق، وصندوق وطني للتعويض، وهيئة للعدالة الانتقالية. ولا يمكن إنجاز هذه الخطة بعيدًا عن بيئتها الإقليمية والدولية، فهي تتطلب دعمًا سخيًا بالخبرات والأموال والتجهيزات كي تثمر نتائجها، خصوصًا أن تجربة أمن مجتمعي ناجحة في سوريا ستنعكس إيجابًا لا محالة على الأمن والاستقرار الإقليمي برمته.
كما ناقش الملف في قسمه الأخير دور المجالس المحلية التي تعتبر نواة الحكم المحلي والتي تمرّ من خلالها جهود بناء الدولة، وذلك عبر ربط مراكز النفوذ القائمة وتهيئة الأرضية للعملية الانتقالية. حيث تمتاز المجالس المحلية بقدرتها على إدارة عدة ملفات كالعملية السياسية، وفضّ النزاعات والسلم الأهلي، وتقديم الخدمات المحلية، وحفظ الأمن المحلي، وتسيير القضاء المحلي، والتعاون مع برامج العدالة الانتقالية.. وكل ذلك ضمن خطط تمكين وتطوير منظومة المجالس المحلية وتفعيل دورها السياسي من خلال حِزَم تدخلٍ تعزّز القدرات الجمعية للتعاطي مع الواقع المعقّد.
خريطة سوريا