تسببت تقلبات أسعار النفط بآثار ملموسة على المتغيرات الاقتصادية الكلية للدول المصدرة والمستوردة. وقد حظيت تقلبات أسعار النفط بتغطية واهتمام واسعين من قبل الباحثين الاقتصاديين في الدول المتقدمة والنامية.
وركز الاقتصاديون الغربيون في تحليلاتهم على الآثار الاقتصادية السلبية التي تعرضت لها الدول المستوردة نتيجةً لزيادة أسعار النفط، وأبرز الكثير منهم تحليلات تحاول الربط بين زيادة أسعار النفط وموجات الركود الاقتصادي التي تعرضت لها الاقتصادات الغربية. ونتج عن موجات الركود تراجع النواتج المحلية للدول المستوردة، ورفع معدلات البطالة، وخفض دخول مستهلكيها، وصاحبتها زيادة معدلات التضخم لمرة واحدة على الأقل. كما وصلت استنتاجات بعض المحليين الغربيين إلى أن زيادة أسعار النفط تسببت في تراجع الإنتاجية في الدول الغربية.
ولا ينكر أحد أن ارتفاع أسعار النفط -مثله مثل أي سلعة أو منتج آخر- يتسبب في انتقال الدخل من المستهلكين والمستوردين إلى المنتجين والمصدرين، ولكن معظم التحليلات في البداية كانت تبالغ كثيراً في حجم تأثير زيادة أسعار النفط على الأنشطة الاقتصادية في الدول المستوردة. وتتخذ المصارف المركزية إجراءات استباقية للحد من مخاطر ارتفاع التضخم، مما يؤثر سلباً على النمو الاقتصادي ويرفع معدلات البطالة. وقد جاءت هزات أو صدمات ارتفاع أسعار النفط قبيل حالات الركود الاقتصادي في الدول الغربية، وعلى الأخص الولايات المتحدة. وحدثت بالفعل موجات ارتفاع أسعار النفط قبل أو مع بداية حالات الركود الاقتصادي الأمريكي والاقتصادات الغربية في 1973-1975، 1980-1982، 1990-1991، 2008-2009م.
وقد نتج عن حدوث ارتفاع أسعار النفط قبيل فترات الركود الاقتصادي في الدول الغربية اعتبار الكثير من المحللين الغربيين ارتفاع أسعار النفط المسبب لمعظم التراجع الاقتصادي، بينما لم تحمل سياسات المصارف المركزية نصيبها الحقيقي وراء تراجع النمو الاقتصادي. وقد أظهرت التحليلات المتأخرة أن تشدد المصارف المركزية أثر بدرجة أكبر من ارتفاع أسعار النفط على النمو الاقتصادي في فترات الركود.
وقد خفت درجة إلقاء اللوم على أسعار النفط، وخصوصاً بعد الركود العظيم الذي جاء نتيجةً للأزمة المالية العالمية في عام 2008م، والتي تسببت الأسواق المالية بحدوثها.
ويرى عدد من المحترفين في السياسات النقدية أن هناك خلطاً بين الأمور، حيث دمجت المصارف المركزية ومحللوها التأثير السلبي للسياسة النقدية على الناتج المحلي مع تأثير زيادة أسعار النفط، وذلك عندما تزامن تشديد السياسات النقدية مع ارتفاع أسعار النفط. ووجد بعض الباحثين مثل رئيس مجلس الاحتياطي الفدرالي الأمريكي السابق برنانكي -برفقة مجموعة من الباحثين- أن ارتفاع أسعار النفط ليس السبب الرئيس في التراجع الاقتصادي الذي أصاب الولايات المتحدة خلال فترات الركود الاقتصادي، بل إن السياسات النقدية التشددية التي جاءت كردة فعل أدت إلى التسبب بمعظم التراجع في معدلات النمو. وهذا يبدو منطقياً لأن تأثير زيادة أسعار النفط أقل بكثير من قيم التراجع في النواتج المحلية الناتجة عن الركود الاقتصادي. ولو كان تأثير زيادة أسعار النفط قوياً -كما كان يعتقد به بعض المختصين في السابق- لقابله تأثير إيجابي قوي في حالات تراجع أسعار النفط. ولم يقدر تراجع أسعار النفط الأخير أو في المراحل السابقة إلى تأثيرات قوية على الناتج المحلي العالمي أو النواتج المحلية للدول المستوردة.
تأثير السياسة النقدية على أسعار النفط
تؤثر السياسة النقدية كما يرى كثير من الاقتصاديين على الأنشطة الاقتصادية بوجه عام، حيث يقود التشدد النقدي أو خفض مستويات السيولة ورفع معدلات الفائدة إلى الضغط على الناتج المحلي وخفض معدلات النمو الاقتصادي.
ويلاحظ أن فترات التيسير النقدي أو السماح بتدفق مستويات عالية من السيولة وخفض معدلات الفائدة ترفع من الطلب المحلي الإجمالي، مما يشجع على زيادة إنتاج واستهلاك السلع والمنتجات والخدمات، وتبدأ الأسعار الكلية أو ما يسمى بالتضخم في الارتفاع بعد وصول الاقتصاد المحلي للتوظيف الكامل للعمالة. وتتشدد المصارف المركزية في سياساتها النقدية بشكل استباقي عند شعورها بوصول الاقتصاد إلى التوظيف الكلي لمنع ارتفاع معدلات التضخم.
وتشير الشواهد التاريخية إلى أن فترات الرواج الاقتصادي في الدول المتقدمة في السابق، ويضاف إليها الدول الآسيوية في السنوات الأخيرة قد ساهم في رفع أسعار النفط، وقد يكون السبب الرئيس الذي يقف خلف ارتفاع أسعار النفط والسلع بشكل عام خلال دورات الصعود السابقة. وفي المقابل أدت سياسات التشدد النقدي إلى خفض الطلب الكلي بما في ذلك الطلب على النفط وقادت في مراحل لاحقة إلى تراجع أسعاره. وقد أدت السياسات النقدية المشتددة كثيراً في بداية الثمانينيات إلى تراجع كبير في أسعار النفط بعد عدة سنوات، حيث تكونت تخمة نفطية كبيرة في منتصف الثمانينيات وتراجعت الأسعار إلى مستويات متدنية. وحدث نفس الشيء عند بداية التسعينيات ولكن بتغيرات أقل حدة، وكذلك عند نهاية التسعينات من القرن الماضي. وارتفعت أسعار النفط إلى مستويات قياسية في 2007-2008م متزامنةً مع النمو القوي في آسيا حتى بدأت الأزمة المالية العالمية، التي نتج عنها أسوأ ركود اقتصادي بعد الكساد العظيم في الثلاثينيات من القرن الماضي. وقد أدى الركود إلى تهاوي أسعار النفط من قمتها التاريخية في صيف 2008م إلى ما دون 40 دولاراً بعد بداية الأزمة المالية العالمية.
ودفع نشوب الأزمة المالية العالمية إلى لجوء المصارف المركزية إلى كل الوسائل الممكنة لمنع حدوث كساد اقتصادي عالمي. وكان من بين تلك الوسائل استخدام سياسات التيسير الكمي والتي ضخت سيولة غير مسبوقة في الاقتصادات العالمية، وخفضت معدلات الفائدة الأساسية إلى مستويات قريبة من الصفر المئوي. وقد قادت سياسات التيسير الكمي إلى آثار إيجابية على الأنشطة الاقتصادية في الولايات المتحدة مما رفع الطلب على النفط مع مرور الوقت ورفع أسعاره إلى مستويات مئوية للبرميل لعدة سنوات. كما دعمت هذه السياسات وبشكل كبير أنشطة إنتاج النفط والطاقة بشكل عام في الولايات المتحدة وباقي العالم.
الدورة النفطية الحالية
يعتقد بعض المختصين بالشؤون النفطية أن الأوضاع النفطية والدورة النفطية الهابطة الحالية تختلف عن نظيراتها السابقة. ويرجح الكثير من هؤلاء بأن التعافي من آثار تراجع الأسعار الحالي والخروج من الدورة الهابطة في الأسواق النفطية سيكون أبطأ من التعافي من الدورات الهابطة السابقة. وتزيد الأوضاع الاقتصادية والمالية الحالية المؤثرة على الصناعة النفطية من صعوبة توقع توقيت الخروج من الدورة الهابطة هذه المرة. ويرجع المتشائمون ذلك إلى سهولة وصول منتجي النفط الصخري في الولايات المتحدة إلى رأس المال. فعلى الرغم من أن تراجع الأسعار الحالي يبدو مشابهاً إلى حد كبير لما حدث في الثمانينيات من القرن الماضي، إلا أن هناك بعض الاختلافات المحيطة بالتراجع الحالي. وتعتبر سهولة الوصول إلى التمويل والأدوات المالية المستحدثة أبرز الاختلافات بين الدورة الهابطة الحالية والدورة الهابطة في الثمانينيات، والتي لم تتوفر لها البيئة النقدية والمالية الموجودة في الوقت الحالي. وتمكن سهولة الحصول على التمويل الرخيص منتجي النفط الصغار أو القطاعات الجديدة أو مرتفعة التكاليف من الاستمرار في الإنتاج لفترة أطول مما كان في السابق، مما يرفع من عرض النفط ولفترة أطول ويبطئ من التعافي.
لقد أدى تدني معدلات الفائدة إلى توفر كميات كبيرة من رؤوس الأموال الخاصة الباحثة عن عوائد، مما سهل من عملية جمعها. وأنقذت رؤوس الأموال المتوفرة الكثير من اللاعبين في الأسواق النفطية، والذين كانوا في دائرة الخطر بسبب تراجع أسعار النفط. وقد تمكنوا من جمع التمويل من خلال الاقتراض من المصارف أو من خلال إصدار أرواق مالية في الأسواق المالية. وقد ساعد تدني تكاليف الاقتراض كثيرا من المستثمرين من تحمل درجات أكبر من المخاطر، وهذا هو حال الأسواق المالية عند تراجع تكاليف رأس المال. ويخفض تراجع أسعار الفائدة من تكاليف التمويل التي يتحملها المستثمرين مما شجعهم عند تراجع أسعار أسهم الشركات المنتجة للنفط على الاقتراض عند معدلات فائدة قد لا تتجاوز 2-3% والاستثمار في هذه الشركات. وشجع تراجع اسعار أسهم الشركات النفطية بعد تراجع أسعار النفط الأخير دخول الكثير من المستثمرين لشراء أسهم هذه الشركات؛ لأن العديد منهم يعتقد أن نقطة الدخول الجيدة تكون عند تراجع الأسعار. وكما يقال «عند الأزمات تحقق الثروات» حيث تتولد فرص استثمار في شركات جيدة يمكن تحقيق مكاسب كبيرة منها إذا عاودت الأسعار الارتفاع. ويرى الجميع أن الاسواق النفطية ستتعافى، ولكن يختلفون على تحديد وقت التعافي. وقد أصدر الكثير من الشركات النفطية أسهما أو سندات يمكن تحويلها إلى أسهم، جمعت بموجبها مبالغ كبيرة في بداية العام الحالي، وستنفق هذه المبالغ على الاستمرار في البحث والتطوير.
إن تدفق الموارد النقدية قليلة الكلفة أمر مطلوب وضروري لاستمرار عمليات إنتاج الزيت الصخري، والحيلولة دون حدوث عمليات إعادة هيكلة ضخمة للقطاع تخفض إنتاج الزيت الصخري. وما لم يستمر تدفق رؤوس الأموال منخفضة الكلفة أو ترتفع أسعار النفط، فإن شركات النفط الصخري المثقلة بالديون ستختفي وستظل الشركات المتمتعة بملاءة مالية جيدة عاملة في هذا المجال لفترة طويلة. لقد ساعد تدفق السيولة في وقف تصفية العديد من شركات النفط الصخري مما أبقى هذه الشركات في الإنتاج، وخفض من معدلات تراجع الإنتاج الكلي. وتوقع العديد من المراقبين أن تعاد مشاهد صناعة النفط المترنحة في عام 1986م عندما تراجعت الأسعار وأغلقت كثير من الشركات أبوابها أو خفضت أنشطتها بسبب نقص التمويل مما خفض في النهاية الإنتاج، ولكن ما زال وضع القطاع النفطي أفضل مما كان في الدورات السابقة.
خصائض النفط الصخري والتمويل
يوجد عدد من الاختلافات الرئيسية بين صناعة النفط التقليدي وصناعة النفط الصخري. وترتفع التكاليف الثابتة في صناعة النفط التقليدي، بينما تنخفض فيه التكاليف المتغيرة أو الحدية وقد تصل إلى عدة دولارات للبرميل. وبالإضافة إلى ذلك، تنخفض معدلات تراجع إنتاج آبار النفط التقليدي حيث تتراوح ما بين 2-5% في العام، ولهذا لا تؤثر تغيرات أسعار النفط كثيراً على حجم إنتاج النفط من الحقول التقليدية. وعلى النقيض من ذلك ترتفع التكاليف الحدية للنفط الصخري، حيث تصل إلى عدة أضعاف نظيرتها في النفط التقليدي، بينما تنخفض التكاليف الثابتة. ونتج عن هذا ارتفاع مرونة إمدادات النفط الصخري وسرعة تجاوبها مع تغير الأسعار مقارنةً مع النفط التقليدي.
وترتفع أعمار إنتاج آبار النفط التقليدي إلى عشرات السنوات، بينما تنخفض أعمار آبار النفط الصخري في كثير من الحالات إلى ثلاث سنوات تقريباً، حيث يتراجع إنتاج بئر النفط الصخري بنسب مرتفعة قد تصل إلى 70% بعد مضي عام من الإنتاج، كما ينضب نصف مخزون البئر القابل للاستخراج بعد مضي عامين ويتراجع إنتاج البئر بقوة. وقاد تراجع الإنتاج السريع ونضوب مخزون الآبار إلى تقصير عمر آبار النفط الصخري، وجعل الاستمرار في إنتاج النفط بعد سنوات قليلة غير مجد في كثير من الآبار. وتجبر هذه الخاصية المنتجين على حفر آبار جديدة للحفاظ على معدلات إنتاج ثابتة، وزيادة معدلات حفر الآبار لزيادة الإنتاج. وتشبه عمليات إنتاج النفط الصخري عمليات التعدين التي تتطلب حفر مستمر لزيادة الإنتاج أو الحفاظ على معدلاته مستقرة. وتتطلب استمرار عمليات الحفر تمويلاً مستمراً، ولهذا تلجأ شركات الإنتاج إلى المصارف والأسواق للحصول على السيولة اللازمة للحفاظ على معدلات إنتاجها. وقد بدأت صناعة النفط الصخري على أكتاف الشركات الصغيرة والمتوسطة والتي اعتمدت على التمويل المستمر والديون للاستمرار في عملياتها. من جهةٍ أخرى تحتاج صناعة النفط التقليدي إلى استثمارات ضخمة على فترة طويلة من الزمن تقوم بها شركات كبيرة تعتمد على التمويل الذاتي. وأدت خصائض صناعة النفط الصخري المختلفة عن النفط التقليدي إلى لعب التمويل دوراً حاسماً في استمراره ونجاحه.
وقاد تراجع أسعار النفط إلى محاولة شركات النفط الصخري التكيف مع تراجع الإيرادات ومحاولة خفض التكاليف. ونجحت بعض الشركات في خفض تكاليف الحفر، ويدعي بعضها أنه خفضت تكاليف الحفر بحوالي الربع. وتدعي شركات أخرى بأنها رفعت الإنتاجية باستخدام تقنيات جديدة. ويرى المتشائمون حول صناعة النفط الصخري أن معظم مكاسب الكفاءة التي حدثت مؤخراً في هذه الصناعة جاءت نتيجةً لخفض العمالة وتراجع الأجور وخفض تكاليف خدمات الحقول. وقد تراجع عدد الحفارات العاملة في إنتاج الزيت الصخري منذ الصيف الماضي بأكثر من النصف، بسبب تراجع التدفقات النقدية للشركات وارتفاع تكاليف الحفر.
ويدور جدل بين المختصين في قضية تراجع عدد الحفارات العاملة في إنتاج الزيت الصخري الولايات المتحدة، حيث يعتقد البعض أن تراجع عدد الحفارات مؤشر على تراجع الإنتاج المستقبلي، بينما يرى آخرون ضرورة التعمق في تحليل مؤشر تراجع الحفارات وأنه ليس دليلاً مؤكداً على تراجع الإنتاج. ويؤكد المتفائلون بخصوص هذا الموضوع أن تراجع عدد الحفارات العاملة في إنتاج الغاز الصخري قبل عدة سنوات لم يؤد إلى تراجع إنتاج الغاز الصخري.
ويرى المتفائلون أن تراجع عدد الحفارات بأكثر من النصف منذ الصيف الماضي، لا يعتبر كافياً على تأكيد تراجع إنتاج النفط الصخري. ويظن هؤلاء بأن باستطاعة المنتجين التركيز على خفض التكاليف في المناطق الأكثر إنتاجية، حيث بإمكان المنتجين ان يصبحوا اكثر كفاءةً من خلال زيادة معدلات الإنتاج. ويرى المنتقدون لوجهة النظر هذه أن زيادة الكفاءة أو على الأصح الإنتاج تأتي على حساب الإسراع في معدلات نضوب الآبار. ولهذا فإن زيادة الكفاءة تقلل من جدواها زيادة سرعة نضوب الآبار. وقد يقف هذا السبب وراء زيادة إنتاج الزيت الصخري بعد تراجع الأسعار، مما يعني أن نضوب الكثير من الآبار سيصبح أسرع مما كان قبل تراجع الأسعار، وهو ما يعني في النهاية سرعة كبيرة في تراجع الإنتاج في مراحل لاحقة. وتشير النتائج المالية لكثير من شركات الزيت الصخري أن الحفاظ على حجم الإنتاج يتطلب سيولة أكثر من التدفقات النقدية لهذه الشركات.
وساهمت سياسة التيسير الكمي في نجاح ثورة النفط والغاز الصخري خلال السنوات الخمس الماضية، كما أنها ستستمر في تيسير توفير الكثير من السيولة المحتاجة لإنتاج النفط الصخري خلال عام 2015م، والعامين القادمين. ويتوقع البعض أن تظل أسعار النفط منخفضة لمدة ليست بالقصيرة بسبب ما وفره التيسير الكمي من سيولة لهذا القطاع والذي يحتاج تأسيسه والاستمرار فيه إلى سيولة كبيرة.
وإذا استمرت أسعار النفط متراجعة لفترة طويلة فلن يقتصر تأثيرها على القطاع النفطي، حيث من المتوقع أن يمتد تأثيرها إلى نواح كثيرة، كالإسراع في خفض استخدام الفحم الحجري، وإبطاء التحول نحو مصادر الطاقة البديلة والمتجددة، وخصوصاً في قطاع المواصلات. وقد يقود تراجع أسعار النفط لفترة طويلة إلى خفض إنتاج الغاز الطبيعي في عدد من الدول بما في ذلك الولايات المتحدة، والذي يأتي جزء كبير منه مصاحباً لعمليات إنتاج النفط.
بعض وسائل الحصول على السيولة
دفع توفر التمويل الرخيص بسيولة عالية إلى قطاعات أسواق المال، ومن ضمنها شركات النفط الصخري. واستخدمت شركات النفط الصخري الوسائل التقليدية كالحصول على القروض من المصارف وإصدار أسهم في أسواق رأس المال. ونجحت شركات إنتاج النفط الصخري الجيدة في بيع أسهم إضافية في الأسواق والحصول على السيولة. وقد مكنت هذه الطريقة بعض الشركات من الاستمرار في الإنتاج والحفر.
وساعدت الهندسة المالية وما توفره من آليات مبتكرة للاستثمار تخدم المستثمرين والمنتجين، على تدفق المزيد من السيولة لهذه الشركات. وقد استخدمت شركات النفط الصخري العديد من منتجات الهندسة المالية والتي من أهمها: آليات المشاركة المحدودة في القطاع النفطي، والصناديق المرتبطة بالسلع، وتجمعات الاستثمار الخاصة.
وتوفر وسائل أو آليات المشاركة المحدودة للشركات مصادر تمويل بدون زيادة المديونية واللجوء للمصارف التي تفرض شروطها على المقترضين، كما أنها تمنح في نفس الوقت المستثمرين عائداً ثابتاً من ملكية مشاريع البنية الأساسية في القطاعات النفطية، كخطوط أنابيب الغاز والنفط. وتجبر أنظمة الضرائب الأمريكية بتمرير كامل عائد الاستثمار في هذه الآليات إلى المستثمرين، كما تقصر مسؤوليات المستثمرين على المبالغ المستثمرة. كما تدفقت استثمارات في الأوراق المالية المرتبطة بالسلع، وذلك من قبل الباحثين عن عوائد مرتفعة. ودخلت بلايين الدولارات على العقود المستقبلية لصناديق السلع المتنوعة والمرتبطة بمؤشرات سلع جولدمان ساك وصناديق التجارة بالعقود المستقبلية المرتبطة بالنفط. وسمحت بلايين الدولارات في هذه الصناديق للمننتجين بالتحوط في عمليات البحث والإنتاج. كما جاءت موارد مالية إضافية من خلال ما يسمى بتجمعات الاستثمار الخاصة بالأسهم، وهي آليات تستهدف الشركات أو المنتجين النفطيين الذين يعانون من مصاعب مالية. ويستثمر في هذه التجمعات الباحثين عن عوائد مرتفعة، حيث يحاولون شراء الشركات المتعثرة ومحاولة إنقاذها، مما يوفر فرصة لإعادة تأهيل هذه الشركات ويساهم في دعم الإنتاج والاستمرار فيه.
وقد دعمت الأدوات المالية الاستثمار في المخزون النفطي أيضا، حيث وفرت السيولة للتوسع في بناء مرافق تخزين النفط الخام ومنتجاته، مما رفع القدرة التخزينية وأخر انهيار الأسعار أو خفض من سرعة وحجم تراجعها. وأدت زيادة القدرات التخزينية في الولايات المتحدة إلى استمرار انخفاض تكاليف تخزين النفط ومنتجاته. وقد مكنت زيادة القدرة التخزينية المستثمرين من شراء النفط وتخزينه وبيعه بأرباح جيدة تتجاوز 10% خلال عدة أشهر، وبعد دفع تكاليف القروض والتخزين وبمخاطر منخفضة.
وقد وفرت الوسائل المالية المستحدثة الكثير من السيولة لمنتجي الزيت الصخري كما خفضت بدرجة كبيرة من معدلات تراجع الإنتاج. ويذهب بعض المتفائلين إلى أن وسائل التمويل ستحد من انخفاض إنتاج النفط الصخري وتمد في عمره. وبهذا يمكن القول إن السياسة النقدية الميسرة المتمثلة بالتيسير الكمي قد حمت المنتجين من قوى السوق الضاغطة عليها ولو لبعض الوقت.
أحدث المعلومات عن قطاع النفط الصخري
تشير معلومات شركة تصنيف الائتمان «مودي» إلى أن قطاع النفط الصخري قطاع غير متجانس، حيث تنخفض تكاليف الإنتاج في بعض الشركات إلى 20 دولارا للبرميل ثم ترتفع في شركات أخرى إلى أعلى من ذلك وقد تصل إلى 70 دولاراً للبرميل. أما متوسط التكاليف في الصناعة ككل فيصل إلى حوالي 51 دولاراً للبرميل، مما يعني أن حوالي نصف الشركات تعاني حالياً من الخسائر بسبب تدني اسعار النفط الأمريكي. وتورد استطلاعات بعض المؤسسات المالية تزايد ديون 62 شركة عاملة في قطاع النفط الصخري في الربع الأول من 2015م إلى حوالي 235 بليون دولار. وقد بدأت الشركات تلجأ إلى الأسواق المالية بإصدار أسهم إضافية من أجل أغراض التمويل. وقد حصلت شركات النفط الصغيرة والمتوسطة على حوالي 10 بلايين دولار بهذه الطريقة خلال الربع الأول من 2015م.
وتوقعت مؤسسة التصنيف الائتماني مودي مؤخراً أن تتعرض 7.4% من شركات النفط الأمريكية للإفلاس خلال عام 2015م، وأن ترتفع حالات الإفلاس في الربع الأخير من العام. ويقع حوالي 15% من الشركات العاملة في القطاع النفطي ضمن دائرة أسوأ الشركات تصنيفاً من الناحية الائتمانية، ويعتبر معدل القطاع النفطي الأعلى بين كل القطاعات.
ويرجع الكثير من المهتمين تأخر إفلاس العديد من شركات النفط الصخري إلى سببين مهمين. الأول منهما: هو تحوط العديد من الشركات العاملة في الإنتاج النفطي لأسعار النفط قبل تراجعها الفعلي، مما حصن وضع هذه الشركات لعدة أشهر بعد هبوط الأسعار. وستنتهي فترة التحوط في عام 2015م، وعندها تبدأ العديد من الشركات بالانكشاف على مخاطر أسعار النفط المتراجعة، وخصوصاً الشركات التي لم تكن في وضع جيد بدون التحوطات.
وكانت نسب تحوط الشركات الأمريكية الرئيسية العاملة في إنتاج النفط الصخري لتقلبات الأسعار مرتفعة في السابق ولكنها تراجعت بعد تدني الأسعار، حيث تحوط لتدني الأسعار حوالي 75% من الشركات الرئيسية في العام الماضي، ثم تراجعت هذه النسبة إلى حوالي 63% في هذا العام، ومن المتوقع تراجعها إلى 43% العام القادم. وقد أدى تراجع الأسعار إلى خفض الأسعار التحوطية مما يعني تراجع الإيرادات مع تراجع الأسعار.
أما السبب الثاني لتأخر إفلاس الكثير من الشركات، فيعود إلى توقيت إعادة تقييم الأوضاع الائتمانية للشركات، حيث تتم مراجعة الأوضاع الائتمانية للشركات مرتين في العام: الأولى في ابريل والثاني في أكتوبر أو نوفمبر. وستعاني الشركات التي يتراجع تقويمها الائتماني من صعوبة الحصول على التمويل من المصارف أو من الأسواق والأفراد.
وقد يقطع الكثير من المصارف قنوات التمويل عن العديد من الشركات النفطية؛ مما سيعرضها لمواجهة مخاطر الإفلاس. وتتوقع المصارف أن يزداد عدد الشركات النفطية التي تعاني من معضلات مالية ولهذا فإن استعداد المصارف لتمويل هذه الشركات يقل مع مرور الوقت وتراجع الأسعار، كما ستزداد كلف التمويل. وقد تراجع العائد على سندات ديون القطاع النفطي بحوالي 20% منذ تراجع أسعار النفط.
وقد شجعت أسعار النفط المرتفعة الكثير من الشركات الصغيرة على دخول قطاع النفط الصخري، ولكن هذه الشركات كانت بحاجة ماسة للتمويل للنهوض والتوسع. ووفرت سياسة التيسير الكمي سيولة عالية ومعدلات فائدة متدنية مكنت هذا القطاع من النمو السريع خلال السنوات الماضية. وقد استفادت شركات النفط الصخري من هذه الفترة بالحصول على ديون كبيرة لحفر أكبر عدد من الآبار خلال الفترة.
ويعتقد البعض أن هناك شركات كثيرة كان ينبغي أن لا تخرج إلى الوجود ولكن التمويل الرخيص ساعد على ظهورها وتكونها. ومن المتوقع مرور القطاع بمرحلة إعادة هيكلة للصناعة، بحيث سيشهد المستقبل المزيد من الاستحواذات والاندماجات والإفلاسات لشركات النفط الصخري.
وقد أفلست إلى حد الآن 16 شركة نفط أمريكية في هذا العام، وهناك 8 شركات قريبة من الإفلاس حسب مؤسسات بعض التصنيف الائتماني.
وستكون أوضاع الكثير من الشركات صعبة بسبب توقع استمرار تراجع أسعار النفط، وسيزداد الوضع سوءًا لو تراجعت السيولة وازدادت معدلات الفائدة. وقد نجت الكثير من الشركات خلال إعادة التقويم الائتماني في ابريل الماضي ولكن الكثير سيعاني في إعادة التقييم القادم الذي سيبدأ في أكتوبر. وقد حذرت الإدارات الحكومية المختصة في الولايات المتحدة المصارف من ضرورة التنبه لمخاطر إقراض الشركات العاملة في قطاعي النفط والغاز.
ويساور بعض المختصين القلق بشأن السيولة العالية التي تدفقت للأسواق المالية وخصوصاً القطاعات النفطية. حيث ينتابهم القلق بشأن خفض معدلات الفائدة والتي أدت إلى تدفق سيولة عالية إلى قطاع النفط وربما أدت إلى تكون فقاعة في هذا القطاع. فهل ستقود عودة أسعار الفائدة إلى الارتفاع إلى انفجار هذه الفقاعة وخسارة المستثمرين في هذا القطاع؟ هذا ما ستخبرنا به الأيام القادمة.
ترتفع أعمار إنتاج آبار النفط التقليدي إلى عشرات السنوات بينما تنخفض في النفط الصخري