دكتور درو ويستين (Drew Westen)، الأستاذ في علم النفس السياسي بجامعة إيموري الأمريكية، في كتابه The Political Brain: The Role of Emotion in Deciding the Fate of the Nation (العقل السياسي: دور العاطفة في تقرير مصير البلاد)، يجادل أن العقل البشري ليس مجرد كتلة عصبية عقلانية قادر "على موازنة موضوعية الأدلة واستخلاص النتائج الصحيحة للوصول إلى القرار الصائب" وإنما هو كتلة عاطفية يتأثر ويستثار عاطفيا. وبالتالي فالسمة العاطفية تطغى على كثير من القرارات.
ويصل ويستين لهذه النتيجة من خلال تقييمه لبيانات عدد من الانتخابات الرئاسية الأمريكية بين عامي 1950 و2000 والتي فحص فيها استخدام المشاعر الإنسانية لدى المرشحين سواء في الحملات الإعلانية أو في مناظرات المرشحين للانتخابات الرئاسية وذلك لكسب قلوب الناخبين.
واعتمادا على ما قاله ويستن، أعتقد أن أحد أهم عوامل جاذبية داعش هو تركيزه على الجانب العاطفي في خطابه السياسي من خلال "اليوتوبيا" (topos) التي يقدمها لملايين المسلمين، اقصد يوتوبيا "دولة الخلافة" والتي تشكل المكون الثقافي والديني الراسخ في العقلية والذهنية العربية والإسلامية. فالتاريخ الإسلامي ظل يشكل ضمن مفهوم الإسلام كدين ودولة منذ الخلافة الأموية في القرن الأول الهجري وحتى سقوط الخلافة العثمانية في القرن الرابع عشر الهجري. فسقوط الامبراطورية العثمانية أو الخلافة العثمانية كما يدعون كان محطة مهمة في تاريخ الحركات الإسلامية إذ انه لأول مرة في التاريخ يصبح المسلمون بلا دولة واحدة تجمعهم.
فمع سقوط الامبراطورية العثمانية، اصبحت قضية "استعادة الخلافة الاسلامية" سببا في ظهور كثير من الحركات الاسلامية في العالم الاسلامي في القرن العشرين، بداية من جماعة الاخوان المسلمين في مصر مرورا بجماعة النور بتركيا مرورا كذلك بجماعتي التبليغ، والجماعة الإسلامية بالهند، وغيرها من الحركات الاسلامية، وصولا الى تنظيم القاعدة وتنظيم داعش. فكل تيار أو حزب أو تنظيم إسلامي كان يزعم أنه الاولى برفع الراية واستعادة الخلافة الاسلامية التي يحكمها خليفة واحد يحكم المسلمين جميعاً في مشارق الأرض ومغاربها، وينسخ كل الكيانات القومية "الدولة القومية" المصطنعة التي تأسست بموجب اتفاقية "سايكس-بيكو".
استطاع هذا التنظيم أقصد تنظيم داعش تحويل هذه اليوتوبيا الى واقع من خلال الاعلان عن "قيام "الخلافة" التي يزعم انها تطبق الشريعة وتبتعد عن القوانين الوضعية، وقام التنظيم بتنصيب زعيمه أبو بكر البغدادي "خليفة" للمسلمين في كل مكان. ففي تسجيل صوتي منسوب للتنظيم ونشر على الإنترنت في 28 يونيو2014، قال فيه التنظيم إنه أقام دولته على الأراضي التي يسيطر عليها في كل من العراق وسوريا، وأعلن تغيير اسمه من "الدولة الإسلامية في العراق والشام" إلى "الدولة الإسلامية" فقط، معلنين انتهاء الحدود التي رسمتها اتفاقية سايكس/ بيكو.
مثل هذا الإعلان حدث فارق في تاريخ التيارات الجهادية، حيث إنها المرة الأولى التي يقدم فيها تنظيم جهادي أو إسلامي على إعلان "الخلافة" وتنصيب "خليفة"، وهو الهدف الذى يسعى معظم الجهاديين حول العالم إلى تحقيقه، بشكل دفع كثير منهم إلى الانضمام لتنظيم "داعش".
واعتقد أن تفنيد مثل هذا الزعم أقصد زعم إقامة الخلافة الإسلامية يجب أن يكون على ثلاثة مستويات رئيسية: المستوى الفكري: يجب احتواء الشباب بخطاب ديني عصري يعمل على تصحيح المفاهيم المغلوطة في أذهانهم من إقامة الخلافة الاسلامية بشكلها اليوتوبي وتعزيز الهوية القومية والانتماء للوطن.
المستوى القانوني: يجب على الجهات المختصة بالإعلام الحكومي والاهلي استصدار قرار يمنع استخدام مصطلح "الدولة الاسلامية" والاكتفاء بتنظيم داعش في كل المراسلات الرسمية والرسائل الإعلامية لأن مصطلح الدولة هو إضفاء الشرعية لهذا التنظيم الإجرامي.
المستوى العسكري: ضرورة تقويم إستراتيجية التحالف الدولي ضد تنظيم "داعش" فالعمل العسكري لم يحقق نتائجه المرجوة حتى الآن. فالانتصار العسكري على تنظيم داعش سوف يقلل من جاذبيتها الأيديولوجية ومن شرعيتها. لا يمكن لدولة صغيرة هشة، وفاشلة ومنبوذة عالميًا أن تكون خلافة مقنعة.
اعتقد ان العمل ضمن هذه المستويات سوف يؤدي الى انحسار وتراجع كبير وضعف في جاذبية التنظيم وقدرته على التجنيد.