عندما تم عرض تمثال مصري قديم للبيع من قبل متحف بريطاني، دعت الحكومةُ الناسَ إلى إنقاذه بالنيابة عن الدولة- دون عرض تقديم المبلغ النقدي بنفسها.
بدلا من ذلك، حث وزير الآثار المصريين على أن يساهموا أنفسهم لشرائه. أصبحت مثل هذه النداءات علامة تجارية في ظل الرئيس عبدالفتاح السيسي. جمعت الحكومة أكثر من 8 مليارات دولار لتوسيع قناة السويس عن طريق بيع شهادات الاستثمار للناس، وقد تكون تميل إلى تكرار الصيغة نفسها.
يروج السيسي لسلسلة تعرف باسم المشاريع الكبرى لإنعاش اقتصاد مصر، بدءا من توسيع قناة السويس إلى استصلاح مساحات من الصحراء وبناء عاصمة جديدة شرق القاهرة. لكن من الذي سيسدد تكاليف هذه المشاريع؟ لدى مصر واحدة من أكبر حالات العجز في الميزانية في المنطقة، مما يضع سقفا على قدرتها على بيع المزيد من السندات. ودول الخليج التي دعمت السيسي خلال فترة الاضطرابات في السنوات الأخيرة ربما تسعى لتخفيف المعونات، ذلك لأن هبوط النفط يؤثر على المالية العامة فيها.
قال إدوارد كوغلان، رئيس تحليلات الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لدى شركة أبحاث بي إم آي، وهي وحدة تابعة لمجموعة فيتش: «التمويل سيكون مشكلة. إن وضع مصر المالي الصعب لا يسمح لها بالحصول على المزيد من الديون، سواء على الصعيد المحلي أو الدولي».
علامات على الانتعاش
لهذا السبب يتحول الرئيس إلى الجمهور، رغم أن متوسط الدخل يبلغ فقط حوالي 3 آلاف دولار سنويا في اقتصاد كان قد تعثر وسط الاضطرابات السياسية. ارتفع العجز في الموازنة فوق 10 بالمائة من الناتج بعد انتفاضة عام 2011 وبقي في ذلك المستوى، والديون تقترب من 100 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي، واضطر المصرف المركزي للسحب من الاحتياطيات من أجل دعم الجنيه.
كانت هنالك إشارات ودلائل على الانتعاش في الآونة الأخيرة. ارتفع النمو إلى أكثر من 4 بالمائة في السنة المالية الأخيرة لأول مرة منذ عام 2011، وفقا لصندوق النقد الدولي، وقد أصبح الخبراء الاقتصاديون الذين شملهم استطلاع بلومبيرج أكثر تفاؤلا بشأن عام 2016.
قال هاني جنينة، كبير الاقتصاديين في مصرف القاهرة الاستثماري (فاروس القابضة)، إنه من أجل الحفاظ على قوة الدفع فإن الحكومة ستضطر إلى الاستمرار في الإنفاق. وقال أيضا إن المشاريع التي تقودها الدولة مثل مشروع إصلاح قناة السويس، جنبا إلى جنب مع الطرق الجديدة ومصانع توليد الطاقة، هي التي تدفع هذا الانتعاش، وهذا يجعلها هشة.
دفعات الفوائد المترتبة على مصر
قال جنينة: «من المثير للقلق أنه خلال الأشهر الستة المقبلة أو السنة القادمة، سنكون نعتمد على كيان واحد، الحكومة، ذات القدرة المحدودة نظرا لتوافر التمويل».
أسهمت المملكة العربية السعودية وعدد من البلدان الأخرى من الخليج العربي بأكثر من 30 مليار دولار على شكل مساعدات واستثمارات منذ منتصف عام 2013. لكن إيراداتها انخفضت أيضا خلال العام المنصرم لأن أسعار النفط الخام هبطت بمقدار النصف.
قال أنتوني سايموند، الذي يساعد في إدارة 13 مليار دولار من سندات الأسواق الناشئة في أبردين لإدارة الأصول في لندن، إن هذا «بالتأكيد سوف يُترجَم إلى تراجع الأموال المتاحة للاستثمارات في مصر. إذا بقيت أسعار النفط أقل من نطاق 60- 70 دولارا خلال العامين المقبلين، فإن مصر قد تضطر للسعي إلى مستثمرين رئيسيين آخرين لتلبية احتياجاتها ومشاريعها في البنية التحتية».
يشار إلى أن جهود السعي للحصول على التمويل من الجمهور، بدأتها الحكومة المصرية بعد وقت قصير من تولي السيسي لمنصبه في يونيو من عام 2014. وقد أنشأت الحكومة صندوقا لجمع المساهمات، وأطلقت عليه اسم «تحيا مصر»، ويستهدف أساسا المصريين الأكثر ثراء. وقد أراد السيسي أن يضرب المثل لأبناء مصر، حيث تعهد بأن يدفع نصف راتبه الشهري البالغ 42 ألف جنيه مصري (5364 دولارا) إلى نصف أصوله.
يجب تقديم التضحيات
لكن بعد سنة من تأسيسه كان الصندوق قد جمع فقط 6.75 مليار جنيه، أي أقل من 1 بالمائة من إجمالي إنفاق الدولة، وفقا لصحيفة الوطن.
إن المصريين أمثال سوسن فؤاد، البالغة من العمر 41 عاما وهي أم لولدين، غير راضين عن النداءات المتكررة لجمع الأموال النقدية. حيث إنهم يريدون معرفة ما يمكن لحكومتهم القيام به من أجلهم، وليس العكس.
تقول سوسن فؤاد: «مررنا بسنة كان يُطلب فيها منا تقديم المساعدة والتضحيات، أنا لست متأكدة عن أي شيء آخر سنتخلى لتلبية الاحتياجات. الشيء الوحيد المتبقي هو التوقف عن تناول الطعام أو التوقف عن إرسال أولادنا للمدارس».
كان أكبر نجاح للتمويل العام عندما قدمت الحكومة شيئا في المقابل. جمع المصريون 64 مليار جنيه (8.2 مليار دولار) من شهادات الاستثمار الخاصة، التي تصدر لتمويل مشروع توسعة قناة السويس، في أقل من أسبوع. هذه السندات تدفع سعر فائدة سنوي بنسبة 12 بالمائة، ولا يتم تداولها في الأسواق الثانوية. يسمح فقط للمؤسسات والأفراد المصريين بالاشتراك.
قد تلجأ الحكومة إلى إصدار المزيد من الشهادات لتمويل مشروع العاصمة الجديدة المخطط له، بحسب ما نشرت صحيفة المال الشهر الماضي. من غير المقرر أن يلعب قطب قطاع العقارات في الإمارات العربية المتحدة، مهند العبار، الذي وقع اتفاقا أوليا ليكون المطور الرئيسي للمشروع، ذلك الدور، وفقا للمسؤولين.
إن مثل هذه الصكوك تعتبر مصدرا بديلا للسيولة التي لا تأتي بالضرورة من القطاع المصرفي، بحسب ما قالت رزان ناصر، وهي اقتصادية أولى لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لدى بنك إتش إس بي سي القابضة في دبي: «يستخدم بعض الناس المال الذين كان مدخرا لديهم».
هنالك فوائد أخرى تجنيها الحكومة. إن الاقتراض من خلال تلك القناة لا يظهر في الميزانية الرسمية، وهكذا تتجنب جعل المقاييس السيئة حاليا تبدو وكأنها أسوأ، بحسب ما قال كوغلان.
أيضا، قال كوغلان: «إن الديون الموجودة أقل عرضة لارتفاع أسعار الفائدة العالمية وشعور المستثمرين تجاه مصر. هنالك عنصر محبة وحماس للوطن عندما يتعلق الأمر ببعض الأسواق الناشئة، لذلك يكون دائما من الأرخص جمع المال من خلال الاستدانة باستخدام تلك الطريقة». وهو يتوقع المزيد من مثل هذه المبيعات.
في المقابل، كانت الجهود المبذولة لجمع الأموال للتمثال الفرعوني- صورة للكاتب سيخيمكا، المنحوتة من العقيق قبل حوالي 4500 عام- فاشلة. باع المتحف في نورثامبتون ذلك التمثال لهاو مجهول في جمع التماثيل. قالت مشيرة موسى، المتحدثة الرسمية باسم وزارة الآثار المصرية: «في البداية، كان هنالك القليل من الأمل في إنقاذ ذلك التمثال، أما الآن فإن الأمل قد ضاع إلى الأبد».